At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

Khaldoun Naguib d. Unknown
13

At-Tawdih ar-Rashid fi Sharh at-Tawhid

التوضيح الرشيد في شرح التوحيد

Nau'ikan

- قَوْلُهُ (وَرُوْحٌ مِنْهُ): أَيْ أنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ عِيْسَى ﵊ كَغَيْرِهِ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ جَسَدٍ وَرُوْحٍ، لَكِنَّهُ أَضَافَ رُوْحَهُ إِلَيْهِ تَشْرِيْفًا لَهُ وَتَكْرِيْمًا، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي آدَمَ ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيْهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِيْنَ﴾ (الحِجْر:٢٩)، فَـ (مِنْ) هُنَا هِيَ لِلابْتِدَاءِ وَلَيْسَتْ لِلتَّبْعِيْضِ. وَمَفَادُ الإِضَافَةِ هُنَا التَّشْرِيْفُ وَالتَّكْرِيْمُ وَرَدُّ عَلَى اليَهُوْدِ الَّذِيْنَ زَعَمُوا أَنَّهُ ابْنُ زِنَى، فَالتَّشْرِيْفُ فِي هَذَا المَقَامِ هُوَ تَطْهِيْرٌ لَهُ مِنْ زَعْمِهِم ذَلِكَ (١)، فَلَيْسَ فِيْهَا مُتَمَسَّكٌ لِلنَّصَارَى - الضَّالِّيْنَ - فِي زَعْمِهِم أَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى - وَالعِيَاذُ بِاللهِ -، بَلْ نَزِيْدُهُم إِفْحَامًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيْسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُوْنُ﴾ (آل عِمْرَان:٥٩). (٢) - قَوْلُهُ (أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ): يَعْنِي عَلَى الَّذِيْ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ العَمَلِ - وَلَوْ كَانَ مقصِّرًا فِيْهِ وَعِنْدَهُ ذُنُوْبٌ وَعِصْيَانٌ -. وَقَرِيْبٌ مِنْهُ حَدِيْثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوْعًا (لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ؛ فَإِنَّهُ مَنْ كانَ آخِرَ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ - عِنْدَ المَوْتِ - دَخَلَ الجَنَّة يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ؛ وَإِنْ أَصَابَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مَا أَصَابَهُ). (٣) - قَوْلُهُ (حَرَّمَ عَلَى النَّارِ): إِنَّ التَحْرِيْمَ عَلَى النَّارِ فِي نُصُوْصِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يَأْتِي عَلَى دَرَجَتَيْنِ: ١) تَحْرِيْمٌ مُؤَبَّدٌ (مُطْلَقٌ): فَهُوَ لَا يَدْخُلُهَا أَبَدًا لِأَنَّهُ قَدْ غُفِرَ لَهُ. ٢) تَحْرِيْمٌ بَعْدَ أَمَدٍ: أَيْ رُبَّمَا يَدْخُلُهَا ثُمَّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ البَقَاءُ فِيْهَا. وَالحَدِيْثُ هُنَا يَحْتَمِلُ الدَّرَجَتِيْنِ وَلَكِنْ بِتَوْجِيْهِ كَلِمَةِ التَّوْحِيْدِ مِنْ جِهَةِ كَمَالِهَا، وَمِنْ جِهَةِ آخَرِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ شَأْنِهَا. فَمَنْ مَاتَ عَلَيْهَا مُخْلِصًا بِهَا مِنْ قَلْبِهِ؛ مُنَزِّهًا قَلْبَهُ عَنِ الإِصْرَارِ عَلَى المَعَاصِي فَهُوَ الَّذِيْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ مُطْلَقًا، خِلَافًا لِمَنْ مَاتَ عَلَيْهَا وَلَكِنْ لَمْ يَكْمُلْ تَوْحِيْدُ قَلْبِهِ، وَلَمْ يُنَزِّهْهُ عَنْ مَحَبَّةِ المَعَاصِي، وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا. - حَدِيْثُ أَبِي سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ هُنَا ضَعِيْفُ الإِسْنَادِ (٤)، وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيْثُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرو مَرْفُوْعًا أَنَّ نُوْحًا أَوْصَى ابْنَهُ؛ فَقَالَ: (آمُرُكَ بلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَإِنَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعَ وَالأَرَضِيْنَ السَّبْعَ لَوْ وُضِعَنَ فِي كِفَّةٍ، وَوُضِعَتْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ فِي كِفَّةٍ أُخْرَى لَرَجَحَتْ بِهِنَّ). (٥)

