وبدت إحدى الثكنات من خارجها وكأنها لا ضوء فيها على الإطلاق، فدققت بابها ففتحه رجل ملتح كبير السن: «مساء الخير أيها الرفيق، هل تأذن لنا بالدخول؟» - «ومن أنتم؟» - «أنا أمين سر لجنة الحزب ومعي هنا» وأشار إلينا «لجنة من المركز العام.»
فقال العامل في سخرية ساذجة: «شيء جميل! مرحبا بكم في قصرنا! أتريدون بعض الجرذان أم تفضلون البق؟ دعكم من الروائح الكريهة.»
وكانت الثكنة مظلمة تقريبا، وجلس على فراش قذر شبان أصغر منه سنا يقرءون في مصابيح زيتية ضئيلة الضوء، وجلس غيرهم يلعبون الورق، ولم يلتفت إلينا معظم من كانوا في الثكنة من العمال البالغ عددهم نحو خمسين أو ستين، ولكن جماعة منهم التفوا حولنا يشكون ويلعنون ، وجاءت فأرة تجري بين أرجلنا.
وقال أحد العمال: «أتسمون سقط المتاع هذا فراشا؟ وهل هذه وسائد؟ لا، إنها خرق بالية قذرة.»
وسألته: «كم يوما تمضي حتى تغير أغطية الفراش ؟» - «تغير كل شهر إذا واتاك الحظ، وإذا لم يواتك فكل شهرين أو ثلاثة أشهر، وقد لا تغير أبدا.»
وصاح رجل آخر قائلا: «إنا لا نجد ما ينجينا من الحشرات والجرذان، تعال هنا وانظر.»
ورفع أحد أطراف سرير من حديد وضرب به الأرض عدة مرات، فخرج البق منزعجا من معششاته حتى اسودت منه أرض الحجرة وتراجعت مرتاعا على الرغم مني.
وجاء عامل آخر يكمل القصة فقال: «ولم لا تعشش عندنا الحشرات؟! إنا هنا نتناوب العمل، طائفة تروح وطائفة تجيء قبل أن يبرد الفراش، والأرض لا تغسل أكثر من مرة في الشهر، والحق أن هذه ليست حياة بل هي العذاب بعينه، فإذا أمطرت الدنيا فنحن في سفينة نوح، وإذا اشتد البرد كنا في القطب الشمالي.»
وسألته: «ولم تسكتون على هذا؟ ولم لا تشكون؟»
فقال مستهزئا: «نشكو! ألا ما أكثر الخير الذي نناله من الشكوى! إن اللجان تأتي إلينا كما أتيتم أنتم، ثم لا نسمع بعد ذلك شيئا، ونحن نريد أن نعمل، ونعرف أن العمل لازم وخطير، ولكننا خلقنا من لحم ودم لا من حجارة، ثم إن العمال في إحدى الثكنات الأخرى قرروا يوما ما أن يفعلوا شيئا يصلحون به تلك الحالة التعسة التي لا تطاق، فأجمعوا أمرهم على ألا يذهبوا إلى العمل حتى تنصلح أمورهم، وأظنكم تعرفون ما حدث.» - «ماذا حدث؟»
Shafi da ba'a sani ba