Asalin Tsarin Iyali
أصل نظام الأسرة والدولة والملكية الفردية
Nau'ikan
1 - مراحل التطور فيما قبل التاريخ
2 - العائلة
3 - السلالة الإيروكيوسية
4 - السلالة الإغريقية
5 - قيام الدولة في أثينا
6 - السلالة والدولة في روما
7 - السلالة عند السلت الألمان
8 - تكوين الدولة عند الألمان
9 - البربرية والمدنية
1 - مراحل التطور فيما قبل التاريخ
Shafi da ba'a sani ba
2 - العائلة
3 - السلالة الإيروكيوسية
4 - السلالة الإغريقية
5 - قيام الدولة في أثينا
6 - السلالة والدولة في روما
7 - السلالة عند السلت الألمان
8 - تكوين الدولة عند الألمان
9 - البربرية والمدنية
أصل نظام الأسرة والدولة والملكية الفردية
أصل نظام الأسرة والدولة والملكية الفردية
Shafi da ba'a sani ba
تأليف
فريدريك إنجلز
تتضمن الفصول القادمة تحقيقا لغاية معينة بطريقة ما، ولم يكن في استطاعة أي شخص إلا ماركس أن يقدم النتائج التي وصل إليها مورجان في أبحاثه العلمية، وقد قام ماركس بهذا التقديم عن طريق النتائج التي توصل إلى تحقيقها.
وإلى حد ما أستطيع أن أكتب عن النتائج التي توصلنا إلى تحقيقها خلال أبحاثه المادية في التاريخ. وقد أعاد مورجان اكتشاف النظرية المادية للتاريخ بطريقته الخاصة في أمريكا، وهي النظرية التي اكتشفها ماركس قبل ذلك بأربعين عاما. وقد عقد مورجان مقارنة بين مرحلتي البربرية والمدنية، توصل فيها، عن طريق النظرية المادية، إلى نفس النتائج التي توصل إليها ماركس في النقط الرئيسية. وكما كان كتاب «رأس المال» لمدة سنين طويلة موضع إلهام وتجاهل من الاقتصاديين الرسميين بألمانيا، كذلك كان كتاب مورجان «المجتمع القديم»
1
موضع نفس المعاملة من التشويق بعلوم ما قبل التاريخ في إنجلترا.
ولا يستطيع كتابي هذا إلا أن يقدم مساهمة بسيطة تنضاف إلى ذلك الكتاب الذي لم يقدر لصديقي الراحل ماركس أن يتمه. وعلى أي حال فأمامي تعليقات كثيرة كتبها ماركس تعليقا على كتاب مورجان، وسأحاول تقديم هذه التعليقات في كتابي كلما كان ذلك ممكنا.
وطبقا للنظرية المادية في التاريخ، يعتبر هو الإنتاج، وإعادة إنتاج الحياة الحالية، ولكن هذا نفسه ذو طبيعة مزدوجة؛ إذ نجد من ناحية إنتاج وسائل المعيشة كالطعام والملبس والمأوى والأدوات اللازمة لذلك، ونجد من ناحية أخرى إنتاج البشر أنفسهم (أي التناسل) ويعني ذلك جميع الأنواع.
وإن النظم الاجتماعية التي يعيش الناس في ظلها في فترة تاريخية معينة في بلد معين يحكمها كلا النوعين السابقين من الإنتاج؛ إذ تحكم وسائل إنتاج المعيشة المجتمع عن طريق مرحلة تطور العمل، وتحكمه وسائل إنتاج الأفراد عن طريق النظام العائلي. وبقدر ما يكون العمل غير متطور، وبقدر ما يكون نطاق إنتاجه محدودا، أي بقدر ما تكون ثروة المجتمع محدودة، بقدر ما يزداد ظهور النظام الاجتماعي محكوما بالروابط الجنسية. وخلال هذا البناء الاجتماعي الذي تحكمه الروابط الجنسية تنمو القوة الإنتاجية للعمل أكثر فأكثر، وتنمو معها الملكية الخاصة والتبادل والاختلاف في الثروة واحتمال استخدام قوة عمل الآخرين؛ ولذلك تظهر أسس الصراع الطبقي مع تطور المجتمع، وتظهر عناصر اجتماعية جديدة تكافح على مدى الأجيال؛ لتجعل الصرح القديم للمجتمع متمشيا مع الظروف الجديدة إلى أن يقود التناقض بين الاثنين في النهاية إلى ثورة كاملة.
ويتحطم المجتمع القديم المبني على الروابط الجنسية نتيجة الصدام بين الطبقات الاجتماعية الحديثة النمو، ويظهر في مكانه مجتمع جديد مكون على شكل دولة وتصبح وحداته الدنيا مجموعات إقليمية بعد أن كانت مجموعات جنسية، ويتحكم نظام الملكية في المجتمع الجديد في النظام العائلي، ويصبح الصراع الطبقي مادة التاريخ المكتوب، وهذا هو ما حدث للمجتمع ووصلنا تاريخيا إلى الآن.
Shafi da ba'a sani ba
ويرجع الفضل الأكبر لمورجان إلى اكتشافه وإعادة تنظيمه للأسس الرئيسية لما قبل التاريخ في تاريخنا المكتوب، كما أنه وجد في المجموعات الجنسية القائمة لدى هنود شمال أمريكا مفتاح أهم وأغمض نقط التاريخ اليوناني والروماني والألماني القديم التي لم تكن معروفة قبلا. ولم يكن كتابه عمل يوم واحد، فقد عاش مع محتوياته حوالي أربعين عاما حتى فهمها واستوعبها، وهذا هو السبب في أن كتابه يعتبر أحد الكتب القليلة التي تعتبر صانعة العصور في وقتنا هذا.
وفي العرض التالي للكتاب سيستطيع القارئ أن يميز بين ما أخذته من مورجان وما أضفته من عندي، ففي الأجزاء التاريخية الخاصة بالإغريق والرومان لم أقتصر على ما كتبه مورجان وأضفت ما عندي من معلومات، أما الأجزاء الخاصة بالألمان والسلت فهي من وضعي كلية، وإذا ما ذكرنا الألمان فلا نجد لدينا عنهم من المعلومات إلا تلك المعلومات الزائفة الجديرة بالشفقة التي ساقها السيد فريمان - مع استثناء ما كتبه تاسيتس - وقد قمت بتصحيح النتائج التي اكتفى بها مورجان والتي لم أكتف بها من الناحية الاقتصادية. •••
وأخيرا فأنا أعتبر نفسي مسئولا طبعا عن كل النتائج التي سقتها ولم يكن مورجان هو مرجعي فيها.
إنجلز
الفصل الأول
مراحل التطور فيما قبل التاريخ
كان مورجان هو أول شخص ذو معرفة صحيحة حاول أن يقدم تقسيما دقيقا لمراحل حياة الإنسان فيما قبل التاريخ. ورغم أن هناك مواد هامة كان يجب أن تضاف إلى تقسيم مورجان إلا أن هذا التقسيم ما زال صحيحا.
أما عن عصور التطور الرئيسية الثلاث، وهي الوحشية والبربرية والمدنية، فلم يهتم مورجان إلا بالعصرين الأولين، وبالانتقال إلى العصر الثالث. ويقسم مورجان كلا من هذين العصرين إلى ثلاث مراحل، دنيا ووسطى وعليا، طبقا لمدى تقدم الإنسان في إنتاج وسائل المعيشة؛ لأنه كما يقول مورجان: «على مهارة الإنسان في هذا الاتجاه تتوقف كل مسألة وجود الإنسان على الأرض، فإن الجنس البشري هو مجرد كائنات يمكن القول بأنها قد اكتسبت سيطرة مطلقة على إنتاج الغذاء، وقد تحددت العصور الكبرى للتقدم الإنساني حسب اتساع مصادر وسائل العيش.» ويستمر تطور النظام العائلي بصفة مستمرة بجانب تطور وسائل الإنتاج، ولكن تطور العائلة لا يقدم لنا أسسا واضحة في تحديد مراحل التطور التاريخي.
عصر الوحشية
المرحلة الدنيا:
Shafi da ba'a sani ba
طفولة الجنس البشري، وفيها كان الإنسان ما زال يعيش في الكهوف من الغابات الاستوائية وغيرها، ويسكن أحيانا في الأشجار، وهذا يشرح لنا لماذا كان الإنسان في هذه المرحلة ضحية مستمرة للوحوش المفترسة. وكان الإنسان يأكل الفواكه ومنتجات الطبيعة. وكان تقسيم الحديث إلى كلمات هو النجاح الرئيسي للإنسان في هذه الفترة. ولم توجد في هذه الفترة البدائية أي من الشعوب التي عرفها التاريخ. ومع أن هذه المرحلة يحتمل أنها استمرت آلاف السنين، فليس لدينا حقائق مباشرة عن وجودها، ولكن ما دمنا نعترف بتسلسل الإنسان من مملكة الحيوان فإن الاعتراف بوجود هذه المرحلة الانتقالية أمر لا بد منه.
المرحلة الوسطى:
وتبدأ باستخدام الأسماك والحيوانات المائية الأخرى في الطعام، واستخدام النار في طهي الطعام، وقد قلل هذا الطعام الجديد من اعتماد الإنسان على المناخ والظروف المحلية. وبتتبع الإنسان للأنهار وسواحل البحار بحثا عن الأسماك أصبح في استطاعته حتى في هذه المرحلة الوحشية أن ينتشر في الجزء الأكبر من سطح الأرض.
وتعتبر الأحجار غير المصقولة التي استخدمها الإنسان في العصر الحجري القديم المسمى باليولتيك، والتي تنتمي إلى هذه الفترة والموجودة بجميع القارات، تعتبر هذه الأحجار دليلا على انتشار الإنسان في بقاع الأرض. وقد توصل الإنسان في مواطنه الجديدة إلى فن إشعال النار عن طريق الاحتكاك، وتناول أطعمة جديدة مثل مسحوقات الجذور النباتية المطهية. أما الشعوب التي تعيش على الصيد وحده فلم توجد إطلاقا في هذه الفترة؛ لأن ثمار الصيد كانت تعتمد على المصادفة غير المضمونة؛ مما يجعل وجود شعب يعتمد على الصيد وحده مستحيلا. ونظرا لعدم ضمان موارد الطعام فمن المحتمل أن أكل لحوم البشر قد عرف في هذه الفترة، وما زال الأستراليون الأصليون يعيشون حتى يومنا هذا في المرحلة الوسطى من الوحشية.
