Asirin Fadoji
أسرار القصور: سياسية، تاريخية، غرامية، أدبية
Nau'ikan
ثم حدق بعينيه فوجد شيئا كبيرا ملقى أمام الباب، وأبرقت السماء حينئذ فرأى طبقا كبيرا مغطى بشف وردي، فصاح: هذه «هدية رمضان»، وخال له ولامرأته في الوهلة الأولى أن الحمال قد غلط عن الطريق وأضاع العنوان؛ لأنها كانت هدية رجل كبير، وهما لا يعرفان أحدا من كبار القوم، أو أن لصا قد اختطف تلك الهدية وخاف أن يكتشف فألقاها أمام بابهما، ولما رفع عثمان الشف وجد ورقة مطوية فقال: لا بد من معرفة المهدي والمهدى إليه، ثم التفت إلى امرأته، وقال: ألا يوجد عندك شمع؟ - بلى فيما أظن. - أسرعي بعود.
فأسرعت وعادت فأشعلت واحدا، وفض الشيخ الورقة وقرأها فكان فيها ما نصه: «رمضان مبارك على فاطمة هانم الفاضلة. يصلك كل عيد في رمضان مثل هذه الهدية إذا اعتنيت بالشيء الثمين الذي أودعه إلى عنايتك، وأسلمه إلى مروءتك، ولا حاجة إلى التوصية بإفراغ الجهد حرصا عليه.»
ورفع الشيخ المنديل الحريري عن الطبق، وإذا به يرى فيه طفلا صغيرا ابن أمسه على صدره كيس مملوء ذهبا، فعرت الدهشة العجوزين، وأخذا يتساءلان ما يكون من وراء هذا السر، ولكن الجوع كان آخذا من الطفل فطفق يبكي، فقالت العجوز: وا حيرتاه! كيف أغذيه هذا المساء؟ ثم فكرت قليلا وصاحت: إن جارتنا قد ولدت منذ عهد قريب فسأذهب إليها وأرجوها المعونة، والتفتت إلى زوجها فقالت له: أما أنت فاذهب إلى السوق قبل أن يقفل، واشتر لنا ما نحتاج إليه من الطعام والنور والتدفئة.
وهكذا في أقل من ساعة من الزمن تبدلت حالة ذلك البيت وسكانه إلى حال أخرى، واتصل الخبر سريعا بمسامع الجيران، فتقاطروا يهنئونهم بتلك الهدية، ويتلطفون عناية بذلك الطفل الرضيع، وجلس الشيخ في السلاملك (قاعة الاستقبال) مع جيرانه، وكل يدعي صداقته، وهو يفكر في تقلبات الدهر، ويقول:
والليالي من الزمان حبالى
مثقلات يلدن كل عجيبه
وإذا بامرأته أطلت من دائرة الحرم، وقالت له: قد نسيت الحلوى يا عثمان، فاذهب وابتع لنا شيئا وافرا منها إكراما لضيوفنا، فخرج عثمان للحال ملبيا الطلب، وفيما هو عائد إلى البيت إذا به يسمع وقع حوافر خيل، ثم أبرقت السماء فرأى خصيا من خصيان السراي السلطانية ممتطيا جوادا عربيا كريما، ومعه عبد أسود من سياس القصر، فمرا من أمام عثمان، وتفقدا ما هو حامل بيده، وأخذا يبحثان ويتلفتان كمن أضاع في التراب خاتمه، ثم صاح الخصي بالخادم قائلا: قد أضعت أثره «يا أحمد»، ويستحيل أن يكون قد جاء إلى هذا الزقاق، ثم أعمل المهماز في شاكلة الجواد، وخرج من الزقاق والعبد يعدو وراءه كالكلب. فعرف الشيخ للحال أن البحث جار عن الطفل، وأدرك خطورة الأمر؛ لأن البحث كان من السراي، فلما وصل البيت طلب من الجلاس الصمت، وأسدل السجوف خشية أن يستلفت أنظار المارة، وكان كلما سمع حركة أو همسا ظن أنهم جاءوا يطالبونه بالطفل، ويذيقونه ألوان العذاب جزاء ذنب لم يرتكبه، وندم على إطلاع جيرانه على سره، وعرف فساد رأيه وأن أقل وشاية كافية لهلاكه، فأسرع في وضع الخوان ودعا ضيوفه إلى الطعام، ثم قدم القهوة والتبغ، وجلس يفكر في هذا الحادث، وهو يحاول عبثا إزالة علامة ارتباكه، وقد لحظ أحد الجلاس عليه ذلك فقال له: ما لك مفكرا كأن ليس العيد عيدك؟ - قد مضت علي مدة لم أذق بها طعم التبغ فأتلذذ به الآن، فضلا عن أن أيام الشبيبة قد مضت.
ثم تربص ريثما فرغت امرأته من إقراء ضيوفها فصرفهم جميعا، ولم يبق منهم إلا التي أرضعت الطفل ، فساومتها امرأته أجرتها عن سنة واتخذتها للحال ظئرا له، ولكن تلك الهدية في تلك الحالة قد أدهشتهم إلى حد أن أذهلتهم عن معرفة الطفل إذا كان ذكرا أو أنثى، فقالت العجوز: سأعطيها اسم ابنتي عائشة، ما قولك يا عثمان؟ - بالحق نطقت عسى تكون سلوى مصابنا.
والآن أرجو القارئ الكريم أن يعود بي إلى ذكر حادثة جرت قبل ستة أشهر من هذا العهد.
الفصل الثاني
Shafi da ba'a sani ba