علي أنال ذخيرة أحيا بها
من هذه النفحات للأحياء
كلمة ختامية
لمحة سريعة
لما أتيح لي إصدار ديواني «أشعة وظلال» منذ عامين، تعمدت تجريده من كل تصدير ودراسة؛ نزولا على ملاحظات صديقي الناقد المجيد صديق شيبوب، الذي رأى ويرى أن يترك الشعر لقرائه يتذوقونه كما يشاءون ويفسرونه حسب تجاوبهم له، ولكن التجربة أقنعتني أن هذا لا يتفق وحال الثقافة الحاضرة في العالم العربي؛ ولذلك لم يسعني إلا الترحيب بالمؤازرة الأدبية التي تفضل بها علي في دراسة هذا الديوان ونقد شعري عامة صفوة من خيرة شعرائنا ونقادنا، ويكفي أن تذكر أسماء مطران وناجي والصيرفي وإبراهيم المصري.
إن غاية ما أطمح إليه من نشر هذه المجموعة وسواها من شعري، إنما هو رد الجميل، أو بعضه إلى الحياة، وإلى أهلها الذين تجاوبت روحي وأرواحهم، فليس حتما علي تحليل هذا الشعر وشرحه لغيرهم؛ لأني لا أطمع في أن يعنى به من لا تجاوب بيني وبينهم، ولكني في الوقت ذاته لا أريد أن أحول دون هذا التجاوب ولا دون مضاعفته لدى من عندهم بفطرتهم استعداد وجداني له إذا كانت أمثال هذه الدراسات مما يفسح أفق التأمل والتجاوب أمامهم.
ونزولا على هذا المبدأ سمحت في مجلة «أبولو» بمنبرها العام الذي هو غاية في الحرية النقدية، حتى ينقد في غير استثناء شعراء العصر - بما لهم وما عليهم - النقد الوافي أثناء حياتهم، فيستفيد الأدب من الحوار ومن الدراسات المتنوعة ويتاح لهم في الوقت ذاته الدفاع عن آرائهم الفنية، وهكذا يستفيدون ويفيدون مهما قسا النقد عليهم أو شط أحيانا، ولو أن بعض حضرات الشعراء والنقاد الذين عنوا بدرس هذا الديوان تفضل علي بما فيه انتقاص له لما ترددت لحظة في نشر نقدهم؛ وذلك نزولا على مبدئي السالف الذكر، وتقديسا مني لحرية النقد الأدبي.
وإذا كنت أتقبل بارتياح ما تكرموا به علي من تقدير بالغ ومدحة غالية، فإنما يرجع ارتياحي إلى شعوري بأن أريحيتهم موجهة إلى مدرسة أدبية محترمة لا إلى شخصي وحده؛ إلى مدرسة تقدر شخصيات أعضائها وغير أعضائها، وتعنى بتدوين روائعهم، وتعتبر كرامتها مقترنة بإظهار حسنات المجموع واطراح التمجيد الفردي والأنانية، وأي قيمة لأي فرد تقارن بمجموع القيم الممتازة المتنوعة لأفراد؟ •••
ليس معنى الشعر في روحه إثارة المشاعر بل التعبير عنها؛ إذ مبلغ إثارة المشاعر تختلف أسبابه بين بيئة وأخرى وبين شاعر وآخر، وقد يبقى الشاعر شاعرا في قدره الممتاز ولو عبر بلغة غير ذائعة، فالتعبير عن عواطف الشاعر قبل الاتصال بمشاعر غيره والتأثير فيها هو أساس الشعر، وليس العكس هو الصحيح كما يذهب فريق من النظامين الذين يجارون الجمهور بمقالات منظومة وفق أهوائه، لها من التأثير فيه ما لها لاعتبارات وقتية، ثم يسمون هذا اللغط شعرا.
وقد صدق رسكن في قوله: إن «الشعر إبراز العواطف النبيلة من طريق الخيال.» بلغة الكلام؛ إذ ليس حتما أن يكون الشعر نظما ولا أن يكون مقفى، وإنما يستحسن ذلك في ضروب من الشعر لاعتبارات إيقاعية وسيكولوجية، وإشراكا للموسيقى اللفظية مع الخيال والعاطفة في الإبراز الفني للغة المشاعر وفي خدمة ملكته الأصيلة إفصاحا وأنغاما؛ ذلك لأن ائتلاف الفنون الجميلة مما يضاعف بهاء المجموع ووقعه في النفوس، وليس لأن أحدها حقير في ذاته وهو مستقل، بل بالعكس قد يزداد وقع الشعر أحيانا في «تقشفه» وفي ابتعاده عن البهرج، كما هو شأن الشعر المرسل والشعر الحر في مناسباتهما الخاصة.
Shafi da ba'a sani ba