وروى البخاري ومسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني الحرث بن الخزرج، فوعكت فتمزق شعري فوفى جميمة، فأتتني أمي أم رومان وأنا في أرجوحة لي، ومعي صواحب لي فأخذت بيدي ولا أدري ما تريد مني، حتى أوقفتني على باب الدار، وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي، فأخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهي، ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار، فقلن: على الخير والبركة، وعلى خير طاير، فأسلمتني لهن، فأصلحن من شأني، فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأسلمنني إليه وأنا بنت تسع سنين، .. .. (¬2) في شوال بعد قدومه المدينة في الشهر الثامن من الهجرة، والإسراء قبل الهجرة بسنة.
الوجه الثاني: أننا لو سلمنا صحته لعارضه قول ابن عباس ومذهبه، وهو صحيح، رواه البخاري في صحيحه، قال في قوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس}، قال: هي رؤيا عين أريها النبي -صلوات الله عليه وسلامه- ليلة أسري به.
وقال ذلك البيهقي من أصحاب الشافعي في المعتقد الذي صنفه، وحسبك من يذكر قولا في عقيدة جميع ما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء من الأنبياء، والجنة والنار، وما ذكر من الآيات هي رؤيا عين، وذلك في اليقظة، وفي قول ابن عباس ترجيح على قول عائشة؛ لأنه إثبات، فيقدم على قول عائشة؛ لأنه نفي للإسراء بالجسد، والإثبات يقدم على النفي على ما استقر من القواعد.
الوجه الثالث: أن ابن عباس روى عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه حديثا، فصار الأمر راجعا إلى صاحب الشرع، وهو مخبر عن نفسه في قضية جرت له، وظاهر القرآن يصدق ذلك بأن الرؤية حصلت له -صلوات الله عليه وسلامه- في السماء عند سدرة المنتهى.
ويؤيد أن الرؤية كانت لبصره أنه قرئ في السبع: ((ما كذب الفؤاد ما رأى)) بالتشديد، فيكون معناه عند النحاة: ما كذب الفؤاد ما رأى البصر؛ لأنه فعل متعد.
Shafi 553