249

At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Nau'ikan

بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّطَيُّرِ
وَقَوْلُ اللهِ تَعَالَى ﴿أَلَا إِنَّمَا طَائُرُهْم عِنْدَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُوْنَ﴾ (الأَعْرَاف:١٣١).
وَقَوْلُهُ ﴿قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُوْنَ﴾ (يَس:١٩).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁؛ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ ﷺ قَالَ: (لَا عَدْوَى، وَلَا طِيَرَةَ، وَلَا هَامَةَ، وَلَا صَفَرَ). أَخْرَجَاهُ. (١)
زَادَ مُسْلِمٌ: (وَلَا نَوْءَ وَلَا غُوْلَ).
وَلَهُمَا عَنْ أَنَسٍ؛ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ: (لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الفَأْلُ). قَالُوا: وَمَا الفَأْلُ؟ قَالَ: (الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ). (٢)
وَلِأَبِي دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: (ذُكِرَتِ الطِّيَرَةُ عِنْدَ رَسُوْلِ اللهِ ﷺ، فَقَالَ: (أَحْسَنُهَا الفَأْلُ، وَلَا تَرُدُّ مُسْلِمًا، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يَكْرَهُ، فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ لَا يَأْتِي بِالحَسَنَاتِ إِلَّا أَنْتَ وَلَا يَدْفَعُ السَّيِّئَاتِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ). (٣)
وَلَهُ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ مَرْفُوْعًا (الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، الطِّيَرَةُ شِرْكٌ - ثَلَاثًا - وَمَا مِنَّا إِلَّا؛ وَلَكِنَّ اللهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ (٤)، وَجُعِلَ آخِرُهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ. (٥)
وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيْثِ ابْنِ عَمْرِوٍ (مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ عَنْ حَاجَتِهِ؛ فَقَدْ أَشْرَكَ). قَالُوا: فَمَا كَفَّارَةُ ذَلِكَ؟ قَالَ: (أَنْ يَقُوْلَ: اللَّهُمَّ لَا خَيْرَ إِلَّا خَيْرُكَ، وَلَا طَيْرَ إِلَّا طَيْرُكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ). (٦)
وَلَهُ مِنْ حَدِيْثِ الفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ (إِنَّمَا الطِّيَرَةُ مَا أَمْضَاكَ أَوْ رَدَّكَ). (٧)
فِيْهِ مَسَائِلُ:
الأُوْلَى: التَّنْبِيْهُ عَلَى قَوْلِهِ ﴿أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ﴾ مَعَ قَوْلِهِ ﴿طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ﴾.
الثَّانِيَةُ: نَفْيُ العَدْوَى.
الثَّالِثَةُ: نَفْيُ الطِّيَرَةِ.
الرَّابِعَةُ: نَفْيُ الهَامَةِ.
الخَامِسَةُ: نَفْيُ الصَّفَرِ.
السَّادِسَةُ: أَنَّ الفَأْلَ لَيْسَ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ مُسْتَحَبٌّ.
السَّابِعَةُ: تَفْسِيْرُ الفَأْلِ.
الثَّامِنَةُ: أَنَّ الوَاقِعَ فِي القُلُوْبِ مِنْ ذَلِكَ مَعَ كَرَاهَتِهِ؛ لَا يَضُرُّ بَلْ يُذْهِبُهُ اللهُ بِالتَّوَكُّلِ.
التَّاسِعَةُ: ذِكْرُ مَا يَقُوْلُ مَنْ وَجَدَهُ.
العَاشِرَةُ: التَّصْرِيْحُ بِأَنَّ الطِّيَرَةَ شِرْكٌ.
الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: تَفْسِيْرُ الطِّيَرَةِ المَذْمُوْمَةِ.

