بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد حمد الله المتفضل على عباده بنهاية الجود والكرم، والصلاة والسلام على سيد ولد آدم، محمد وآله الواصلين إلى أقصى مقدور البشر في حفظ الشرع الأقوم:
فاني لما رأيت الجم الغفير من أبناء هذا الزمن من شيمتهم قطيعة بعضهم بعضا على وجه يؤدي إلى اختلال بقاء نظام النوع الانساني لأنه انما هو بالتواصل، ورأيت أن الفقهاء المتقدمين رضوان الله عليهم أجمعين لم يوردوا ما يتعلق بالصلة في مصنف يفزع إليه الطالب عند الحاجة، حداني ذلك على أن اكتب رسالة أبين فيها ما ورد من الأوامر الشرعية الواردة في الكتاب العزيز والسنة المطهرة في صلة الرحم وسائر من يطلب وصله حضا على امتثال ذلك.
Shafi 15
فاستخرت الله سبحانه وكتبت ما تيسر من ذلك، ووسمتها ب (أطائب الكلم في بيان صلة الرحم).
ورتبتها على مقدمة ومقالة:
Shafi 16
أما المقدمة فالصلة توجب الذكر الجميل في العاجلة ورفيع الدرجات في الأجلة.
ولا ريب أنها من الفروض العينية، حتى قيل إن تركها من الكبائر الموبقة.
والذي يظهر لي أن السر في ذلك أن الاجتماع مطلوب للشارع في بقاء نظام النوع الذي انما يتحصل ببقاء أشخاصه، والقرابة موجبة للمودة والألفة، ولذلك لم يشرع الانكاح الأجانب تحصيلا للألفة المطلوبة للشارع... صلة الرحم سببان يوجبانها، فكان توكها من الذنب العظيم، وقد... الشارع على الترغيب فيها والوعيد على تركها.
وفي عدة مواضع قد حض الله سبحانه في كتابه العزيز عليها،
Shafi 17
مثل قوله تعالى: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي /القرآن-الكريم/0/8" target="_blank" title="سورة العنكبوت: 8">﴿ووصينا الانسان بوالديه حسنا وان جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما﴾</a> (١).
<a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/82" target="_blank" title="سورة البقرة: 82">﴿وبالوالدين احسانا وذي القربى﴾</a> (٢).
<a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/90" target="_blank" title="سورة النحل: 90">﴿ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى﴾</a> (٣).
<a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/215" target="_blank" title="سورة البقرة: 215">﴿قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين﴾</a> (٤).
<a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/180" target="_blank" title="سورة البقرة: 180">﴿الا ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين﴾</a> (٥).
<a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/177" target="_blank" title="سورة البقرة: 177">﴿وآتى المال على حبه ذوي القربى﴾</a> (٦).
<a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي /القرآن-الكريم/0/22" target="_blank" title="سورة النور: 22">﴿ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى﴾</a> (٧).
<a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/75" target="_blank" title="سورة الأنفال: 75">﴿وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض﴾</a> (٨).
ومن ذلك الامر بالشكر للوالدين في قوله جل ثناؤه <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/14" target="_blank" title="سورة لقمان: 14">﴿أن اشكر لي ولوالديك﴾</a> (9).
Shafi 18
وقد أمر عز وجل نبيه صلى الله عليه وآله بقوله <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/214" target="_blank" title="سورة الشعراء: 214">﴿وأنذر عشيرتك الأقربين﴾</a> (١).
<a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/132" target="_blank" title="سورة طه: 132">﴿وأمر أهلك بالصلاة﴾</a> (2).
وفي أمره بأمرهم بذلك على الخصوص نظرا إلى أن الأهل أحق بالشفقة ايماء إلى المطلوب.
والسر في البدأة في بعض هذه الآيات بذكر الوالدين: أن حق ذوي القربى كالتابع لحقهما، لتفرع اتصالهم عليهما. ضرورة ان الانسان انما يتصل به أقرباؤه بواسطة اتصالهما.
وكذا السر في تقديم ذكرهم: انهم أولى بالشفقة، فان القرابة مظنة الاتحاد والألفة والرعاية والنصرة، فلو لم يحصل شئ من ذلك لكان أشق على القلب وأبلغ في الايلام.
والضرر كلما كان أقوى كان دفعه أوجب، فلهذا وجبت رعاية حقوق أولي الأرحام.