المرحلة العليا:
وتبدأ باختراع القوس والسهم، حيث أصبحت ثمار الصيد عنصرا أساسيا في الطعام، وأصبح الصيد مهنة منتشرة. ولقد كان اختراع القوس والسهم نتيجة تجارب كثيرة ساعدت على شحذ القوى العقلية مما نتج عنه اختراعات أخرى. وكانت الشعوب في هذه الفترة، رغم تعودها على استعمال القوس والسهم، لم تصل بعد إلى فن صناعة الآنية الذي يعتبره مورجان «نقطة الانتقال إلى عصر البربرية». وحتى في هذه المرحلة المبكرة نجد بداية استقرار الإنسان في قرى، ودرجة معينة من المهارة في إنتاج الأشياء المساعدة في الحياة مثل الأوعية الخشبية والمصنوعات اليدوية والآلات الحجرية المصقولة، كما استخدمت النار والمعاول الحجرية في صنع القوارب البدائية المحفورة في الخشب، كما استخدم الخشب في بناء المساكن. ويمكن مشاهدة كل آثار هذا التقدم بين هنود شمال غرب أمريكا مثلا، فهم لا يعرفون شيئا عن صناعة الآنية «نقطة الانتقال للبربرية كما سبق» رغم قدم استخدامهم للقوس والسهم. لقد كان القوس والسهم بالنسبة لعصر الوحشية مثل السيف الحديدي بالنسبة لعصر البربرية، والأسلحة النارية بالنسبة لعصر المدنية؛ أي أنه كان السلاح الفعال.
عصر البربرية
المرحلة الدنيا:
وتبدأ منذ بدء صناعة الآنية التي نجد أصل صناعتها في معظم الحالات - أو ربما كلها - بدأ بصناعة السلال والأوعية الخشبية بجانب الأوعية الحجرية؛ فقد اكتشف الإنسان أن المواد غير الحجرية يمكن أن تؤدي نفس الغرض.
وإلى هذه النقطة من التطور البشري يمكن القول إن مدى التطور واحد في كل الشعوب في هذه المرحلة بصرف النظر عن الظروف المحلية. وبتقدم البربرية نصل إلى مرحلة يبدأ فيها الفرق بين الموارد الطبيعية للقارتين الكبيرتين: «العالم القديم من جهة والأمريكتين من جهة أخرى»، يبدأ هذا الفرق في الوضوح. وتعتبر المميزات الأساسية للبربرية هي استئناس وتربية الحيوانات وزراعة النباتات.
Shafi da ba'a sani ba
وقد كانت القارة الشرقية المسماة الآن بالعالم القديم تحتوي تقريبا على كل الحيوانات الممكن استئناسها وكل النباتات الممكن زراعتها مع استثناء واحد. في حين أن القارة الغربية «الأمريكتين» لم يكن بها إلا حيوان واحد يمكن استئناسه هو اللاما وفي جزء فقط من الجنوب، كما لم يكن بها نبات واحد صالح للزراعة، وإن كان أفضل النباتات وهو القمح الهندي. وكان أثر هذا الاختلاف الطبيعي في الظروف أن سار سكان كل قارة في طريق مختلف، واختلفت الحدود المميزة للمراحل المختلفة في كل قارة.
المرحلة المتوسطة:
وتبدأ في الشرق باستئناس الحيوانات، وفي الغرب بزراعة النباتات الصالحة للغذاء عن طريق وسائل الري وباستخدام الطوب النيء والأحجار في البناء.
وسنبدأ بالغرب لأن هذه المرحلة ظلت في الغرب على ما هي عليه ولم تتطور إطلاقا حتى الاكتشاف الأوربي لأمريكا. فعند الاكتشاف كان الهنود الحمر في المرحلة الدنيا من البربرية في كل منطقة شرق نهر المسيسبي، وكانوا مستقرين إلى حد معين في زراعة القمح الهندي وأحيانا النباتات المتسلقة والشمام وغيرها مما كان يكون الجزء الأكبر من طعامهم، وكانوا يعيشون في مساكن خشبية في قرى محاطة بأسوار. وكانت قبائل الشمال الغربي وخاصة سكان منطقة نهر كولومبيا لا تزال في المرحلة العليا من الوحشية، ولم تكن تعرف أي شيء عن صناعة الآنية أو أي نوع من الزراعة. وكان هنود المكسيك المسمون بويبلو وهنود وسط أمريكا وسكان بيرو - في المرحلة الوسطى للبربرية عند الاكتشاف الأوربي لأمريكا، وكانوا يعيشون في مساكن مبنية بالطوب النيء والحجارة، وكانوا يعتمدون على الري الصناعي، ويزرعون القمح الهندي وغيره من النباتات الصالحة للطعام والتي تختلف باختلاف المناخ والظروف المحلية، وكانت هذه النباتات هي المصدر الأساسي لغذائهم، كما استأنسوا بعض الحيوانات القليلة، فقد استأنس المكسيكيون الديوك الرومية وغيرها من الطيور، كما استأنس سكان بيرو اللاما.
وكانوا علاوة على ذلك يستخدمون المعادن عدا الحديد؛ مما كان سببا في عدم استغنائهم عن الأسلحة والآلات الحجرية. وقد وضع الاستعمار الإسباني حدا لهذا التطور المستقل في هذه المناطق.
وفي نصف الكرة الشرقي بدأت المرحلة الوسطى من البربرية باستئناس الحيوانات التي يؤخذ منها اللبن واللحوم، في حين ظلت الزراعة غير معروفة إلى وقت متأخر جدا من هذه المرحلة. والظاهر أن تربية واستئناس حيوانات الركوب كان سببا في الاختلاف بين الآريين والساميين في الجماعات الحالية من البربريين.
ولا تزال أسماء حيوانات الركوب متشابهة عند الأوربيين والآريين الآسيويين على عكس أسماء النباتات الزراعية.
وقد كان تكوين القطعان الحيوانية في الأماكن المناسبة لذلك سببا في حياة الرعي عند الجنس السامي في السهول المليئة بالحشائش عند نهر الفرات وغيره، كما كانت سببا في حياة الرعي عند الآريين في سهول الهند، وعند الإكسس والجكارتس في سهول نهري الطونه والدنيبر. ومن المحتمل أن أول استئناس للحيوانات تم في هذه المراعي. وقد كانت الأجيال الأخيرة من الشعوب التي تعيش على الرعي والتي نشأت في مناطق غير المناطق المعتبرة المهد الأول للإنسان، يظهر أن هذه الأجيال كانت غير مستقرة في مرحلتها الوحشية وحتى في المرحلة الدنيا من البربرية. وعلى العكس من ذلك فحينما اعتاد المتبربرون في المرحلة الوسطى على حياة الرعي لم يحاولوا الهجرة من السهول المليئة بالحشائش والمياه والعودة إلى الغابات التي كانت مهد أسلافهم. وحينما انتشر الآريون والساميون في الشمال والغرب من آسيا وأوربا أصبح في استطاعتهم إطعام حيواناتهم بالنباتات المنزرعة في المناطق الجديدة التي انتشروا فيها والتي كانت أقل صلاحية من المراعي وخاصة لقضاء فصل الشتاء. ومن الأمور المحتملة جدا أن زراعة النباتات كان الغرض منها أولا توفير العلف للحيوانات ثم أصبحت مصدرا لغذاء الإنسان.
وقد تكون الفائدة الغذائية العظيمة للحم واللبن، وخاصة في تنمية الأطفال، سبب تفوق الآريين والساميين على غيرهما من الأجناس؛ فنجد مثلا أن هنود المرحلة الدنيا من البربرية في أمريكا، والذين كانوا يأكلون اللحوم والأطعمة الطازجة، كان حجم المخ البشري عندهم أكبر من حجمه عند هنود المكسيك البويبلو. وقد اختفى أكل اللحوم البشرية تدريجيا في هذه المرحلة ولم يبق إلا بمثابة طقوس دينية لدى السحرة.
المرحلة العليا:
Shafi da ba'a sani ba
وتبدأ باستخدام الحديد، وتدخل هذه المرحلة في عصر المدنية عن طريق اختراع الحروف الكتابية واستخدامها في تدوين الآداب. وفي هذه المرحلة التي امتدت - كما سبق الإشارة - في النصف الشرقي فقط من العالم حدث تطور في الإنتاج يفوق التطور الذي حدث في كل العصور السابقة مجتمعة، وإلى هذه المرحلة ينتمي إغريق العصر البطولي
1
والقبائل الإيطالية السابقة على تأسيس روما بفترة قصيرة والألمان أيام تاسيتس. وفي هذه الفترة ظهر للمرة الأولى المحراث الحديدي الذي تجره الحيوانات؛ مما كان سببا في تمهيد الأرض للزراعة على نطاق واسع وحصول الإنسان على موارد غير محدودة للغذاء، كما قام الإنسان بقطع أشجار الغابات وتحويلها إلى أرض زراعية، مما لم يكن ممكنا حدوثه دون استخدام الفئوس وآلات الحرث الحديدية «ولذا اعتبر استخدام الحديد بداية لهذه المرحلة.» ورغم هذه الموارد الغزيرة حدثت زيادة سريعة في عدد السكان وكثافتهم في مساحات صغيرة. وحسب ما نعلم لم يتعد عدد السكان في أي منطقة النصف مليون إلا في حالات قليلة جدا وربما لم يحدث ذلك أبدا.
