223

At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Nau'ikan

الشَّرْحُ
- أَرَادَ المُصَنِّفُ ﵀ بِهَذَا البَابِ بَيَانَ أَنَّ السِّحْرَ أَنْوَاعٌ - أَيْ مِنْ جِهَةِ اللُّغَةِ، وَالعُرْفِ، وَالشَّرْعِ - وَمِنْهُ الكُفْرُ، وَمِنْهُ مَا دُوْنَ ذَلِكَ.
فَقَدْ يُسَمَّى الشَّيْءُ سِحْرًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ يَفْعَلُ فِعْلَ السِّحْرِ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي حَقِيْقَتِهِ سِحْرًا مِنْ جِهَةِ المَعْنَى الَّذِيْ هُوَ الكُفْرُ وَالشِّرْكُ وَعِبَادَةُ الشَّيَاطِيْن وَالاسْتِعَانَةُ بِهِم -، وَقَدْ يُسَمَّى أَيْضًا سِحْرًا مِنْ حِيْثُ خَفَاءِ أَسْبَابِهِ المَزْعُوْمَةِ.
- قَوْلُهُ (العِيَافَةَ): عَافَ الشَّيءَ يَعَافُهُ: إِذَا تَرَكَهُ فَلَم تبْغِهِ نَفْسُهُ، وعَافَ الطَّيْرُ يَعِيْفُ عَيَفَانًا وَعَيْفًا وَعِيَافَةً: إِذَا حَامَ فِي السَّمَاءِ. (١)
- قَوْلُهُ (زَجْرُ الطّيْرِ): هُوَ أَنْ يُحرِّكَ طَيْرًا حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى أَيْنَ يَتَحَرَّكُ، ثُمَّ يَفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ الزَّجْرِ هَلْ هَذَا الأَمْرُ الَّذِيْ سَيُقْدِمُ عَلَيْهِ أَمْرٌ مَحْمُوْدٌ أَمْ أَمْرٌ مَذْمُوْمٌ. وَهُوَ أَخَصُّ مِنْ عُمُوْمِ الطِّيَرَةِ الَّتِيْ هِيَ التَّشَاؤُمُ وَالتَّفَاؤُلُ، وَسَيَأْتِي الكَلَامُ عَلَيْهَا إِنْ شَاءَ اللهُ بَعْدَ أَبْوَابٍ. (٢)
- العِيَافَةُ مِنَ السِّحْرِ، فَحرَكَةُ الطَّيْرِ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً لَهَا أَثَرٌ خَفَيٌّ دَخَلَ فِي النَّفْسِ فَأَثَّرَ عَلَيْهَا مِنْ جِهَةِ الإِقْدَامِ أَوِ الكَفِّ. (٣)
- قَوْلُهُ (الطَّرْقُ): مَأْخُوْذٌ مِنْ وَضْعِ طُرُقٍ وَخُطُوْطٍ فِي الأَرْضِ، وَفَاعِلُهُ يُسَمَّى الرَّمَّالَ.
- قَوْلُ الحَسَنِ (رَنَّةُ الشَّيْطَانِ): أَيْ: مِنْ وَحْي الشَّيْطَانِ، وَالرَّنِيْنُ هُوَ صَوْتُهُ الَّذِيْ يَسْتَفِزُ بِهِ. (٤)
- قَوْلُهُ (اقْتَبَسَ): تَعَلَّمَ، وَ(شُعْبَةً): طائِفَةً.

(١) جَمْهَرَةُ اللُّغَةِ (٩٣٨/ ٢) لِابْنِ دُرَيْدٍ.
(٢) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ ﵀ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (٢١٣/ ١٠): (وَكَانُوا يَتَيَمَّنُوْنَ بِالسَّانِحِ وَيَتَشَاءَمُوْنَ بِالبَارِحِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِن رَمْيُهُ إِلَّا بِأَنْ يَنْحَرِف إِلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ بَعْضُ عُقَلَاءِ الجَاهِلِيَّةِ يُنْكِرُ التَّطَيُّرَ وَيَتَمَدَّحُ بِتَرْكِهِ.
قَالَ شَاعِر مِنْهُمْ: لَعُمْرُكَ مَا تَدْرِي الطَّوَارِق بِالحَصَى ... وَلَا زَاجَرَتُ الطَّيْرِ مَا اللهُ صَانِعُ).
(٣) وَيُمْكِنُ القَوْلُ بِأَنَّهَا مِنَ السِّحْرِ بِحَسْبِ مَا يُدَّعَى مِنْ أَثَرِهَا فِي عِلْمِ الغَيْبِ.
(٤) وَصَوْتُ الشَّيْطَانِ يَشْمَلُ أَشْيَاءَ كَثِيْرْةً؛ مِنْهَا: الأَغَانِي وَالمَزَامِيْرُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾ (الإِسْرَاء:٦٤). وَصَوْتُ الشَّيْطَانِ هُوَ كُلُّ كَلَامٍ بَاطِلٍ، وكُلُّ كَلَامٍ كُفْرٍ أَوْ شِرْكٍ.

1 / 223