وأما الاخبار الناطقة بذلك:
فمنها ما رواه الثقة الجليل محمد بن يعقوب الكليني في الكافي باسناده عن جميل بن دراج قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل (واتقوا الله الذي تسائلون به والأرحام ان
Shafi 19
الله كان عليكم رقيبا) (١). قال: فقال هي أرحام الناس، ان الله عز وجل أمر بصلتها وعظمها، ألا ترى انه جعلها منه.
قلت: أراد عليه السلام بالامر بصلتها الامر على سبيل الوجوب، ويلزم منه أن يكون المعنى اتقوا الأرحام أن تقطعوها، عن ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاك، وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام. فعلى هذا يكون الأرحام منصوبا عطفا على اسم الله.
وآخر الآية يجري مجرى الوعد والوعيد والترهيب والترغيب فان الرقيب هو المراقب الذي يحفظ جميع الأفعال، ومن هذه صفته يجب أن يخاف ويرجى.
وروى أيضا الثقة المذكور باسناده عن ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن- الكريم/0/21" target="_blank" title="سورة الرعد : 21">﴿الذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل﴾</a> (2) نزلت في رحم آل محمد عليه وعليهم السلام، وقد تكون في قرابتك. ثم قال: ولا تكونن ممن يقول للشئ انه في شئ واحد.
قلت: لعله عليه السلام يشير بذلك إلى أنه لا عبرة بخصوص سبب النزول، وانما العبرة بعموم اللفظ، وحينئذ لا يبعد الاستدلال
Shafi 20
بذلك على الترغيب في صلة مطلق القرابة حتى النائية بسبب الايمان.
وروى أيضا باسناده عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام مثله.
وباسناده عن محمد بن فضيل الصيرفي عن الرضا عليه السلام مثله أيضا.
وباسناده عن حنان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أبو ذر رحمه الله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: حافتا الصراط (1) يوم القيامة الرحم والأمانة، فإذا مر الوصول للرحم المؤدي للأمانة نفذ إلى الجنة، وإذا مر الخائن للأمانة القطوع للرحم لم ينفعه معهما عمل ويكبونه في النار (2) وباسناده عن يونس بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أول ناطق من الجوارح يوم القيامة الرحم، تقول: يا رب من وصلني في الدنيا فصل اليوم ما بينك وبينه، ومن قطعني في الدنيا فاقطع اليوم ما بينك وبينه.
وروى أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان
Shafi 21
باسناده عن النبي صلى الله عليه وآله قال: قال الله تعالى: أنا الرحمن، خلقت الرحم وشققت لها اسما من اسمي، فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته.
قال: وفي أمثال هذا الخبر كثرة.
قلت: أراد بذلك أنه بمنزلة التواتر معنى.
وباسناده عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ان أحدكم ليغضب فما يرضى حتى يدخل به النار، فأيما رجل غضب على رحمه فليمسنه، فان الرحم إذا مستها الرحم استقرت، وانها معلقة بالعرش تنادي: اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني .
قلت: لا ينافي ذلك ما رواه الصدوق في عيون أخبار الرضا عن أبيه موسى عليهما السلام قال: أخبرني أبي عن آبائه عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: الرحم إذا مستها الرحم تحركت واضطربت.
وذلك لان استقرارها من الغضب وزوال سورته عنها انما هو تحرك الدم واضطراب العروق الناشئين من المس المثمرين للرقة.
وروى الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في التهذيب
Shafi 22
عن السكوني، ورواه أيضا الصدوق في من لا يحضره الفقيه باسناده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الصدقة بعشرة، والقرض بثمانية عشر، وصلة الاخوان بعشرين، وصلة الرحم بأربعة وعشرين.
وباسناده عن عبد الله بن عجلان قال: قال لأبي جعفر عليه السلام: اني ربما قسمت الشئ بين أصحابي أصلهم به فكيف أعطيهم؟ قال: اعطهم على الهجر في الدين والفقه والعلم.
ولا خلاف وفي جواز الوصية للرحم، لما فيه من الجمع بين الصدقة والصلة، بل قد ورد النص بجواز الوصية له وان كان كافرا وهو الذي نقله الطبرسي في مجمع البيان عن كثير من العلماء.
ونقل عن أصحابنا أنها جائزة للوالدين والولد، وحجتهم في جوازها للوالدين ما تقدم من الآيات الدال بعضها على ذلك بالنص الصريح، ولهذا يجب أن يخص بها مجموع ما سيأتي من الأدلة الدالة على المنع من صلة كل عدو لله سبحانه بسبب استثناء هذا الفرد منه.
