أمسى الفرنسيسكاني أقل صرامة - وربما أقل قلقا - بعد فترة من الوقت، وتحدث إليها تقريبا كما كان يتحدث إليها خلال الأيام الأولى من تعارفهما. كان يتكلم الإيطالية، ولو أنها صارت بارعة الآن في التحدث بلغة الجيج.
قال: «ولدت في إيطاليا. كان والداي من الجيج، لكنني عشت في إيطاليا في فترة صباي، وهنالك أمسيت قسا. ذات مرة، سافرت لزيارة إيطاليا منذ سنوات، وحلقت شاربي، ولا أعرف لماذا فعلت. أوه، نعم أعرف! كان ذلك لأنهم كانوا يسخرون مني في القرية. وبعدها، عندما عدت لم أجرؤ على أن أريهم وجهي في ماد؛ فحلق الرجل شاربه يعد أمرا مخزيا. جلست في غرفة في سكودرا حتى نما شاربي مرة أخرى.»
سألت لوتار: «هل سكودرا هي المدينة التي نقصدها؟» «نعم، هنالك يعيش الأسقف. سوف يرسل رسالة مفادها أنه كان من الصائب إبعادك، حتى ولو كان ذلك دون علمك؛ فهناك برابرة في ماد؛ سيأتون ويشدونك من كميك في منتصف القداس، ويطلبون منك أن تكتبي رسالة لهم. هل رأيت ما يضعونه على قبورهم؟ الصلبان؟ إنهم يحيلون الصليب إلى هيئة رجل نحيل جدا يحمل بندقية على ذراعيه. ألم تري ذلك من قبل؟» ضحك وهز رأسه قائلا: «لا أعرف كيف أتعامل معهم، ولكنهم أناس طيبون على أية حال؛ فهم لن يخونوك مهما حدث.» «لكنك ظننت أنهم سيبيعونني على الرغم من اليمين الذي أقسمته؟» «أوه، نعم! ولكن بيع النساء وسيلة من وسائل كسب المال، وهم فقراء جدا.»
أدركت لوتار الآن أنها ستكون في وضع غير مألوف في سكودرا؛ أدركت أنها لن تكون مستضعفة. عندما يصلان إلى هناك ، يمكنها الفرار منه؛ يمكنها أن تجد شخصا يتحدث الإنجليزية، بل ويمكنها أن تعثر على القنصل الإنجليزي، أو الفرنسي إن لم تعثر على الإنجليزي.
كان العشب مبللا تماما قبل الفجر، وأمسى الليل شديد البرودة، لكن عندما أشرقت الشمس، لم تعد لوتار ترتعد، وفي غضون ساعة شعرت بالحر. سارا طوال اليوم، وتناولا بقية الخبز، وكانا يشربان من أي جدول ماء يعثران عليه في طريقهما، وصارت تفصلهما مسافة بعيدة عن النهر الجاف والجبال. نظرت لوتار إلى الوراء، ورأت جدارا من الصخور المسننة المحاطة بخضرة عند سفحها. كانت تلك الخضرة الغابات والمروج التي حسبتها عالية جدا. سلكا دروبا عبر الحقول الحارة، ولم يبعدا قط عن مجال نباح الكلاب، والتقيا بأناس في دروبهما.
في البداية قال الفرنسيسكاني: «لا تتحدثي مع أحد. سيتساءلون عن هويتك.» لكنه اضطر للرد على من يلقي عليه التحية.
فكان يقول لهم: «هل هذا هو الطريق إلى سكودرا؟ إننا في طريقنا إلى سكودرا، وتحديدا إلى بيت الأسقف. هذه خادمتي التي جاءت من الجبال.»
قال للوتار: «لا بأس؛ فأنت تبدين أشبه بخادمة بملابسك هذه، ولكن لا تتكلمي. سيعجبون إن تكلمت.» •••
كنت قد طليت جدران مكتبتي بالأصفر الفاتح؛ فالأصفر يرمز إلى الفضول الفكري. لا بد أن أحدهم أخبرني بذلك. افتتحت المكتبة في مارس 1964، وكان ذلك في مدينة فيكتوريا في مقاطعة كولومبيا البريطانية.
هنالك جلست إلى المكتب، وعروض الكتب خاصتي منثورة من ورائي. نصحني مندوبو دور النشر بجلب كتب عن الكلاب والجياد والإبحار وتنسيق الحدائق والطيور والأزهار؛ قالوا إن هذه هي كل الكتب التي يهتم سكان فيكتوريا بالاطلاع عليها، لكنني لم أعمل بنصيحتهم، فجلبت روايات وكتب أشعار وأخرى تتناول الصوفية والنسبية والكتابة الإغريقية المقدونية، ورتبت هذه الكتب عندما جاءوا بحيث يمكن لكتب العلوم السياسية أن تختلط بكتب الفلسفة، ولكتب الفلسفة أن تختلط بدورها بالكتب الدينية دون فواصل واضحة، فيتسنى حينئذ ضم مؤلفات الشعراء المتوافقين فكريا في مكان واحد، بحيث يعكس ترتيب أرفف الكتب - بحسب ظني - تدفقا طبيعيا للفكر. كنت أضع كنوز الكتب الجديدة أو المنسية على السطح. لقد أوليت الأمر كل هذا الاهتمام. وماذا بعد؟ الآن أصبحت أنتظر، وأشعر وكأنني امرأة تزينت وتأنقت لحضور حفل، وربما أيضا جلبت مجوهرات من محل الرهونات أو خزينة العائلة، لتكتشف في نهاية المطاف - بدلا من الحفل - عددا من الجيران يلعبون الورق، ولا يوجد في المطبخ سوى رغيف من اللحم والبطاطس المهروسة، وزجاجة من الخمر الوردي الفوار.
Shafi da ba'a sani ba