وفي أشعار هوميروس «شاعر الإغريق الشهير» وخاصة الإلياذة نجد المرحلة العليا للبربرية في قمة ازدهارها؛ فقد جاء في هذه الأشعار وصف الآلات الحديدية التي تحسن صنعها كالعجلات، وكذلك صنع الزيت والنبيذ، والصناعات الحديدية التي تطورت إلى فنون، والعربات والعجلات الحربية، وبناء السفن، وبدء الفن الهندسي، وبناء المدن ذات الأسوار والأبراج الدفاعية. وتعتبر كل هذه الأشياء مضافا إليها قصص هوميروس التاريخية وعلم الخرافات - الميراث الرئيسي الذي حمله الإغريق في انتقالهم من البربرية إلى المدنية. وإذا قارنا بذلك وصف سيزار أو تاسيتس للألمان الذين كانوا على أبواب تلك المرحلة التي كان الإغريق أيام هوميروس يستعدون لاجتيازها إلى مرحلة المدنية، لرأينا إلى أي حد كان التطور الإنتاجي غنيا في المرحلة العليا من البربرية.
وإن صورة التطور الإنساني خلال عصري الوحشية والبربرية إلى بداية المدنية، تلك الصورة التي نقلتها فيما سبق عن مورجان، تعتبر كافية بما لا يقبل الشك لأنها مأخوذة رأسا من الإنتاج، ولو كان الأمر غير ذلك لبدت ضعيفة إذا ما قورنت بالصورة المكونة في نهاية رحلتنا هذه. ولأن هذه الصورة مأخوذة رأسا من الإنتاج يمكنها أن تعطي فكرة كاملة عن الانتقال من البربرية إلى المدنية والتعارض بينهما.
والآن نستطيع أن نوجز تقسيم مورجان فيما يلي:
الوحشية:
حيث يعيش الإنسان على ما تنتجه الطبيعة دون مجهود إنساني، وكل ما أنتجه الإنسان في هذه الفترة أساسا هو الأشياء المسهلة لعملية استخدام ما تجود به الطبيعة.
البربرية:
وهي المرحلة التي عرف الإنسان فيها استئناس القطعان الحيوانية وتربيتها وزراعة الأرض؛ أي تعلم الإنسان فيها وسائل زيادة الإنتاج الطبيعي عن طريق مجهوده الخاص.
Shafi da ba'a sani ba
المدنية:
وهي المرحلة التي تعلم الإنسان فيها عمل الإنتاج الطبيعي بالمجهود الصناعي كما تعلم الفنون.
الفصل الثاني
العائلة
قضى مورجان الشطر الأكبر من حياته بين قبائل الإيروكيوس في أمريكا، وقد تبنته إحدى هذه القبائل (السينيكاس). ووجد مورجان لدى هذه القبائل نظاما للقرابة يتعارض مع علاقاتهم العائلية القائمة؛ فقد كانت العائلة عندهم تسير على قاعدة الزواج بين ذكر وأنثى بشروط سهلة في كل طرف، وسمى مورجان هذا الوضع بالعائلة الزوجية. وإلى هنا والوضع طبيعي مألوف، وكانت هذه القبائل تسير عليه، وكان يؤدي بلا شك إلى إيجاد أب وأم وأبناء وإخوة للشخص. ولكن تطبيق الإيروكيوس لهذا النظام كان على العكس من ذلك غاية في الغرابة؛ فالإيروكيوس الرجال لا يعتبرون أبناءهم وبناتهم الطبيعيين فقط أولادا لهم بل يعتبرون أبناء وبنات إخوتهم الذكور أبناء، بعكس أولاد أخواتهم الإناث. والمرأة عند الإيروكيوس تعتبر أولاد أخواتها الإناث أولادا لها بعكس أولاد إخوتها الذكور؛ إذ تعتبر بالنسبة لهم عمة وليست أما. وبنفس المقياس يكون أبناء وبنات العم إخوة، وكذلك أبناء وبنات الخالات، بعكس أبناء وبنات الأخوال والعمات.
وهذا النظام ليس مجرد عبارات جوفاء بل تعتبر له قوة حقيقية فيما يتعلق بالقرب والبعد عن الشخص، والمساواة وعدم المساواة في علاقات وروابط الدم. وتعتبر هذه هي الفكرة الأساسية لنظام القرابة، وتحتوي على مئات من العلاقات المختلفة للشخص الواحد. وزيادة على ذلك فهذا النظام لا يقتصر في وجوده على الهنود الأمريكيين وحدهم (وهو مطبق بين قبائلهم دون أي استثناء)، ولكن يسري هذا النظام أيضا في الهند وبين قبائل الدرفيان في الدكان وقبائل الجورا في الهندستان. ونجد في علاقات القرابة المطبقة بين قبائل التامبل في جنوب الهند والسينكاس في ولاية نيويورك تمييزا بين أكثر من مائتي نوع من أنواع القرابة حتى اليوم؛ ولذلك نقول إن هذه الأنواع من القرابة تتعارض مع الشكل العادي للعائلة مع أنه الشكل السائد عندهم.
فكيف يمكن تفسير ذلك؟ إذا بحثنا الموضوع من وجهة نظر الدور الحاسم الذي تلعبه علاقات القرابة في النظام الاجتماعي لدى كل الشعوب في عصري الوحشية والبربرية فإن هذا النظام المتسع لا يمكن شرحه في كلمات؛ فنظام مطبق تطبيقا عاما في أمريكا ومطبق أيضا في آسيا بين شعوب مختلفة تماما، وكذلك أشكال أخرى من هذا النظام تختلف قليلا أو كثيرا عنه نجدها سائدة في إفريقيا وأستراليا، كل هذا النظام لا يمكن أن يفسر إلا تفسيرا تاريخيا بتتبع أصوله التاريخية. إن عبارات أب وأم وأخت وابن ونحوها ليست مجرد ألقاب شرفية ولكنها تحمل في طياتها التزامات متبادلة في غاية الخطورة، وتكون في مجموعها جزءا أساسيا من النظام الاجتماعي لتلك الشعوب.
وقد وجد شرح لهذا الموضوع في جزر هاواي، فقد وجد هناك في النصف الأول من القرن الحالي
1
نوع من العائلة مكون من الأب والأم والإخوة والأخوات والأبناء والبنات وإخوة الأب والأم وأبنائهم مثل نظام القرابة عند الهنود الأمريكيين. ولكن علاقات الدم السائدة في جزر هاواي غريبة جدا عن الشكل الحالي لدى الهنود؛ ففي جزر هاواي يعتبر كل أبناء وبنات الأعمام والعمات والأخوال والخالات إخوة فيما بينهم، وأبناء وبنات لكل هؤلاء الأعمام والأخوال والعمات والخالات دون تمييز. وعلى ذلك فإذا كان نظام الهنود الأمريكيين يمثل نوعا خاصا من العائلة لا يعمل به الآن حتى في أمريكا نفسها، فإن هذا النظام يجد له مجالا للتطبيق في جزر هاواي وبشكل أكثر غرابة. وهذا النظام وإن كان غير محقق الوجود الآن إلا في جزر هاواي إلا أنه من المقطوع به أنه كان موجودا من قبل وإلا لما وجد النظام الحالي في جزر هاواي.
Shafi da ba'a sani ba
ويقول مورجان: «إن العائلة تمثل مبدءا إيجابيا غير ثابت، وإنما يتطور من شكل أدنى إلى شكل أعلى كما يتطور المجتمع من حالة دنيا إلى حالة عليا. وعلى العكس من ذلك فإن نظم علاقات الدم سلبية تسجل التقدم الذي تحرزه العائلة في فترات طويلة ولا يتغير تغيرا كليا إلا حينما تتغير العائلة تغيرا كليا.» ويضيف ماركس: «ونفس الشيء ينطبق على النظم السياسية والقانونية والفلسفية عموما.» وبينما تستمر العائلة في تطورها فإن نظام علاقات الدم يصبح جامدا. وبينما يستمر نظام علاقات الدم موجودا في شكله العادي فإن تطور العائلة يطوره.
وكما استنتج كوفيار من بقايا هيكل عظمي لحيوان جيبي
2
وجد قرب باريس أن ذلك يعتبر دليلا على أن الحيوانات الجيبية كانت تعيش قرب باريس، كذلك نستنتج نحن مؤكدين من نظام علاقات الدم الذي نقل عبر التاريخ أن نظاما للعائلة نبع منه كان موجودا قديما وانقرض الآن.
وتختلف نظم علاقات الدم وأشكال العائلة النابعة منها عن الشكل السائد حاليا؛ إذ يكون للطفل فيها عدة آباء وأمهات. فطبقا للنظام الأمريكي لا يمكن للأخ وأخته أن يكونا أبوين لطفل واحد «فكما ذكرنا يكون إخوة الأب آباء أما أخواته فلا يكن أمهات.» وعلى العكس من ذلك نجد أن نظام جزر هاواي يجعل الأخ وأخته أبوين لطفل واحد كما سبق. وعلى ذلك نجد أنفسنا أمام مجموعات من أشكال العائلة تتعارض تماما مع الشكل السائد حاليا؛ فالفكرة التقليدية هي زواج الرجل الواحد من المرأة الواحدة، وتوجد بجانبها حالة تعدد الزوجات وأحيانا تعدد الأزواج. وتتجاهل الفكرة التقليدية حقيقة ما يحدث في المجتمع من عدم احترام هذه الأوضاع الرسمية وانتهاكها في سكون ودون خجل.
وتوضح لنا دراسة تاريخ الشعوب البدائية الشروط التي كان يسمح للرجال على أساسها بتعدد الزوجات وللنساء بتعدد الأزواج، ويكون الأطفال الناتجون عن هذا الزواج أبناء عموميين لهم جميعا.
وقد أخذت شروط تعدد الأزواج والزوجات تتعرض على مدار التاريخ لمجموعة مختلفة من التعديلات حتى وصلت للوضع الحالي؛ أي زواج الرجل من امرأة واحدة؛ فقد أخذت دائرة الناس المرتبطين بزواج عمومي مشترك - «وكانت دائرة واسعة جدا في الأصل» - تضيق شيئا فشيئا حتى وصلت في النهاية إلى زواج رجل واحد من امرأة واحدة، وهو الشكل الحالي للزواج.
وفي هذا البناء التدريجي لتاريخ العائلة، وصل مورجان - مع أغلبية زملائه - إلى مرحلة بدائية حدث عندها تغير أولي في القبيلة بحيث أصبحت كل امرأة مملوكة بالتساوي لكل رجل وبالعكس، وقد ثارت مناقشات طويلة عن هذه الحالة البدائية منذ القرن الماضي ولكنها كانت مناقشات عامة.