وقد أجمعوا على استحباب اختصاص الرحم بالصدقة الواجبة مع وجود الصفات المقتضية للاستحقاق، لقوله عليه السلام: لا صدقة وذو رحم محتاج.
Shafi 23
ولأن الاعتناء به في نظر الشارع أتم من غيره، ولهذا ورثه وكتب له الوصية عند حضور الموت بتوفير نصيبه في قوله <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/180" target="_blank" title="سورة البقرة: 180">﴿كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين﴾</a> (١)، لما فيها من زيادة الصلة.
وامر الولد الأكبر بوجوب التحمل عن أبيه ما فاته من صلاة وصيام تمكن منه ومات قبل أدائه، واستحباب الحج عنه مع المكنة.
ونهى عن الرجوع فيما وهبه لقريبه ولو بدون التصرف والتعويض، فكان الدفع إليه أولى ، وهو المروي عن الكاظم عليه السلام.
وكذا صدقة التطوع مستحب له، لقوله تعالى <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/15" target="_blank" title="سورة البلد: 15">﴿يتيما ذا مقربة﴾</a> (2).
وقال عليه السلام: الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم صدقة وصلة.
Shafi 24
واما المقالة ففيها مطالب:
المطلب الأول (في بيان معنى الرحم) الرحم لغة القرابة المطلقة، وكذا عرفا (1). وأورد أبو القاسم الراغب في مفرداته ان استعارته من رحم الأنثى، لكونهم خارجين من رحم واحدة، وأصله الرحمة، وذلك لأنها مما يتراحم به ويتعاطف، يقولون وصلتك رحم.
ومن أجل ما ذكرناه من اللغة والعرف ذهب علماؤنا إلى تسمية القرابة المطلقة رحما، سواء الذكر والأنثى والوارث وغير
Shafi 25
الوارث والمحرم وغير المحرم والمسلم والكافر، من قبل الأب والام أو من قبل أحدهما ، لان الاسم يتناول الجميع على السواء ولم يعهد في الشرع معنى آخر وضع هذا اللفظ له ، فوجب صرفه إلى المتعارف، كما هو المعهود من عادة الشرع.
ويؤيده ما رواه علي بن إبراهيم في تفسيره عن علي عليه السلام قال: قوله تعالى <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن- الكريم/0/22" target="_blank" title="سورة محمد: 22">﴿ فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم﴾</a> (1) نزلت في بني أمية بقتلهم الحسين عليه السلام.
وذلك لأنهم لصاق بعبد مناف، بسبب أن أخاه ربى عبدا له روميا اسمه أمية (2) ، والى ذلك أشار أمير المؤمنين عليه السلام لما كتب إليه معاوية انما نحن وأنتم بنو عبد مناف: ليس المهاجر كالطليق ولا الصريح كاللصيق (3).
Shafi 26
وبعض العامة قصر ذلك على المحارم الذين يحرم التناكح بينهم ان كانوا ذكورا و إناثا، وان كانوا من قبيل يقدر أحدهما ذكرا والاخر أنثى، فان حرم التناكح بينهم فهم الرحم. محتجا بأن تحريم الأختين انما كان لما يتضمن من قطيعة الرحم، وكذا تحريم أصالة الجمع بين العمة والخالة وابنة الأخ والأخت مع عدم الرضا عندنا ومطلقا عندهم.
ويرده ما تقدم.
نعم يشترط أن لا يبعد الشخص جدا بحيث لا يعد في العرف انه من القرابة، والا لكان جميع الناس أقرباء، لاشتراكهم في آدم عليه السلام.
وللمفيد قول بارتقاء القرابة إلى آخر أب وأم في الاسلام، وهو قول الشيخ في النهاية، ونقحه العلامة في القواعد بأن المراد بهمن يتقرب إليه ولو بأبعد جد أو جدة، بشرط كونهما مسلمين، فالجد البعيد ومن كان من فروعه وان بعدت مرتبته بالنسبة إليه معدود قرابة إذا كان مسلما.
ويضعف بأنه قد لا يساعد العرف عليه، فان من عرض تقربه إلى جد بعيد جدا لا يعد قرابة عرفا وان كان الجد مسلما، للعلة المتقدمة.
Shafi 27
وما قلناه أولا مختار المبسوط والخلاف، واليه ذهب ابن البراج وابن إدريس وأكثر المتأخرين، وقد مر وجهه.
ووجه الثاني قوله عليه السلام قطع الاسلام أرحام الجاهلية وقوله تعالى لنوح عن ابنه <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن- الكريم/0/46" target="_blank" title="سورة هود: 46">﴿انه ليس من أهلك﴾</a> (١).
