والمخاطب بهذا الخطاب إمَّا مفرد غير معين، فيشمل جميع المكلفين غير النبي ﵌ لأنه كان يأخذ لعياله قوت سنتهم حين أفاء الله عليه النضير وفدك وخيبر، ثم يصرف ما بقي في الحاجات حتى يأتي أثناء الحول وليس عنده شيء، وما كان ملومًا ولا محسورًا، بل كان على ذلك صبارًا شكورًا مشكورًا- وأما هو النبي ﷺ، والمراد أمته، وعادة العرب أن تخاطب سيد القوم، تريد القوم، وتعبر بالمتبوع عن أتباعه، ونظير هذه الآية في ذلك: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾ (١) ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ (٢) فالنبي ﵌ غير داخل في هذا الخطاب بإجماع، وقد تقدم قوله تعالى: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ﴾، يعني الوالدين، وكان والداه عليهما الرحمة توفيا، فلم يدخل في الخطاب قطعًا، فكذلك هنا.
قال الإمام إبن العربي ﵁ في تعليل عدم دخوله في هذا الخطاب-: لما هو عليه من الخلال والجلال، وشرف المنزلة، وقوة النفس على الوظائف وعظيم العزم عله المقاصد. فأما سائر الناس فالخطاب عليهم وارد والأمر والنهي- كما تقدم- إليهم متوجه. إلا أفرادًا خرجوا من ذلك بكمال صفاتهم وعظيم أنفسهم، منهم أبو بكر الصديق خرج عن جميع ماله للنبي ﵌ فقبله منه الله سبحانه، وأشار على أبي لبابة وكعب بالثلث من جميع مالهم لنقصهم عن هذه المرتبة في أحوالهم. وأعيان من الصحابة كانوا على هذا، فأجزاهم النبي ﵌ عليه، وائتمروا بأمر الله واصطبروا على بلائه، ولم تتعلق قلوبهم بدنيا، ولا ارتبطت أبدانهم
(١) ٩٤/ ١٠ يونس.
(٢) ٦٥/ ٣٩ الزمر.