وقد كان باتشوفن أول من بحث شروط هذه الحالة بحثا جديا «ويعتبر هذا من أجل خدماته»، كما بحث آثارها في التقاليد التاريخية والدينية. ولكننا وصلنا في معلوماتنا اليوم إلى أن الآثار التي اكتشفها باتشوفن لا يمكن أن تؤدي إلى وصولنا إلى هذه المرحلة البدائية من التطور الجنسي، ولكن إلى شكل متأخر في الظهور من أشكال الزواج الجماعي. وهذه المرحلة الاجتماعية - بافتراض أنها وجدت فعلا - تنتمي إلى عصر بعيد جدا لا نتوقع أن نجد عنه حقائق أكيدة من الحفريات
3
Shafi da ba'a sani ba
الخاصة بمرحلة الوحشية.
ويعود فضل باتشوفن إلى أنه وضع هذه المسألة موضع الدراسة والتحري .
4
وقد أصبحت عادة الذين جاءوا بعد باتشوفن أن ينكروا هذه المرحلة من مراحل الحياة الجنسية للإنسان لكي ينقذوا الإنسانية من هذا العار. وبدلا من أن يشيروا إلى عدم وجود حقائق ثابتة عن هذه المرحلة يشيرون إلى بقية العالم الحيواني الذي جمع منه ليتورنو
5
حقائق عديدة يظهر منها أن التطور الجنسي الكامل يعود في أصله إلى مرحلة دنيا. والنتيجة الوحيدة التي أستطيع استخلاصها من هذه الحقائق أن أغلبية من جاءوا بعد باتشوفن لم يستطيعوا أن يثبتوا شيئا بالمرة عن الإنسان والشروط الأولية لحياته.
إن شرح فترات تطور الحيوانات قد يكفي فيه الشرح الفسيولوجي بعكس حالة الإنسان. فعند الطيور مثلا نجد أن الأنثى تحتاج إلى المساعدة أثناء فترة الفقس، ومن الضروري إخلاص الذكر لها في هذه الفترة. ولكن هذه المعلومات لا يمكن أن نستمد منها دليلا على الإنسان ما دام لا يتناسل من الطيور، وإذا كان إخلاص الذكر للأنثى والأنثى للذكر هو أساس الفضائل لوجب علينا أن نصفق في إعجاب إلى الدودة الخنساء التي تملك جهازا تناسليا مذكرا ومؤنثا في كل جزء من أجزاء جسمها التي تتراوح بين الخمسين والمائتين، والتي تقضي كل حياتها في تلقيح نفسها. وإذا انتقلنا إلى دائرة الحيوانات الثديية نجد أن جميع أشكال الحياة الجنسية التي يعرفها الإنسان مطبق بينها مع استثناء تعدد الأزواج إذ لا تحققه إلا أنثى الإنسان. ونجد كذلك أن أقرب الحيوانات شبها بالإنسان تختلف عنه أشد الاختلاف في حياتها الجنسية؛ إذ يقول ليتورنو إنها تسير أحيانا على قاعدة العلاقة الفردية بين الذكر والأنثى وأحيانا تسير على قاعدة التعدد، بينما يخبرنا سوزر وجيرود يتولن أنها تسير على أساس العلاقة الفردية بين الذكر والأنثى، وهكذا يتضح مدى تضارب المعلومات بشأنها. وقد أكد وستر مارك أخيرا في كتابه «تاريخ الزواج البشري، لندن، سنة 1891» أن مسألة العلاقة الفردية بين الذكر والأنثى عند الحيوانات الأربع الشبيهة بالإنسان ليس عليها دليل حتى الآن. ويقول ليتورنو إنه «بين الحيوانات لا توجد علاقة بين درجة الذكاء ونوع العلاقة الجنسية.» ويقول إسبيناس في «كتاب المجتمعات الحيوانية» ويونيت بلانك إن التارتار هي أعلى مجموعة اجتماعية بين الحيوانات، ويظهر أنها مقسمة إلى عائلات ولكن العداء القائم داخل مجموعة هذا الحيوان يسير في اتجاه عكسي مع العائلة.
ويتضح من كل ما سبق أننا لا نعرف شيئا مؤكدا عن العائلة والمجموعات الاجتماعية الأخرى لدى الحيوانات الشبيهة بالإنسان؛ فإن المعلومات في هذا الشأن متضاربة، ولا غرابة في ذلك فإن ما لدينا من معلومات عن القبائل الإنسانية نفسها في المرحلة الوحشية متضارب وعرضة لنقد علمي كثير. ولا شك أن مجتمعات الحيوانات الشبيهة بالإنسان أكثر صعوبة في دراستها من المجتمعات الإنسانية؛ ولذلك يجب علينا أن نستبعد كل نتيجة تأتي إلينا من مثل تلك المعلومات التي لا يعتمد عليها. ولكن المعلومات التي ساقها إلينا إسبيناس، وذكرناها فيما سبق، تسوق لنا أدلة أفضل من غيرها؛ إذ ذكر أن التارتار والعائلة ليسا شيئين متكاملين بل متضادين. ويضيف إسبيناس أن الغيرة بين الذكور تكاد تفكك مجموعات التارتار أثناء فترة اللقاح، ولا ينتعش التارتار إلا حيث تكون القاعدة هي العلاقات الجنسية الحرة؛ أي عندما تضعف الروابط العائلية. وذلك هو السبب في أننا نادرا ما نصادف مجموعات منظمة بين الطيور وبين الحيوانات الثديية. ونجد هذه المجموعات دون أي روابط عائلية، ونجد أن الشعور الجماعي لدى التارتار لا يجد له عدوا أو أكثر من الشعور العائلي.
ويتضح مما سبق أن المجتمعات الحيوانية ذات قيمة معينة لكي نستخلص منها استنتاجات عن المجتمعات الإنسانية، ولكن هذه القيمة سلبية، فالحيوانات العليا لا تعرف إلا نوعين فقط من العائلة وهما تعدد الزوجات والزواج المنفرد، وفي كلتا الحالتين لا يسمح إلا بوجود ذكر واحد للأنثى.
وتمثل غيرة الذكر روابط وحدود العائلة الحيوانية وتجعلها في تنازع مع العشيرة، فإن العشيرة باعتبارها أعلى الأشكال الاجتماعية تكون متفككة في موسم اللقاح. وهذا وحده يكفي دليلا على عدم إمكان المقارنة بين العائلة الحيوانية والمجتمع الإنساني البدائي، فالإنسان البدائي الذي شق طريقه إلى الوجود بعد المرحلة الحيوانية: إما أنه لم يعرف العائلة إطلاقا، وإما أنه عرف نوعا منها لا وجود له بين الحيوانات. وقد ذكر وستر مارك نقلا عن تقارير الصيادين أن الغوريللا والشمبانزي - وهما أقرب الحيوانات للإنسان - استطاعت أن تعيش في مجموعات صغيرة منعزلة على أساس من الزواج الفردي باعتباره أعلى الأشكال الاجتماعية.
Shafi da ba'a sani ba
وقد كانت هناك حاجة إلى عامل إضافي لكي يمكن التطور من المرحلة الحيوانية والوصول إلى أكبر تقدم عرفته الطبيعة، وهذا العامل الإضافي هو إحلال القوة الجماعية للعشيرة محل القوة الفردية العاجزة؛ لذلك لا يمكن القول إن الإنسان قد تطور اجتماعيا من الظروف التي تعيش فيها الآن الحيوانات الشبيهة بالإنسان، فهذه الحيوانات توحي حالتها بأنها في طريقها إلى الانقراض، وهذا وحده كاف لاستبعاد الرأي القائل بأن الأشكال العائلية لهذه الحيوانات موازية لأشكال عائلة الإنسان البدائي؛ فقد كان أساس الجماعات الأولى التي تم عن طريقها الانتقال من الحيوان إلى الإنسان هو التحرر من الغيرة والتسامح المتبادل بين الذكور. فالشكل القديم جدا للعائلة الإنسانية البدائية، وهو الشكل الذي توجد عليه دلائل لا تنكر، ويمكن إلى اليوم مشاهدته بين قبائل بدائية عدة وفي أماكن مختلفة، هذا الشكل هو الزواج الجماعي الذي تكون فيه جماعات بأسرها من الرجال وجماعات بأسرها من النساء في علاقات جنسية مشتركة وهو ما لا يترك إلا مكانا ضئيلا للغيرة.
وزيادة على ذلك نجد في مرحلة تالية من التطور الإنساني الشكل الاستثنائي الخاص بتعدد الأزواج وهو بدوره أبعد ما يكون عن الغيرة ولا تعرفه الحيوانات.
وحيث إن أشكال الزواج الجماعي المعروفة لنا مصحوبة بشروط غريبة معقدة تشير إلى وجود أشكال مماثلة لها من العلاقات الجنسية سابقة عليها، أي أنها تشير إلى فترة علاقات جنسية جماعية مطابقة لفترة الانتقال من الحيوان إلى الإنسان؛ لذلك فإن الرجوع إلى أشكال الزواج لدى الحيوانات للاستدلال بها على الإنسان يؤدي حتما إلى الخطأ.
فماذا تعني المعاشرة الجنسية المختلطة إذن؟ تعني أن الحدود الخلقية المطبقة حاليا أو منذ وقت مبكر لم تكن موجودة، وقد شاهدنا فيما سبق مدى هبوط مستوى الغيرة، وإذا كان هناك شيء مؤكد فهو أن الغيرة شعور حديث نسبيا في ظهوره لدى الإنسان، ونفس الشيء ينطبق على البغاء، وفي شعوب كثيرة إلى اليوم نجد أن الأخ وأخته بل الوالدين والأولاد ما زالوا يتعاشرون معاشرة الأزواج. ويذكر بانكرفت
6
وجود هذه العلاقات بين الكاثيات قرب مضيق برنج، والكادياك قرب ألاسكا، والتينهي في وسط كندا. وقد جمع ليتورنو معلومات مماثلة عن هنود التشييوا، والكاكاس في تشايل، والكاريين والكارن في الهند الصينية، وهذا فضلا عن الإغريق والرومان القدماء والفرس وغيرهم.
