At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid
التوضيح الرشيد في شرح التوحيد
Nau'ikan
بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِيْ مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِيْ مَنْ يَشَاءُ﴾ (القَصَص:٥٦)
وَفِي الصَّحِيحِ عَنِ ابْنِ المُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ; قَالَ: (لَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الوَفَاةُ; جَاءَهُ رَسُوْلُ اللهِ ﷺ وَعِنْدَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمِّيَّةَ وَأَبُو جَهْلٍ -، فَقَالَ لَهُ: (يَا عَمِّ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ)، فَقَالَا لَهُ: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ؟ فَأَعَادَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ؛ فَأَعَادَا، فَكَانَ آخَرَ مَا قَالَ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ المُطَّلِبِ؛ وَأَبَى أَنْ يَقُوْلَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: (لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ). فَأَنْزَلَ اللهُ ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِيْنَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِيْنَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى﴾ (التَّوْبَة:١١٣)، وَأَنْزَلَ اللهُ فِي أَبِي طَالِبٍ ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِيْ مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِيْ مَنْ يَشَاءُ﴾ (القَصَص:٥٦). (١)
فِيْهِ مَسَائِلُ:
الأُوْلَى: تَفْسِيْرُ قَوْلِهِ ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِيْ مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاء﴾ الآيَةَ.
الثَّانِيَةُ: تَفْسِيْرُ قَوْلِهِ ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِيْنَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِيْنَ﴾ الآيَةَ.
الثَّالِثَةُ: وَهِيَ المَسْأَلَةُ الكَبِيْرَةُ، تَفْسِيْرُ قَوْلِهِ: (قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) بِخِلَافِ مَا عَلَيْهِ مَنْ يَدَّعِي العِلْمَ.
الرَّابِعَةُ: أَنَّ أَبَا جَهْلٍ وَمَنْ مَعَهُ يَعْرِفُوْنَ مُرَادَ النَّبِيِّ ﷺ إِذَ قَالَ لِلرَّجُلِ قُلْ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ)؛ فَقَبَّحَ اللهُ مَنْ أَبُو جَهْلٍ أَعْلَمُ مِنْهُ بِأَصْلِ الإِسْلَامِ.
الخَامِسَةُ: جَدُّهُ ﷺ وَمُبَالَغَتُهُ فِي إِسْلَامِ عَمِّهِ.
السَّادِسَةُ: الرَّدُّ عَلَى مَنْ زَعَمَ إِسْلَامَ عَبْدِ المُطَّلِبِ وَأَسْلَافِهِ.
السَّابِعَةُ: كَوْنُهُ ﷺ اسْتَغْفَرَ لَهُ فَلَمْ يَغْفِرْ لَهُ؛ بَلْ نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ.
الثَّامِنَةُ: مَضَرَّةُ أَصْحَابِ السُّوءِ عَلَى الإِنْسَانِ.
التَّاسِعَةُ: مَضَرَّةُ تَعْظِيمِ الأَسْلَافِ وَالأَكَابِرِ.
العَاشِرَةُ: الشُّبْهَةُ لِلْمُبْطِلِيْنَ فِي ذَلِكَ; لِاسْتِدْلَالِ أَبِي جَهْلٍ بِذَلِكَ.
الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: الشَّاهِدُ لِكَوْنِ الأَعْمَالِ بِالخَوَاتِيْمِ; لِأَنَّهُ لَوْ قَالَهَا لَنَفَعَتْهُ.
الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: التَّأَمُّلُ فِي كِبَرِ هَذِهِ الشُّبْهَةِ فِي قُلُوْبِ الضَّالِّينَ; لِأَنَّ فِي القِصَّةِ أَنَّهُمْ لَمْ يُجَادِلُوْهُ إِلَّا بِهَا - مَعَ مُبَالَغَتِهِ ﷺ وَتَكْرِيرِهِ - فَلِأَجْلِ عَظَمَتِهَا وَوُضُوحِهَا؛ عِنْدَهُمْ اقْتَصَرُوا عَلَيْهَا.
(١) رَوَاهُ البُخَارِيُّ (٤٧٧٢)، وَمُسْلِمٌ (٢٤).
1 / 132