ورده أبو القاسم جعفر بن سعيد في الشرايع بأنه غير مستند إلى شاهد.
وتوجيهه: انتفاء النص الصريح فيه، إذ لم يرد فيه الا هذه الرواية، وهي مع تسليم سندها غير دالة على المراد، لان قطع الرحم للجاهلية لا يدل على قطع القرابة مطلقا مع أصناف الكفار وكذا قطع الأهلية عن نوح.
قال ابن الجنيد: القريب من تقرب من جهة الأب أو الوالدين.
قال: ولا اختار أن يتجاوز بالتفرقة ولد الأب الرابع، لان النبي صلى الله عليه وآله لم يتجاوز ذلك في تفرقة سهم ذوي القربى من الخمس، ولا دلالة على أن ذوي القربى حقيقة في مستحق الخمس، وانما ذلك أمر أراده الله تعالى وفسره النبي صلى الله عليه وآله، بدليل ما روى أنه لما نزل <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/23" target="_blank" title="سورة الشورى: 23">﴿قل لا أسئلكم عليه أجرا الا المودة في القربى﴾</a> (2) قيل: يا رسول الله من قرابتك هؤلاء الذين وجبت
Shafi 28
علينا مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وابناهما. ذكره الزمخشري في الكشاف وغيره، واخبارنا ناطقة بأن باقي الأئمة المعصومين من قرباه الذين وجبت علينا مودتهم.
هذا معنى آخر للقرابة بالنسبة إليه عليه السلام سوى الأول، وهو قاض بأن للنبي صلى الله عليه وآله في القرابة معنى خاصا به، للقطع بأن القرابة في حق غيره عليه السلام لا يقتصر فيها على إحدى بناته وأولادها وبعلها الذي من شجرته. فالمرجع حينئذ إلى العرف.
وعن أبي حنيفة وأبي يوسف عدم اطلاق اسم القريب على الجد وولد الولد والوالدين والولد حي، لان عندهم من سمى والده قريبا كان عاقا، لان القريب من يتقرب إلى غيره بواسطة الغير، وتقرب الوالد والولد بنفسهما لا بغيرهما، لقوله تعالى والأقربين عطفه على الوالدين. ولا حجة فيه.
وقال فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير: لو أوصى لقرابته دخل قرابة الام في وصية العجم ولا تدخل في وصية العرب على الأظهر، لأنهم لا يعدون ذلك قرابة، بخلاف ما لو أوصى لأرحامه فإنه يدخل قرابة الأب والام. والحق عدم الفرق.
Shafi 29
المطلب الثاني (في بيان معنى الصلة وما يتعلق بذلك) قال الجوهري: الوصل ضد الهجران، والتواصل ضد التصارم.
فالقطيعة تحصل بالهجران وعدم الاحسان وما شاكلهما من وجوه الصلة، وتحصل أيضا بنفي النسب الثابت شرعا.
والمرجع في الصلة إلى العرف، إذ لا حقيقة لها شرعية ولا لغوية. وهو يختلف باختلاف العادات وبعد المنازل وقربها، فربما تحققت الصلة في عرف قوم بأمر في حالة ولا تتحقق في عرف آخرين في تلك الحالة.
وربما كان بعد المنازل سببا لسقوط الامر ببعض أنواعها، كالزيارة فان البعد سبب في سقوط الامر بها مع العسر.
وقد روى الثقة الكليني عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أوصى الشاهد من أمتي والغائب منهم ومن في أصلاب الرجال وأرحام النساء أن يصل الرحم وان كانت منه على مسيرة سنة، فان ذلك من الدين.
واعلم أن صلة من يطلب وصله من الأرحام والقرابات - ويدخل
Shafi 30
فيه قرابة الرسول صلى الله عليه وآله وقرابة المؤمنين الثابتة بسبب الايمان - تتأدى بالاحسان إليهم بحسب الطاقة والذب عنهم ونصرتهم والنصيحة لهم ودعوة المخالفين منهم إلى الايمان وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وحسن الخلق معهم وايصال حقهم إليهم وحفظ أموالهم عليهم وعيادة مرضاهم وحضور جنائزهم ومراعاة حقوق الرفقاء منهم في السفر والمجاورين والخدم منهم ونحو ذلك.
ولا ريب انه مع فقر بعض الأرحام - وهم العمودان أعني الاباء وان علوا والأولاد وان نزلوا - تجب الصلة بالمال، وتستحب لباقي الأقارب، وتتأكد في الوارث. للعلم بأنه إذا كانت القرابة قريبة كان الامر بالصلة آكد وأقوى، والموصول به هو قدر النفقة.