وقبل اختراع نظام البغاء كانت المعاشرة الجنسية بين الوالدين والأولاد شيئا لا يزيد في حقارته عن العلاقة الجنسية بين أشخاص من أجيال مختلفة مثل ما يحدث اليوم في أكثر الشعوب جهلا دون أن يسبب استهجانا كبيرا.
وإذا بدأنا البحث من أكثر أشكال العائلة المعروفة لنا بدائية، فإن صور البغاء الموجودة لديهم - وهي صور تختلف عما لدينا الآن - تجعلنا أمام شكل من أشكال المعاشرة الجنسية لا يمكن وصفه إلا بأنه مختلط تماما، فإن الحدود التي وضعت للعلاقة الجنسية لم تكن قد عرفت بعد. وليس معنى ذلك أن المعاشرة الجنسية كانت ضمن العمل اليومي للناس، كما أن انفراد الرجل بامرأة معينة لفترة محدودة كان محتمل الحدوث، وهو يحدث فعلا في حالات الزواج الجماعي الموجودة حاليا.
وإذا كان وستر مارك (آخر من أنكر هذه الحالة الأصلية) يعتبر أن الزواج هو كل حالة يظل فيها الجنسان في علاقة لحين مولد الطفل، فيمكن إذن أن يقال إن هذا النوع من الزواج كان يمكن جدا أن يوجد في ظل المعاشرة الجنسية الجماعية دون تعارض مع هذه الجماعية. ويبدأ وستر مارك (لكي يؤكد كلامه) من جهة النظر القائلة «أن المعاشرة المختلطة تتضمن كبتا لميول الفرد»؛ وعلى ذلك «يكون البغاء أكثر أشكالها دقة.» ويبدو لي أنه لا يمكن فهم الظروف البدائية طالما نظرنا إليها بمنظار البغاء. وسنعود إلى هذه النقطة ثانية عند الكلام عن الزواج الجماعي.
وطبقا لما كتب مورجان فإن هذه الظروف الجنسية البدائية التي ذكرناها قد تطورت عنها - ربما في وقت مبكر جدا - الأشكال التالية من العائلة : (1)
Shafi da ba'a sani ba
العائلة المرتبطة برباط الدم؛ المرحلة الأولى للعائلة: وفيها كانت المجموعات الزوجية مقسمة بحسب الأجيال، فكل الأجداد والجدات في العائلة أزواج وزوجات مشتركون، وكذلك كل الآباء والأمهات، وكذا الأولاد والبنات، ثم أولادهم من بعدهم وهكذا. وفي هذا الشكل من أشكال العائلة نجد أن الأصول والفروع فقط هم الممنوعون من ممارسة حقوق وواجبات الزواج مع بعضهم بعضا. كما نجد أن أبناء وبنات الجيل الواحد إخوة جميعا بالتبادل بصرف النظر عما إذا كانوا حقيقة إخوة أو أبناء عم أو خال أو نحوه. وكانت علاقة الأخ بأخته في هذه المرحلة تشمل ممارسة العلاقة الجنسية، أي أن العائلة كانت بهذا الشكل تتكون من سلالة زوجين، ويكون كل جيل تسلسل من هذه السلالة إخوة وأخوات وأزواجا مشتركين في نفس الوقت.
وقد انقرضت العائلة المبنية على علاقات الدم، وحتى أقدم الشعوب المعروفة في التاريخ لم يثبت أنها عرفت هذا النوع من العائلة. ولكن الدليل على مثل هذه العائلة وجد مستمدا من النظام القائم في جزر هاواي، والذي يشمل درجات من روابط الدم لا يمكن أن توجد إلا في مثل هذا الشكل من العائلة. ومما يؤيد هذا الدليل التطور الكلي للعائلة الذي يفترض وجود هذا الشكل باعتباره مرحلة أولية ضرورية. (2)
العائلة البونالوانية (عائلة الرفاق الأعزاء): وإذا كانت الخطوة الأولى في التنظيم العائلي هي منع الأصول والفروع من ممارسة العلاقات الجنسية، فإن الخطوة الثانية كانت منع الإخوة والأخوات من هذه الممارسة، وقد كانت هذه الخطوة غاية في الأهمية ولكنها أكثر صعوبة من الأولى. ويحتمل أنها طبقت تدريجيا مبتدئة بمنع الإخوة والأخوات الطبيعيين من ممارسة العلاقة الجنسية في حالات فريدة أولا، ثم أصبحت تدريجيا هي القاعدة،
7
ثم انتهى تدرج هذه الخطوة بمنع الزواج حتى بين أبناء وبنات العمومة والخئولة إلى الدرجة الثالثة. وكما قال مورجان فإن هذا المنع «يقدم تفسيرا حسنا لمبدأ الاختيار الطبيعي.» ومن المقطوع به أن القبائل التي حددت فيها العلاقات الجنسية على هذا النحو قفزت في تطورها بخطوات أسرع وأقوى من القبائل التي بقيت فيها المعاشرة الجنسية بين الأخ وأخته حقا وواجبا. وقد كان هذا المنع السبب المباشر في نشأة القبيلة، وقد كانت القبيلة أساس النظام الاجتماعي لمعظم شعوب العالم في مرحلتها البربرية. وعند الإغريق والرومان نخرج من القبيلة رأسا إلى المدنية.
وقد كانت كل عائلة بدائية تنقسم بعد جيلين على الأكثر إلى أقسام، وكانت العائلة البدائية الأصلية التي ظلت موجودة حتى آخر المرحلة الوسطى من البربرية محددة بحجم أقصى معين من النطاق العائلي، يختلف باختلاف الظروف ولكنه موجود في كل مكان.
وبمجرد أن تصور الإنسان عدم لياقة العلاقة الجنسية بين أولاد أم مشتركة كان لذلك التصور أثره في التقسيمات العائلية وفي تأسيس وحدات عائلية جديدة؛ فقد أصبحت مجموعة أو أكثر من الأخوات نواة لعائلة وأصبح إخوتهم نواة لعائلة أخرى. وبهذه الطريقة أو طرق أخرى مشابهة تطور الشكل العائلي الذي سماه مورجان: العائلة البونالوانية، فقد تطورت هذه العائلة من العائلة المرتبطة برباط الدم. فطبقا لعادات جزر هاواي نجد أن عددا من الأخوات سواء في ذلك الأخوات الطبيعيات وبنات العمومة والأخوال والخالات أصبحت زوجات مشتركات لأزواج مشتركين ليسوا إخوتهم الذكور، وهؤلاء الأزواج المشتركون لا يعتبرون بعضهم بعضا إخوة بل بوناليا أي: رفاقا أعزاء. وبنفس الطريقة أصبح عدد من الإخوة الطبيعيين وأبناء العمومة والأخوال والخالات أزواجا مشتركين لمجموعة من النساء من غير أخواتهم، وتعتبر تلك النساء فيما بينها أيضا بوناليا. وهذا هو الشكل الكلاسيكي للبناء العائلي، وهو الشكل الذي طرأت عليه فيما بعد مجموعة من الاختلافات صفتها الأساسية وجود وحدة مشتركة من الأزواج والزوجات في نطاق عائلي محدود يستبعد منه الإخوة الطبيعيون للنساء أولا ثم أبناء العمومة والخئولة، ونفس الوضع بالنسبة لأخوات الرجال.
ويبين لنا هذا الشكل من العائلة بمنتهى الوضوح درجات القرابة كما هي موجودة لدى الهنود الأمريكيين، فأبناء الخالة ما زالوا معتبرين إخوة، وكذلك أبناء العم، بعكس أبناء العمة وأبناء الخال؛ ولذلك فإن أزواج الخالة يعتبرون أزواجا للأم، وزوجات العم تعتبر زوجات للأب من الناحية الرسمية وإن كان الأب لا يستعمل حقه معهن دائما من الناحية العملية . وقد كان حظر المعاشرة الجنسية بين الأخ وأخته هو أول تقسيم لأبناء العمومة والخئولة من الدرجة الأولى إلى طبقتين، فإحداهما بقيت معتبرة إخوة وأخوات كما كان الحال قبلا وهم أبناء العم وأبناء الخالة، والطبقة الثانية لم تعد معتبرة إخوة وأخوات وهم أبناء العمة وأبناء الخال؛ ولذلك فإن طبقة أبناء العمومة الذكور والإناث التي كانت غير محسوسة في العائلة المرتبطة برباط الدم أصبح وجودها ضروريا للمرة الأولى. وإن النظام الهندي الأمريكي لعلاقات الدم، وهو النظام الذي يظهر غاية في الغرابة لأن به أيضا بعض أنواع الزواج الفردي إلى جانب هذه القرابات الغريبة، يبدو هذا النظام معقول التفسير وطبيعيا إذا تعمقنا في التفصيلات الخاصة بالعائلة البونالوانية. وهذا يؤكد لنا أن هذه العائلة، أو شكلا مشابها لها، كان موجودا في الأصل لدى الهنود الأمريكيين.
كما أن الشكل العائلي الموجود في جزر هاواي يحتمل أنه كان موجودا في كل مكان. وقد صادفت الإرساليات الدينية مثل الإرساليات الإسبانية القديمة أنواعا كريهة من العلاقات في هذه النظم غير المسيحية.
8
Shafi da ba'a sani ba
ويقول سيزار عن الجنس البريتوني (وهو جنس وجده الرومان في بريطانيا) الذي كان في ذلك الوقت في المرحلة الوسطى من البربرية «أنه كان لديهم عشرات من الزوجات المشتركات، وكان أزواجهم في الغالب إخوة أو أبناء أو آباء.» وهذه ولا شك صورة واضحة من الزواج الجماعي.
ولم يكن لدى أمهات المرحلة البربرية الكفاية من الأبناء الكبار لكي يكون لهم زوجات جماعيات. ولكن النظام الأمريكي الخاص بقرابة الدم والذي تفرعت عنه العائلة البونالوانية كان يحتوي على إخوة كثيرين، حيث إن كل أبناء عمومة وخئولة الرجل كانوا إخوة له.
