301

At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Nau'ikan

- المَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) كَيْفَ يُوْصَفُ اللهُ تَعَالَى بِالمَكْرِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَهُ مَذْمُوْمٌ؟
الجَوَابُ: إِنَّ المَكْرَ فِي مَحَلِّهِ المَمْدُوْحِ مَمْدُوْحٌ، فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ المَاكِرِ؛ وَأَنَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ، وَلَا يُوْصَفُ اللهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى الإِطْلَاقِ، فَلَا يَجُوْزُ أَنْ تَقُوْلَ: إنَّ اللهَ مَاكِرٌ، وَإنَّمَا تُذْكَرُ هَذِهِ الصِّفَةُ فِي مَقَامٍ تَكُوْنُ فِيْهِ مَدْحًا، مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِيْنَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوْكَ أَوْ يَقْتُلُوْكَ أَوْ يُخْرِجُوْكَ وَيَمْكُرُوْنَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللَّهُ خَيْرُ المَاكِرِيْنَ﴾ (الأَنْفَال:٣٠) (١)، وَهَذِهِ الصِّفَةُ لَا تُنْفى عَنْهُ أَيْضًا عَلَى سَبِيْلِ الإِطْلَاقِ، وَلَكِنْ يُوْصَفُ بِهَا اللهُ تَعَالَى فِي المَوْضِعِ الَّذِيْ تَكُوْنُ فِيْهِ مَدْحًا، فَلِذَلِكَ لَا يُسَمَّى اللهُ بِهَا؛ فَلَا يُقَالُ: إنَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ المَاكِرُ. (٢) (٣) (٤)

(١) وَتَأَمَّلْ كَيْفَ وَصَفَ اللهُ تَعَالَى نَفْسَهُ بِأَنَّهُ خَيْرُ مَنْ مَكَرَ، حَيْثُ دَفَعَ سُبْحَانَهُ كُلَّ شُبْهَةِ سُوْءِ فَهْمٍ عَنْ مَكْرِهِ.
(٢) وَذَلِكَ لِأَنَّ الاسْمِ يُفِيْدُ الاسْتِغْرَاقَ دُوْنَ التَّفْصِيْلَ، وَأَيْضًا لِأَنَّ الأَسْمَاءَ تَوْقِيْفِيَّةٌ.
(٣) وَمِثْلُهَا أَيْضًا صِفَةُ الخِدَاعِ وَالكَيْدِ، فَهِيَ صِفَاتٌ جَاءَتْ فِي مُقَابَلَةِ صَنِيْعِ أَعْدَاءِ الرُّسُلِ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى عِلْمِ اللهِ تَعَالَى بِصَنِيْعِهِم وَقُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِم وَإِحَاطَتِهِ بِهِم.
أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا مُحْتَالًا أَرَادَ خِدَاعَ شَخْصٍ؛ فَعَلِمَ بِذَلِكَ هَذَا الشَّخْصُ وَجَارَاهُ عَلَى خُدْعَتِهِ لِيُوقِعَ بِهِ وَلِيَرُدَّ خُدْعَتَهُ إِلَيْهِ وَيُوقِعَهُ فِي شَرِّ عَمَلِهِ؛ هَلْ يَكُوْنُ هَذَا الخِدَاعُ وَالمَكْرُ مُذْمُوْمًا؟ طَبْعًا لَا.
فَمَكْرُ الرَّجُلِ الأَوَّلِ هُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلَا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ (فَاطِر:٤٣).
وَأَمَّا مَكْرُ اللهِ تَعَالَى فَهُوَ فِي مُقَابَلَةِ مَكْرِهِم مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُوْنَ، فَهُوَ دَلِيْلٌ عَلَى القُوَّةِ وَالعِلْمِ وَالعِزَّةِ وَالمَنَعَةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُوْنَ﴾ (النَّمْل:٥٠)، وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ ﷺ (الحَرْبُ خَدْعَةٌ). رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٣٠٣٠)، وَمُسْلِمٌ (١٧٣٩) عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوْعًا.
(٤) وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿وَقَدْ مَكَرَ الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ المَكْرُ جَمِيْعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ﴾ (الرَّعْدُ:٤٢)، فَمَعْنَاهُ إِحَاطَتُهُ تَعَالَى بِمَكْرِهِم عِلْمًا وَجَزَاءً وَخَلْقًا وَتَقْدِيْرًا.
قَالَ البَغَوِيُّ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (٣٢٨/ ٤): (أَيْ: عِنْدَ اللهِ جَزَاءُ مَكْرِهِمْ، وَقِيْلَ: إِنَّ اللهَ خَالِقُ مَكْرِهِمْ جَمِيْعًا، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَالشَّرُّ، وَإِلَيْهِ النَّفْعُ وَالضُّرُّ، فَلَا يَضُرُّ مَكْرُ أَحَدٍ أَحَدًا إِلَّا بِإِذْنِهِ).

1 / 301