211

At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Nau'ikan

- المَسْأَلَةُ الأُوْلَى) هَلْ يُقْتَلُ السَّاحِرُ؟
فِيْهَا عِدَّةُ أَقْوَالٍ:
١ - يُقْتَلُ مُطْلَقًا رِدَّةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُوْنُ إِلَّا بِالشِّرْكِ.
٢ - يُقْتَلُ رِدَّةً إِذَا كَانَ بِشِرْكٍ، وَحَدًّا إِذَا قَتَلَ غَيْرَهُ بِدُوْنِ شِرْكٍ - كَاسْتِعْمَالِ الأَدْوِيَةِ المُمْرِضَةِ -.
٣ - قَوْلُ شَيْخِ الإِسْلَامِ بِأَنَّهُ كَالزِّنْدِيْقِ؛ يُتْرَكُ أَمْرُهُ إِلَى الإِمَامِ بِحَسْبِ مَا يَرَاهُ، إِنْ رَأَى المَصْلَحَةَ الشَّرْعِيَّةَ فِي قَتْلِهِ؛ قَتَلَهُ.
وَالأَرْجَحُ أَنَّ مَنْ خَرَجَ بِهِ السِّحْرُ إِلَى الكُفْرِ فَقَتْلُهُ قَتْلُ رِدَّةٍ، ومَنْ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ السِّحْرُ إِلَى الكُفْرِ فَقَتْلُهُ هُوَ مِنْ بَابِ دَفْعِ الصَّائِلِ؛ وَحَيْثُ رَأَى الإِمَامُ المَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ. (١)
وَيَدُلُّ عَلَى عَدَمِ التَّفْرِيْقِ عُمُوْمُ أَمْرِ عُمَرَ لِلأُمَرَاءِ بِالقَتْلِ (٢)، وَقَوْلُ جُنْدُبٍ وفِعْلُهُ، وَإِقْرَارُ سَلْمَانَ (٣)، وَكَذَا فِعْلُ حَفْصَةَ ﵃. وَقَدْ سَبَقَ فِي البَابِ المَاضِي بَيَانُ ذَلِكَ.

(١) قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِيْن رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ (القَوْلُ المُفِيْدُ) (٥٠٩/ ١): (وَالحَاصِلُ: أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ تُقْتَلَ السَّحَرَةُ - سَوَاءً قُلْنَا بِكُفْرِهِم أَمْ لَمْ نَقُلْ - لِأَنَّهُم يُمْرِضُوْنَ وَيَقْتُلُوْنَ ويُفَرِّقُوْنَ بَيْنَ المَرْءِ وَزَوْجِهِ، وَكَذَلِكَ بِالعَكْسِ، فَقَدْ يَعْطِفُوْنَ فَيُؤَلِّفُوْنَ بَيْنَ الأَعْدَاءِ، وَيَتَوَصَّلُوْنَ إِلَى أَغْرَاضِهِم، فَإِنَّ بَعْضَهُم قَدْ يَسْحَرُ أَحَدًا لِيَعْطِفَهُ إِلَيْهِ وَيَنَالَ مآرِبَهُ مِنْهُ، كَمَا لَوْ سَحَرَ امْرَأَةً لِيَبْغِي بَهَا، وَلِأَنَّهُم كَانُوا يَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا؛ فَكَانَ وَاجِبًا عَلَى وَلِيِّ الأَمْرِ قَتْلُهُم بِدُوْنِ اسْتِتَابَةٍ مَادَامَ أَنَّهُ لِدَفْعِ ضَرَرِهِم وَفَظَاعَةِ أَمْرِهِم، فَإِنَّ الحَدَّ لَا يُسْتَتَابُ صَاحِبُهُ؛ مَتَى قُبِضَ عَلَيْهِ وَجَبَ أَنْ يُنْفِذَ فِيْهِ الحَدَّ، وَالقَوْلُ بِقَتْلِهِم مُوَافِقٌ لِلقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ؛ لِأَنَّهُم يَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا، وَفَسَادُهُم مِنْ أَعْظَمِ الفَسَادِ، فَقَتْلُهُم وَاجِبٌ عَلَى الإِمَامِ، وَلَا يَجُوْزُ لِلإمَامِ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ قَتْلِهِم، لِأَنَّ مِثْلَ هَؤُلَاءِ إِذَا تُرِكُوا وَشَأْنَهُم انْتَشَرَ فَسَادُهُم فِي أَرْضِهِم وَفِي أَرْضِ غَيْرِهِم، وَإِذَا قُتِلُوا سَلِمَ النَّاسُ مِنْ شَرِّهِم، وَارْتَدَعَ النَّاسُ عَنْ تَعَاطِي السِّحْرِ).
(٢) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ ﵀ فِي كِتَابِهِ (جَامِعُ العُلُوْمِ وَالحِكَمِ) (١٢٥/ ٢) - عِنْدَ شَرْحِ حَدِيْثِ اِتِّبَاعِ سُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِيْنَ مِنَ الأَرْبَعِيْنَ النَّوَوِيَّةِ (رَقَم ٢٨) -: (وَبِكُلِّ حَالٍ، فَمَا جَمَعَ عُمَرُ عَلَيْهِ الصَّحَابَةَ؛ فَاجْتَمَعُوا عَلَيْهِ فِي عَصْرِهِ؛ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ الحَقُّ، وَلَوْ خَالَفَ فِيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْ خَالَفَ).
(٣) قُلْتُ: وَقَدْ كَانَ مَوْضِعُ إِنْكَارِهِ عَلَى جُنْدُبٍ هُوَ الافْتِئَاتُ عَلَى الأَمِيْرِ وَمُبَاشَرَةُ الحَدِّ بِيَدِهِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.

1 / 211