Asirin Fadoji
أسرار القصور: سياسية، تاريخية، غرامية، أدبية
Nau'ikan
حمامتان
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا
ويأتيك بالأخبار من لم تزود
فقالت: أي ولدي العزيز؛ عدني ألا تتألم مما ستسمعه، وأن تعتصم بالصبر الجميل، وتستسلم إلى القدر متكلا على الله المتعال ... أنت تعلم أن لا شيء كان أحب لدي من أن تراني اليوم مقدمة لك حبيبتك قائلة: هذه يا صلاح الدين خطيبتك، قد عاشت في حرم والدتك، وبعنايتها ربيت، وهي لا تزال طاهرة نقية كالثلج ... ولكن:
ما كل ما يتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
ذهبت في غد سفرك إلى بايكوس، وبلغت فاطمة وعائشة امتثالك للأمر الشاهاني، وأمر بعثتك إلى باريس ورجوعك قريبا منها ... ولا أخفي عليك أني دهشت لما شاهدت ذلك الجمال البارع الذي ازدانت به عروسك، وزدت بها حبا لما رأيتها تذرف الدموع السخينة عندما بلغها خبر سفرك الفجائي، واشتداد حزنها لغيابك وبعادك ... وكنت أتردد إلى بايكوس المرة بعد المرة لا يصحبني إلا ظئرك (مينور) التي تعرف إخلاصها لنا، وأما صديقك حسن بك الشركسي فكان أولا قليل التردد على بايكوس، ولا أعرف بأية صدفة التقى بعائشة يوما من الأيام في «السلاملك»، أما هي فاحتجبت بسرعة، ولم يلحظها هو إلا لحظة واحدة كانت كافية لأن تشعل قلبه حبا وهياما بها، فأكثر حيئنذ من ترداده؛ وهذا هو السر عندي في تظاهره بصداقة أحمد، وكان يجيء كل مرة بحجة أنه مرسل من قبل شقيقته السلطانة مهرى للسؤال عن عائشة حاملا لها الأزهار المختلفة والأثمار المتنوعة ، ثم حمل إليها مؤخرا بعض الحلي الثمينة، فأدركت فاطمة هانم السبب فرفضتها، وأظهرت له عائشة الجفاء بعد ذلك حتى اضطرته إلى الانقطاع عن الذهاب إلى بايكوس.
وكان المرض قد بدأ ينخر فاطمة هانم يوما بعد يوم، وشعرت هي بدنو أجلها، فكانت تقول لي مرارا: «آه ... لو كان على الأقل صلاح الدين بك هنا!»
ثم جاءني أحمد في صباح شهر أغسطس مذعورا، وقال: اشتد المرض على فاطمة هانم فأرجوك العجل. فهرولت إلى بايكوس مسرعة فوجدتها تحتضر، أما هي فجمعت قواها الخائرة لما أبصرتني، وحاولت أن تسند رأسها وقالت لي: عائشة ... عائشة أرجوك العناية بها ... احرصي عليها من علية سلطانة ... وانطرحت عائشة عليها تبكي وتنتحب، فقبلتها فاطمة قبلة لفظت بها روحها الكريمة. وللحال اجتمعت نساء الجيرة، وبدأن يصحن ويولولن، وعائشة تزيد في البكاء والنحيب، وقلت لظئرك أخيرا أن تضع ملاءة وفراجية على فاطمة لأعود بها في الحال.
وفيما نحن على ما سمعت، وإذا بعربة وقفت أمام الباب، ودخل علينا خصي هائل في الكبر، وشق الجمع بيديه مناديا: سمو السلطانة علية ... فلما سمعت هذا الاسم اضطربت حواسي، وخفت من أمر مفاجئ، واختبأت عائشة ورائي، واختفى أحمد وراء الجميع، فتقدم الخصي وهو علي اللعين إلى فراش الميتة، وقال: فاطمة هانم؛ سمو السلطانة علية شرفتك بزيارتها، فأجابته النسوة: هي ميتة.
Shafi da ba'a sani ba