(١) قَالَ الحَافِظُ ابْنُ كَثِيْرٍ ﵀ فِي التَّفْسِيْرِ (٤٧٩/ ٢): (فَقَوْلُهُ فِي الآيَةِ وَالحَدِيْثِ ﴿وَرُوْحٌ مِنْهُ﴾ كَقَوْلِهِ ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيْعًا مِنْهُ﴾ (الجَاثِيَة:١٣) أَيْ: مِنْ خَلْقِهِ وَمِنْ عِنْدِهِ، وَلَيْسَتْ (مِنْ) لِلتَّبْعِيضِ - كَمَا تَقُوْلُهُ النَّصَارَى؛ عَلَيْهِمْ لَعَائِنُ اللهِ المُتَتَابِعَةُ - بَلْ هِيَ لِابْتِدَاءِ الغَايَةِ، كَمَا فِي الآيَةِ الأُخْرَى. وَقَدْ قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ ﴿وَرُوْحٌ مِنْهُ﴾ أَيْ: وَرَسُوْلٌ مِنْهُ. وَقَالَ غَيْرُهُ: وَمَحَبَّةٌ مِنْهُ. وَالأَظْهَرُ الأَوَّلُ؛ أنَّه مَخْلُوْقٌ مِنْ رُوحٍ مَخْلُوْقَةٍ، وَأُضِيفَتِ الرُّوْحُ إِلَى اللهِ عَلَى وَجْهِ التَّشْرِيْفِ، كَمَا أُضِيفَتِ النَّاقَةُ وَالبَيْتُ إِلَى اللهِ فِي قَوْلِهِ ﴿هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ﴾ (هُود:٦٤)، وَفِي قَوْلِهِ ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ﴾ (الحَجِّ:٢٦». (٢) وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي سُوْرَة مَرْيَمَ عَنْ جِبْرِيْلَ ﵇ ﴿فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُوْنِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا، قَالَتْ إِنِّي أَعُوْذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا، قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُوْلُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾ (مَرْيَم:١٩)، فَانْظُرْ كَيْفَ وَصَفَهُ اللهُ تَعَالَى بِقَوْلِهِ ﴿رُوَحَنَا﴾ - مُضَافًا إِلَى جَنَابِهِ تَعَالَى- ثُمَّ انْظُرْ كَيْفَ قَالَ جِبْرِيْلُ ﵇ ﴿إِنَّمَا أَنَا رَسُوْلُ رَبِّكِ﴾. (٣) صَحِيْحُ مُسْلِمِ (٩١٦)، وَاللَّفْظُ بِتَمَامِهِ لِابْنِ حِبَّانَ (٣٠٠٤). وَبِنَحْوِهَا أَحَادِيْثُ الشَّفَاعَةِ الَّتِيْ فِيْهَا خُرُوْجُ كَثِيْرٍ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيْدِ مِنَ النَّارِ بَعْدَ أَنْ دَخَلُوْهَا بِذُنُوْبِهِم. (٤) سَبَقَ ذِكْرُ ضَعْفِهِ. (٥) صَحِيْحٌ. الأَدَبُ المُفْرَدُ (٥٤٨). صَحِيْحُ الأَدَبِ المُفْرَدِ (٤٢٦).

1 / 13