وعلى ذلك فيمكن شرح كتابات هيرودوت وغيره من الكتاب القدماء بشأن الزوجات الجماعيات بين الشعوب في عصري الوحشية والبربرية بالرجوع إلى العائلة البونالوانية.
وقد كان نشأة القبيلة في أغلب الحالات عن طريق العائلة البونالوانية. ويؤكد ذلك النظام الأسترالي في نظام الزواج الجماعي الشائع لدى الأستراليين الأصليين. ولم يصل الأستراليون بعد إلى العائلة البونالوانية، والذي لديهم هو شكل أكثر بدائية من الزواج الجماعي. وسيأتي شرح النظام الأسترالي. ويلاحظ أنه في جميع أشكال الزواج الجماعي لا يمكن التأكد من أبوة الطفل، ولكننا نستطيع بسهولة معرفة أمه، ورغم أن الأم في هذا النظام تسمي كل أطفال العائلة أولادها وتلتزم نحوهم بواجبات الأم إلا أنها تعرف رغم ذلك أولادها الحقيقيين. وعلى ذلك فكلما وجد زواج جماعي فلا يمكن التأكد من السلالة إلا من ناحية الأم، وهذه هي الحالة بين كل شعوب المرحلة الوحشية والمرحلة الدنيا من البربرية. وكان الاكتشاف الثاني الكبير لباتشوفن هو اكتشافه لهذه الحقيقة، وهو يسمي هذا التسلسل من الأم والعلاقات الوراثية التي تفرعت عنه بفترة الانتساب للأم.
وإذا أخذنا الآن أحد نوعي العائلة البونالوانية، وهو الذي يتكون من عدد من الأخوات الطبيعيات وبنات العمومة والخئولة «المعتبرين إخوة كما ذكرنا» مع أولادهن وإخوتهن الطبيعيين وأبناء العمومة والخئولة «وهم معتبرون أيضا إخوة»، فإننا نكون بذلك أمام تلك الدائرة من الأشخاص التي ظهرت في المجتمع على هيئة قبيلة. وهكذا نشأت القبيلة من أصول نسائية تعتبر سلالتها من الإناث جيلا بعد جيل أخوات بفضل الانحدار من أصل مشترك. أما أزواج هؤلاء الأخوات فلم يعودوا معتبرين إخوة لهن؛ أي لا يمكن أن يكونوا منحدرين من نفس الأصول النسائية؛ ولذلك لا ينتمون إلى دائرة القرابة في الدم التي أصبحت تسمى قبيلة. ولكن أولاد هؤلاء الأزواج ينتمون للقبيلة لأن أمهاتهم منها، والقاعدة هي الانتساب للأم لأنه الرابطة الوحيدة المؤكدة.
وحيث يطبق منع المعاشرة الجنسية بين الإخوة والأخوات بالمعنى الواسع لانحدارهم من أصول نسائية مشتركة، فإن تلك المجموعة تجعل من نفسها دائرة محدودة من الأقارب في الدم، لا يسمح لأفرادها بالزواج فيما بينهم، وهكذا تصبح قبيلة. ومنذ ذلك الوقت فصاعدا يزداد التضامن الداخلي لتلك القبيلة ويتخذ طابعا اجتماعيا ودينيا. وتفرق هذه القبيلة بين نفسها وبين باقي قبائل العشيرة. وسنعود لهذه المسألة بتفصيل أكثر فيما بعد، وحيث إننا وجدنا أن القبيلة قد خرجت من العائلة البونالوانية، فإننا لذلك نستطيع التأكيد أن هذا الشكل من العائلة وجد قديما بين كل الشعوب التي لدينا آثار عن أنظمتها القبلية القديمة.
وعندما وضع مورجان كتابه كانت معلوماتنا عن الزواج الجماعي قليلة جدا؛ إذ لم نكن نعرف إلا القليل عن الزواج الجماعي المطبق لدى الأستراليين الأصليين، وقد نشر مورجان سنة 1871 المعلومات التي وصلته عن العائلة البونالوانية في جزر هاواي، وقد أعطتنا العائلة البونالوانية الشرح الكافي لنظام قرابة الدم المطبق لدى الهنود الأمريكيين، ومن ناحية أخرى أعطتنا نقطة بدء نخرج منها إلى السلالة المنتسبة للأم، كما أنها كانت تمثل مرحلة عليا أكثر تطورا من النظام الأسترالي؛ ولذلك كان يجب على مورجان اعتبار العائلة البونالوانية مرحلة من مراحل التطور سبقت في ظهورها العائلة المكونة من فردين، وكان يجب عليه التسليم بأن هذا الشكل العائلي كان عام الانتشار في الزمن القديم.
ومنذ كتاب مورجان علمنا عن مجموعة أشكال أخرى من الزواج الجماعي، وقد قطع مورجان مرحلة كبيرة في هذا المجال؛ ولذلك فقد كان اكتشاف مورجان للعائلة البونالوانية اكتشافا للشكل الكلاسيكي الأعلى للزواج الجماعي مكننا من شرح مرحلة التطور التالية له بسهولة.
وقد قام المبشر الإنجليزي لوريمر فيسون بدراسة الزواج الجماعي لمدة سنوات طويلة بموطنه الأصلي بأستراليا، وإنا لندين بمعظم معلوماتنا الأساسية عن الزواج الجماعي له. وقد وجد لوريمر المرحلة الدنيا من التطور بين الزنوج الأستراليين بجبل جامبير جنوب أستراليا؛ إذ وجد القبيلة كلها مقسمة إلى طبقتين كبيرتين هما الكروكي والكوميت. كما وجد أن العلاقات الجنسية داخل كل طبقة ممنوعة تماما، ومن ناحية أخرى يعتبر كل رجل في إحدى الطبقتين زوجا بالميلاد لكل امرأة في الطبقة الأخرى، ولا توجد أي موانع بسبب الاختلاف في السن أو روابط الدم خلاف الموانع الناتجة عن التقسيم إلى طبقتين؛ فالرجل من الكوميت مثلا يعتبر زوجا لكل امرأة من الكروكي، وحيث إن ابنته نفسها تعتبر من الكروكي طبقا لقاعدة الانتساب للأم السابق ذكرها فإن ابنته نفسها تعتبر زوجة له، وحيث إن هذا التنظيم لا يضع أي موانع، فإنه إما أن يكون قد ظهر في وقت كانت فيه المعاشرة الجنسية بين الأبوين والأولاد لا تعتبر ممنوعة ، وإما أنه ظهر في وقت كانت فيه هذه العلاقات محرمة من الناحية العملية، ثم نشأت هاتان الطبقتان، وهي الحالة التي تشير إلى العائلة المرتبطة برباط الدم والتي تعتبر الطبقات أول خطوة للتطور بعدها؛ وهذا هو الاحتمال الذي نرجحه.
وإن حالة العلاقات الجنسية بين الأبوين والأولاد التي استقينا معلوماتها من أستراليا، والعرف الخاص بضرورة الزواج من خارج السلالة (نظام الطبقات سالف الذكر)، وكذلك نظام السلالة المنتسبة للأم، كل ذلك يفترض ضمنا أن مثل هذه العلاقات محرمة فعلا.
Shafi da ba'a sani ba
وفضلا عن جبل جامبير بجنوب أستراليا، نجد نظام الطبقتين مطبقا في منطقة نهر دارلنج بالشرق ومنطقة كوينزلاند في الشمال الشرقي؛ وهو لذلك نظام شائع بأستراليا. وتوجد خطوة أخرى في اتجاه منع التربية الداخلية في قبائل الكاميلا روي بمنطقة نهر دارلنج وفي نيو سوث ويلز، حيث تنقسم الطبقتان الأصليتان إلى أربع طبقات، وتعتبر كل طبقة منهما متزوجة من طبقة أخرى محددة. فالطبقتان الأوليان متزوجتان فيما بينهما، أما أولاد كل منهما فلا يكونون أعضاء في أي من هاتين الطبقتين، بل يصبح أبناء الطبقة الأولى أعضاء في الطبقة الثالثة، وأبناء الطبقة الثانية أعضاء في الطبقة الرابعة. وكذلك تعتبر الطبقتان الثالثة والرابعة متزوجتين فيما بينهما، وبالمثل يعتبر أبناء الطبقة الثالثة أعضاء في الطبقة الأولى، وأبناء الطبقة الرابعة أعضاء في الطبقة الثانية. ومعنى ذلك أن الجيل الأولى ينتمي للطبقة الأولى أو الثانية، والجيل الثاني ينتمي للطبقة الثالثة أو الرابعة، والجيل الثالث يعود ثانية فينتمي للطبقة الأولى أو الثانية وهكذا. ومعنى هذا أن أطفال الإخوة والأخوات لا يستطيعون الزواج فيما بينهم ولكن أحفادهم يستطيعون. ومن ذلك نرى كيف أن الميل لمنع التربية الداخلية في القبيلة يعود فيتأكد ولكن بطريقة غريزية غريبة ودون أي هدف واضح.
وعندما ندقق النظر في نظام زواج الطبقات الجماعي المطبق في أستراليا نجد أنه ليس شيئا مستهجنا بالنسبة للتطور الإباحي للإنسان البدائي، وقد ظل كذلك سنوات طوال ولم يصبح شيئا مستنكرا إلا حديثا. وقد يظهر من النظرة السطحية أن هذا النظام نوع مفكك من الزواج الفردي أو من نظام تعدد الأزواج والزوجات مصحوب بخيانات زوجية من وقت لآخر. ولكن على الباحث أن ينفق السنوات الطوال حتى يكتشف القانون المنظم لشروط هذا الزواج كما فعل فسون وهوديت، وهو القانون الذي يذكر الأوربي العادي بعاداته العملية «أي خيانته لزوجته»، والذي يجد الزنجي الأسترالي بمقتضاه نساء تعطي له نفسها دون حرج أو مقاومة حتى ولو كان بعيدا آلاف الأميال عن قبيلته. ويستطيع الزنجي بمقتضى هذا القانون نفسه أن يملك عدة زوجات يستطيع تقديم أي منها هدية لضيفه ليقضي معها الليل. وفي ظل هذا القانون، حيث لا يرى الأوربي فيه إلا الانحلال «يحترم الأهالي قانونهم الجنسي بدقة؛ فالقانون يمنع تماما العلاقة الجنسية داخل الطبقة وعقوبة المخالفة الطرد من القبيلة والنفي. وحتى حيث تغتصب النساء - وهي الحالة الغالبة في بضع مناطق - يراعى القانون الطبقي بدقة، فبعد أن يغتصب الشاب فتاة ويهرب معها بمساعدة أصدقائه الذين يمارسون معها من بعده العملية الجنسية الواحد بعد الآخر، تعتبر الفتاة زوجة لمغتصبها، وإذا هربت الفتاة من مغتصبها وضبطها آخر فإن هذا الأخير يصبح زوجها ويفقد الأول امتيازه. ويعتبر هذا الامتياز الخطوة الأولى للانتقال إلى الزواج الفردي.»