ولو كان له قريبان مضطران إلى الانفاق وليس هناك ما يفضل عن أحدهما قدم واجب النفقة، فان وجبت نفقتهما قدم الأقرب فالأقرب، فان تساويا فالقسمة على الأقرب.
ولو كان عنده ما لو أطعمه أحدهما لعاش يوما ولو قسمه بينهما لعاش كل منهما نصف يوم، فالظاهر القسمة، لعموم قوله تعالى <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي/القرآن-الكريم/0/90" target="_blank" title="سورة النحل: 90">﴿ان الله يأمر بالعدل والاحسان﴾</a> (1)، ولرجاء ما يتمم به حياة
Shafi 31
كل منهما.
وهل القسمة على الرؤوس أو على سد الخلقة؟ احتمالان، ويرجح الثاني أنه داخل في العدل، إذ يجب عليه مع القدرة اشباعهما مع اختلاف قدر أكلهما، فليكن كذلك مع العجز.
ولا تجب عليه هذه الصلة مع غنى القريب وان كان أحد العمودين. نعم تستحب الهدية إليه بنفسه أو رسوله.
قال الشهيد في قواعده: وأعظم الصلة ما كان بالنفس، وفيه أخبار كثيرة، ثم بدفع الضرر عنها، ثم بجلب النفع إليها، ثم بصلة من تحب وان لم يكن رحما للواصل كزوجة الأب والأخ ومولاه، وأدناها السلام بنفسه أو رسوله، والدعاء بظهر الغيب والثناء في المحضر.
قلت: الذي يدل على أن أدناها مثل ذلك قوله عليه السلام صلوا أرحامكم ولو بالسلام، ولو أداه بنفسه كان أفضل، ولو انضم إلى ذلك الصلة بالمال لمن لا تجب عليه نفقته كان أكمل. نعم لو كان على غير التقوى فينبغي أن يكون الدعاء له بخلوصه من الاثم أولى من زيارته وامداده بالمال.
وفي الدعاء بظهر الغيب أجر عظيم، فقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله: من دعا لأخيه بظهر الغيب ناداه ملك من السماء:
Shafi 32
ولك مثلاه.
المطلب الثالث (في بيان احكام الصلة) الصلة تنقسم بانقسام الاحكام الاقتضائية: فالواجب ما يخرج به عن القطيعة المحرمة ، والمستحب ما زاد على ذلك، والحرام قطيعة القرابة أو صلة الكافر، ومنه مخالف الحق الشريف وان لم يكن ناصبا، فان من هذا شأنه يجب البراءة منه وإن كان أقرب الناس وألصقهم نسبا، لقوله تعالى <a class="quran" href="http://qadatona.org/عربي /القرآن-الكريم/0/22" target="_blank" title="سورة المجادلة: 22">﴿لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم﴾</a> (1).
قال الزمخشري في الكشاف: معناه ان من الممتنع المحال أن تجد قوما مؤمنين يوادون المخالفين لله، والغرض انه لا ينبغي أن يكون ذلك، وحقه ان يمتنع ولا يوجد بحال، مبالغة في النهي عنه والزجر عن ملابسته والتصلب في مجانبة أعداء الله ومباعدتهم.
وانما حرمت صلته لأنها تقتضي خلاف ما أمر الله به من ذلك.
Shafi 33
وبمدلول هذه الآية جملة من النصوص، وقد أشرنا فيما تقدم إلى استثناء الوالدين للآية المتقدمة.
والمكروه صلة المستضعف، وهو من لا يعرف الحق ولا يعاند فيه ولا يوالي أحدا بعينه ، فإنه ليس بمؤمن، والمأمور بصلته انما هو المؤمن.
ولما كانت الصلة عبادة امتنع انقسامها إلى المباح، لخلوه من الرجحان المعتبر في العبادة.
المطلب الرابع (في بيان صلة القاطع) القاطع لا ينقطع حقه من الصلة اجماعا، إذ بترك عبادة من مكلف لا تسقط تلك العبادة من مكلف آخر ضرورة، وقد ورد في ذلك من النصوص ما لا يحصى كثرة:
فمنها ما رواه الثقة الكليني باسناده عن علي بن النعمان قال إسحاق بن عمار: بلغني عن أبي عبد الله عليه السلام أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله أهل بيتي أبوا الا تقريبا (كذا) على (1) وقطيعة لي وشتيمة فأرفضهم؟
قال: فإذا
Shafi 34