288

(وقولك: خرجت فإذا زيد)، لعله مثال لتخييل العدول إلى أقوى الدليلين من الفعل واللفظ. قال الشارح: الحذف هنا لما مر مع اتباع الاستعمال الوارد هذا، فإن قلت: لم يسبق في المتن ذكر للاتباع المذكور فكيف يمثل للحذف لما مر بما هو لاتباع استعمال الوارد؟ قلت: الاتباع المذكور مندرج تحت قوله: وإما لنحو ذلك، ونحن نظن بك أنك على ثروة كافية في معرفة هذا المثال قبل أن تصير مخاطبا لنا في هذا المقام، فلو اشتغلنا بما يتعلق به لتعدنا مشتغلا بفضول الكلام، فأعرضنا عنه خوفا عن الملام (وقوله: ) أي: الأعشى ([إن محلا وإن مرتحلا] أي: لنا في الدنيا) حلولا كحلول المسافرين وارتحالا إلى الوطن، وهو الآخرة، [وإن في السفر إذ مضوا مهلا] (¬2) في الصحاح السفر # جمع سافر، كصحب وصاحب- يقول: سفرت أسفر سفرا أي: خرجت إلى السفر، وفي القاموس: رجل سفر وقوم سفرة ذو سفر ضد الحضر، والسافر المسافر لا فعل له، وقوله: مهلا بالتحريك أي تؤدة ووقارا، وقوله: إذ مضوا متعلق بالمهل (و) حاصل المعنى (أن) لنا حلولا في الدنيا قليلا وارتحالا (عنها) إلى وطن بعيد لا يقطع طريقه بسرعة، ولا بد لنا من تهيؤ أسباب كثيرة في قطع هذه المسافة، فلفظ البيت خبر، ومعناه: تحسر على عدم التمكن في هذا الحلول القليل من تهيؤ أسباب السفر الشديد، وقطع الأمد البعيد، وفي الشرح وفي السفر الرفاق قد توغلوا في المعنى، لا رجوع لهم، ونحن على إثرهم، ودلالة المهل على ما ذكرنا أظهر مما ذكره ، والحذف هنا لقصد الاختصار، والعدول إلى أقوى الدليلين، وإتباع الاستعمال الشائع، فإنه كثر هذا الحذف في مثل هذا التركيب حتى قال سيبويه في كتابه: باب: إن مالا وإن ولدا، وقال الشيخ عبد القاهر: لو أسقطت إن لم يحسن الحذف، أو لم يجز؛ لأنها المتكلفة بشأنه، والمترجمة عنه، ولضيق المقام للتحسر ومحافظة الوزن، ولم يذكر الشارح إلا الوجه الثاني المضيق، ولقد نبه في هذا المثال على أن الخبر الظرف، مع كونه نائبا عن الخبر الحقيقي بحذف.

قال السيد السند: إن جعلت «إذ» اسما غير ظرف بمعنى الوقت جعلته بدلا عن السفر، أي: في السفر في زمان مضيهم، وإن جعلت ظرفا أبدلته من قوله: في السفر، والمعنى واحد، وفيه بحث؛ لأنه ذكر الرضي إن «إذ» لازم الظرفية لا يكون اسما إلا إذا أضيف إليه زمان، أو يكون مفعولا به، وأيضا التؤدة والوقار صفة السفر، لا وقت مضيهم، فالوجه ما ذكرنا (وقوله تعالى:

Shafi 433