من كل ما سبق يتضح أن القيود على العلاقات الجنسية، وانفراد رجل بامرأة فترة طويلة أو قصيرة، وتعدد الأزواج والزوجات، كل ذلك يوجد جنبا إلى جنب في الزواج الجماعي. والسؤال الذي يتردد الآن هو: من الذي سيختفي أولا في أستراليا نتيجة النفوذ الأوربي، هل هو الزواج الجماعي أم الأستراليون الأصليون الذين يعيشون في ظله؟
وعلى أي حال فإن الزواج بين طبقات بأكملها كما هو سائد في أستراليا هو شكل بدائي منحط جدا من الزواج الجماعي، بينما تعتبر العائلة البونالوانية أعلى صور الزواج الجماعي حسب ما نعرف. ويظهر أن الشكل الأول هو الناتج عن الحالة الاجتماعية لدى المتوحشين غير المستقرين، بينما تفترض العائلة البونالوانية نوعا من الاستقرار النسبي في مجموعات مشاعية، وتتطور مباشرة إلى المرحلة التالية لها من التطور. ومن المؤكد أننا سنجد مراحل متوسطة بين هاتين المرحلتين وما زال مجال البحث مفتوحا أمامنا. (3)
العائلة المكونة من فردين: ظهر شكل معين من أشكال العلاقة بين ذكر وأنثى فقط لفترة طويلة أو قصيرة في ظل الزواج الجماعي وربما قبله؛ فقد كانت للرجل زوجة رئيسية ضمن زوجاته العديدات، وكان الرجل يعتبر زوجها الرئيسي بين غيره من الرجال. وعندما نمت القبيلة وازداد عدد طبقات الإخوة والأخوات الذين تحرم المعاشرة الجنسية بينهم، ازداد انتشار هذا النوع من العلاقة بين اثنين فقط وأصبح هو القاعدة المتبعة تدريجيا. فعندما سارت القبيلة في طريق منع الزواج بين الأقارب في الدم استمرت في هذا الطريق؛ ولذلك نجد بين قبائل الإيروكيوس الهندية الأمريكية ومعظم القبائل الهندية الأخرى في المرحلة الدنيا من البربرية، نجد عند هذه القبائل أن قانونهم يحرم الزواج بين جميع الأقارب وهم أنواع تبلغ عدة مئات. وقد كان هذا الازدياد المستمر في موانع الزواج سببا في جعل الزواج الجماعي أكثر استحالة، وهكذا استبدل بالزواج بين اثنين فقط. وفي ظل هذا الزواج بين اثنين فقط «وهو يختلف عن الزواج بمعناه الحديث الذي نعرفه الآن كما سيأتي» كان الرجل يعيش مع امرأة واحدة، ولكن ظل من حقه تعدد الزوجات والخيانات الزوجية من وقت لآخر. ولكن الرجل كان نادرا ما يلجأ إلى تعدد الزوجات؛ لأسباب اقتصادية. وفي ظل هذا الزواج كان يفرض على المرأة الإخلاص التام طوال فترة عشرتها مع الرجل، وكان الزنا يعرضها لأشد عقاب. أما الرابطة الزوجية فكان يمكن لأي من الطرفين حلها بسهولة، وكان الأطفال ينتسبون للأم كما كان الحال قبلا، وفي ظل هذا المنع المتزايد للأقارب في الدم من الزواج كان الاختيار الطبيعي ذا أثر. ويقول مورجان إن الزواج بين القبائل غير الأقارب في الدم كان يميل إلى خلق تكافؤ أقوى من الناحيتين الجسمانية والعقلية، وكان الطفل الناتج عن هذا الزواج يجمع بين مزايا القبيلتين.
وعلى ذلك فإن تطور العائلة في عهد ما قبل التاريخ كان عبارة عن تضييق مستمر في نطاقها الذي كان يضم في الأصل الجماعة كلها في جماعية جنسية بين الرجال والنساء. ثم أخذت موانع الزواج تزداد حتى أصبح الزواج الجماعي مستحيلا من الناحية العملية ولم يبق إلا الزواج بين اثنين فقط وإن كانت رابطته مفككة. وقد كان للحب الجنسي الفردي أو الاختيار الطبيعي أثره في هذا النوع من الزواج. ويزيدنا دليلا على ذلك الحياة العملية لكل الشعوب في هذه المرحلة. وبينما كان الرجال في ظل أنظمة الزواج السابقة غير محتاجين إلى النساء وكان لديهم ما يزيد عن الحاجة منهم، أصبح عدد النساء في ظل هذا الزواج قليلا. ونتيجة لذلك فقد كان بدء الزواج الفردي هو بدء الاغتصاب والعلاقات غير المشروعة في الوقت نفسه. كما بدأ انتشار ستر العورة كطريقة صريحة لامتلاك النساء.
وقد اعتبر ميكلتان «ذلك الاسكتلندي المحافظ» ستر العورة طبقة من طبقات الزواج سماها «الزواج بالاغتصاب» أو «الزواج بالخطف».
ولم يكن هذا النوع من الزواج عند الهنود الأمريكيين وغيرهم من عمل الزوج والزوجة، أي لم يكن الحب الجنسي هو الدافع له في أغلب الأحوال، ولم يكن الزوج والزوجة يستشاران في ذلك، بل كانت أم الزوج وأم الزوجة تنظمان الزواج وتخطران العروسين قبل الزفاف بمدة قليلة. وكان على الزوج أن يقدم إلى أقارب عروسه قبل الزفاف هدايا تسمى هدايا خطف بالنسبة للفتاة المستسلمة. وكان يمكن حل الرابطة الزوجية برغبة أي من الطرفين، وقد أخذ شعور جماعي ينمو في كثير من القبائل مثل الإيروكيوس ضد حل الرابطة الزوجية؛ فكانوا عندما تنشأ منازعات بين الزوجين يقوم أقاربهما من ناحية الأم بالتدخل للصلح بينهما، ولا يتم الطلاق قبل أن تستنفد وسائل الإصلاح، وفي هذه الحالة يظل الأولاد مع الأم، وتعود لكل من الزوجين حريته في الزواج من جديد.
ولما كانت العائلة المكونة من فردين ضعيفة وغير ثابتة لا تستطيع أن تقيم عشيرة مستقلة فإنها لم تستطع أن تكون سببا في حل العشيرة الجماعية التي سبقتها في الوجود. ولكن العشيرة الجماعية كانت تعني سيادة النساء في المنزل نتيجة الانتساب للأم؛ وكان ذلك يعني مركزا ممتازا للنساء؛ فقد كانت النساء تشغل مركزا محترما وحرا لدى كل الشعوب في عصر الوحشية والمرحلتين الدنيا والوسطى من البربرية وجزء من المرحلة العليا. ويقول آرثر رايت، الذي كان يعمل مبشرا دينيا لمدة سنين طويلة بين قبائل الإيروكيوس، أن وضع المرأة ظل محترما عندهم حتى في ظل العائلة المكونة من اثنين. وكانت نساء القبيلة المسيطرة تستولي على أزواج لها من القبائل المجاورة. وكانت النساء هي التي تحكم المنزل، ولم يكن للزوج أو الحبيب أي دور في الأمر والنهي، وقد كان ممكنا أن تأمره المرأة في أي وقت بأن يحمل بطانية ويرحل؛ فكان يمتثل للأمر في ذلة بصرف النظر عن عدد الأولاد الذين له بالمنزل أو الأمتعة التي عنده، وكان الرجل في هذه الحالة يعود إلى قبيلته أو يتزوج من أخرى كما كان يحدث غالبا. وقد كانت النساء هي القوة العليا في القبيلة وفي كل مكان آخر، لدرجة أنه كان في استطاعتها أن تنزع التاج من فوق رأس زعيم القبيلة وتعيده فردا عاديا. أما الأساس المادي لتلك المزايا التي حصلت عليها المرأة فهو أن البيت في ذلك الوقت كانت أغلب النساء فيه - إن لم يكن كلهن - من سلالة واحدة، أما الرجال فكانوا من عشائر مختلفة. ويعتبر اكتشاف باتشوفن لذلك الخدمة الثالثة الكبرى التي أداها. وأستطيع أن أضيف إلى ذلك أن تقارير الرحالة والمبشرين عن النساء عند القبائل التي تعيش في المرحلة الوحشية والبربرية مليئة بمعلومات لا تتعارض مطلقا مع ما سبق ذكره، وأن تقسيم العمل بين الرجل والمرأة حددته أسباب مختلفة تماما عن الأسباب التي تحدد وضع النساء في المجتمع. وأن الشعوب التي تؤدي نساؤها أعمالا أشق مما نتصور تكن للمرأة احتراما أعمق مما يكنه الأوربيون لنسائهم. وأن الحالة الاجتماعية للمرأة في عهد المدينة، وهي المرأة المحاطة بالاحترام الزائف والمبعدة عن كل عمل حقيقي، لأحط كثيرا من حالة المرأة التي كانت تؤدي أشق الأعمال في مرحلتي الوحشية والبربرية، والتي كان قومها ينظرون إليها على أنها سيدة حقيقية بحكم طبيعة وضعها.