(١) البُخَارِيُّ (٥٧٥٧)، ومُسْلِمٌ (٢٢٢٠).
(٢) البُخَارِيُّ (٥٧٧٦)، ومُسْلِمٌ (٢٢٢٤).
(٣) ضَعِيْفٌ. أَبُو دَاوُدَ (٣٩١٩). الضَّعِيْفَةُ (١٦١٩). وَالحَدِيْثُ هُوَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ وَلَيْسَ عَنْ عُقْبَةَ كَمَا تَجِدُهُ فِي مَصْدَرِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ النَّوَوِيِّ ﵀ فِي كِتَابِهِ (رِيَاضُ الصَّالِحِيْنَ) (ص٥٩٣): (حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيْحٍ)! فَلَيْسَ بِصَحِيْحٍ. قَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ ﵀: (ضَعِيْفُ الإِسْنَادِ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيْقِ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيْبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ؛ قَالَ: ذُكْرَتْ الطِّيَرَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: فَذَكَرَهُ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ السُّنِّيِّ (٢٥٥/ ١) مِنْ طَرِيْقِ الأَعْمَشِ عَنْ حَبِيْبٍ بِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: (عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجُهَنِيَّ) بَدَلَ (عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ)، وَأَظنُّهُ تَصْحِيْفًا مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ. وَهَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيْفٌ - وَإِنْ كَانَ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ - فَإِنَّ حَبِيْبَ بْنَ أَبِي ثَابِتٍ كَثِيْرُ التَّدْلِيْسِ؛ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِالتَّحَدِيْثِ، وَعُرْوَةَ بْنَ عَامِرٍ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِيْنَ، فَالحَدِيْثُ مُرْسَلٌ، وَقِيْلَ: إِنَّ لَهُ صُحْبَةً، وَقَالَ الحَافِظُ فِي (التَّهْذِيْبِ): (أَثْبَتَ غَيْرُ وَاحِدٍ لَهُ صُحْبَةً، وَشَكَّ فِيْهِ بَعْضُهُم، وَرِوَايَتُهُ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ لَا تَمْنَعُ أَنْ يَكُوْنَ صَحَابيًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ رِوَايَةَ حَبِيْبٍ عَنْهُ مُنْقَطِعَةٌ). وَقَالَ فِي (الإِصَابَةِ) بَعْدَ أَنْ سَاقَ الحَدِيْثَ مِنْ طَرِيْقِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ: (رِجَالُهُ ثِقَاتٌ، لَكِنَّ حَبِيْبَ كَثِيْرُ الإِرْسَالِ». الضَّعِيْفَةُ (١٦١٩).
(٤) صَحِيْحٌ. أَبُو دَاوُدَ (٣٩١٠)، وَالتِّرْمِذِيُّ (١٥١٤). الصَّحِيْحَةُ (٤٢٩).
(٥) قَالَ التِّرْمِذِيُّ ﵀ (٢١٣/ ٣): (سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيْلَ (البُخَارِيَّ) يَقُوْلُ: كَانَ سُلَيْمَانُ (بْنُ حَرْبٍ) يَقُوْلُ فِي هَذَا الحَدِيْثِ (وَمَا مِنَّا إلَّا؛ وَلَكِنَّ اللهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ): هَذَا عِنْدِي قَوْلُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ).
قَالَ الشَّيْخُ الأَلْبَانِيُّ ﵀: (قَالَ الشَّارِحُ المُنَاوِيُّ: (لَكِنْ تَعَقَّبَهُ ابْنُ القَطَّانِ بِأَنَّ كُلَّ كَلَامٍ مَسُوْقٍ فِي سِيَاقٍ؛ لَا تُقْبَلُ دَعْوَى دَرْجِهِ إِلَّا بِحُجَّةٍ). قُلْتُ: ولَا حَجَّةَ هُنَا فِي الإِدْرَاجِ، فَالحَدِيْثُ صَحِيْحٌ بِكَامِلِهِ». الصَّحِيْحَةُ (٤٢٩).
(٦) صَحِيْحٌ. أَحْمَدُ (٧٠٤٥). صَحِيْحُ الجَامِعِ (٦٢٦٤).
(٧) ضَعِيْفٌ. أَحْمَدُ (١٨٢٤). (وَفِي إِسْنَادِهِ انْقِطَاعٌ بَيْنَ مَسْلَمَةَ الجُهَنِيِّ - رَاوِيْهِ - وَبَيْنَ الفَضْلِ). كَمَا فِي فَتْحِ المَجِيْدِ (ص٣١٥).
وَالحَدِيْثُ بِتَمَامِهِ عَنِ الفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ؛ قَالَ: (خَرَجْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ ﷺ يَوْمًا، فَبَرِحَ ظَبْيٌ فَمَالَ فِي شِقِّهِ فَاحْتَضَنْتُهُ؛ فَقُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ تَطَيَّرْتَ؟ قَالَ: (إِنَّمَا الطِّيَرَةُ مَا أَمْضَاكَ أَوْ رَدَّكَ». وضَعَّفَهُ الشَّيْخُ شُعَيْبٌ الأَرْنَؤُوْطُ فِي تَحْقِيْقِهِ لِلمُسْنَدِ.

1 / 249