وأما مسألة ما إذا كان الزواج بين اثنين قد حل محل الزواج الجماعي كلية أم لا في أمريكا الآن،
Shafi da ba'a sani ba
9
فيجب لتقرير ذلك مزيد من التحريات بين هنود الشمال الغربي وخصوصا هنود الجنوب الذين لا يزالون في المرحلة العليا للوحشية. وتشير التقارير عنهم إلى أن لحظات الحرية الجنسية لديهم من الكثرة الشديدة لدرجة أنه لا يمكن افتراض أن الموانع الكاملة موجودة أو أن كل مظاهر الزواج القديم قد اختفت. ونجد عند أربعين قبيلة على الأقل في شمال أمريكا أن الرجل الذي يتزوج الأخت الكبرى في عائلة يعتبر زوجا لباقي أخواتها بمجرد أن يبلغن سن الزواج، وتعتبر هذه الحالة إحدى الحالات الباقية من الزواج الجماعي (زواج مجموعة من الأزواج لمجموعة من الأخوات). ويذكر بانكرف أن قبائل شبه جزيرة كاليفورنيا «في المرحلة العليا للوحشية» لديها نوع معين من الأعياد تتجمع أثناءها عدة قبائل بقصد ممارسة العلاقات الجنسية دون أي قيود، وتمثل هذه الأعياد بالنسبة لهذه القبائل الذكريات المظلمة للأوقات التي كانت فيها كل نساء القبيلة تملك كل رجال قبيلة أخرى في زواج عمومي. وما زالت نفس العادة سارية في أستراليا، وفي شعوب قليلة يستغل الرجال الأكبر سنا والرؤساء ورجال الدين سلطتهم في السطو على كل زوجات الآخرين، ويحوزون معظم النساء على أن يسمحوا لهن بالعلاقات الجنسية الجماعية القديمة في أثناء الأعياد العامة. ويضيف وستر مارك أن هناك مجموعة كبيرة من الأمثلة لتلك الأعياد الدورية التي تمارس خلالها العلاقات الجنسية الحرة القديمة لمدة قصيرة، كما هو الحال عند الهوس والسانتالز والبانجاز والكوتار الهنود، وكذلك عند بعض الشعوب الإفريقية. ويستنتج وستر مارك بحق أن ذلك ليس زواجا جماعيا وإنما تشابها بين الإنسان البدائي والحيوان في موسم اللقاح.
ونصل الآن إلى الاكتشاف الرابع الكبير لباتشوفن، وهو الانتشار الواسع النطاق للعائلة المكونة من اثنين على أنقاض الزواج الجماعي. فقد وجد باتشوفن حالة فترجمها على أنها عقاب مخالفة التعليمات الإلهية، وهذه الحالة هي حق المرأة في الانسحاب من الزواج الجماعي ومنح نفسها لرجل واحد فقط، ويعتبر باتشوفن أن ذلك كان يعتبر عقابا نظرا لأن استسلام المرأة أصبح محدودا. وهناك عادات مماثلة ذات بواعث دينية شائعة بين معظم الشعوب الآسيوية في المنطقة الواقعة بين البحر الأبيض والقرغيز؛ فقد كانت نساء بابل ملزمات بالاستسلام مرة كل عام في معبد ميليتا، وكانت شعوب الشرق الأوسط الأخرى ترسل بناتها لمدة سنوات إلى معبد أنايتس حيث يستطعن معاشرة من يخترن من الرجال قبل أن يسمح لهن بالزواج. ويقول باتشوفن عن هذا التطور: «إن العلاقات الجنسية الواسعة للنساء المتزوجات في ظل الزواج الجماعي أعقبتها العلاقات الخاصة بغير المتزوجات، وممارسة العلاقة الجنسية أثناء الزواج أعقبتها الممارسة قبل الزواج، والاستسلام لكل رجل بلا تمييز أعقبه الاستسلام لرجال معينين.» وفي كثير من الشعوب نجد مثل هذه التعليمات الدينية معدومة. وفي بعض الشعوب مثل الثراسيانز والسلتس القدماء، وكثير من السكان غير الأصليين بالهند والملايو، وسكان جزر البحر الجنوبي، وكثير من الهنود الأمريكيين حتى يومنا هذا تتمتع الفتاة لديهم بحرية جنسية كاملة حتى تتزوج، ونفس الوضع نجده في جنوب أمريكا. ويذكر أجلسز في كتاب رحلة في البرازيل الذي صدر سنة 1886 أنه قدم إلى عائلة غنية من أصل هندي، ولما تعرف بالفتاة سأل عن أبيها الذي كان يعتقد أنه متزوج من أمها، فأجابته الأم مبتسمة: «ليس لها أب، إنها ابنة المصادفة.» وهي الطريقة التي تتحدث بها النساء الهنديات أو المولدات عن الأطفال غير الشرعيين دون أي شعور بالخطأ أو الخجل.
وتعتبر هذه الحالة العادية في تلك المناطق، والعكس هو الاستثناء؛ فالأطفال لا يعرفون غالبا سوى أمهاتهم، وتقع مسئولية العناية بهم على الأم، بل إن الأم وأولادها لا يعتقدون أن لهم أي حقوق على الأب. وما يظهر هنا للإنسان المتمدن على أنه شيء غريب يعتبر هو القاعدة السائدة في ظل نظام الانتساب للأم والزواج الجماعي.
ولدى شعوب أخرى يمارس أصدقاء الزوج وأقاربه أو ضيوف الزفاف حقهم التقليدي القديم في ليلة الزفاف نفسها ثم يأتي دور الزوج آخرهم، كما كان يحدث في جزر البليارك ولدى الأوجيلاس الأفريقيين القدماء، وكما يحدث إلى اليوم في أبيسينيا. ولدى شعوب أخرى يقوم شخص رسمي هو الزعيم أو الأمير أو الكاهن بالنيابة عن العشيرة في الليلة الأولى للعروس. ورغم كل المعايير الخلقية ما زال الحق في الليلة الأولى قائما ليومنا هذا بين معظم سكان ألاسكا الوطنيين
10 (كذكرى مقدسة من الزواج الجماعي)، وبين الناهوس بشمال المكسيك ولدى شعوب أخرى.
وقد كان الحق في الليلة الأولى مطبقا خلال العصور الوسطى في بلاد الغال الأصلية «فرنسا»، وقد تطور هذا الحق مباشرة من الزواج الجماعي. فرغم أن الفلاح لم يكن معتبرا من رقيق الأرض في مقاطعة كاستيل، كان نظام رقيق الأرض مطبقا في أبشع صورة في مقاطعة أراجون حتى ألغي بالمرسوم الذي أصدره فرديناند الكاثوليكي سنة 1486، وقد جاء بهذا المرسوم: «إننا نطبق العدل، ونعلن أن النبلاء والبارونات لن يناموا الليلة الأولى مع المرأة التي يتزوجها الفلاح كدليل على سلطتهم، كما لن يحصل النبلاء والبارونات على خدمات الفلاحين دون رغبتهم سواء بمقابل أو بدونه.»
ويعتبر باتشوفن على حق عندما قال إن الانتقال من الإباحية إلى الزواج بين اثنين قد تم عن طريق النساء، فكلما كانت العلاقات الجنسية الجماعية القديمة تفقد طابعها البدائي نتيجة لتطور الظروف الاقتصادية للحياة وتحلل المشاعية القديمة وازدياد عدد السكان، كانت النساء تعتبر العلاقات الجماعية عملا مهينا منحطا وتسعى إلى الحصول على حقها في الفضيلة والزواج المؤقت أو الدائم من رجل واحد فقط. وهذا التقدم لم يكن ممكنا أن يتم عن طريق الرجال؛ إذ لم يحلم الرجال أبدا «حتى إلى يومنا هذا» بالتخلي عن متعة الزواج الجماعي. ولما اضطر الرجال إلى الانتقال من الإباحية إلى الزواج بين اثنين تمسكوا بتطبيق هذه العفة على المرأة وحدها طبعا.
وقد ظهرت العائلة المكونة من فردين في الفترة بين عصري الوحشية والبربرية وبالتحديد في المرحلة العليا من الوحشية والمرحلة الدنيا من البربرية. وتعتبر هذه العائلة هي الشكل العائلي الخاص بعصر البربرية، كما يعتبر الزواج الجماعي هو الشكل العائلي الخاص بعصر الوحشية. ويعتبر الزواج بمعناه الحديث هو الشكل العائلي الخاص بعصر المدنية (وهو يختلف عن العائلة المكونة من فردين كما سيأتي). فإن التطور المستمر للعائلة المكونة من فردين إلى أن أصبحت زواجا بالمعنى الحديث يتطلب شروطا مختلفة عما رأيناه الآن.
ولو لم تظهر قوى اجتماعية دافعة جديدة إلى الوجود في كل مرحلة من مراحل التطور، لما كان هناك سبب لظهور شكل جديد من أشكال العائلة.
Shafi da ba'a sani ba
ولنترك الآن أمريكا، الأرض الكلاسيكية للعائلة المكونة من فردين؛ فليست هناك معلومات تؤكد أن شكلا أعلى للعائلة قد ظهر في أمريكا. ولننتقل الآن إلى العالم القديم.
ففي العالم القديم اتسع نطاق استئناس الحيوانات، وازداد عدد القطعان بطريقة جعلتها مصدرا غير متوقع للثروة؛ مما سبب نمو علاقات اجتماعية جديدة. فإلى المرحلة الدنيا من البربرية كانت الثروة تتكون كلية من المنزل والملابس ووسائل الإنتاج والآلات البدائية كالقوارب والأسلحة والأوعية المنزلية البدائية. وكان الغذاء يتم جمعه جديدا يوما بيوم. أما عندما وجدت قطعان الماشية والخيل وغيرها فقد أصبح في استطاعة الشعوب المتقدمة المسيطرة مثل الآريين في الأرض الهندية ذات الأنهار الخمسة وأرض القرغيز، ومثل الأوكس والجكارتس، والجنس السامي عند نهر الفرات ودجلة، أصبح في استطاعة هذه الشعوب أن تملك قطعانا تتطلب رقابة وعناية حتى يزداد عددها وتستخرج منها الألبان واللحوم الوفيرة. واختفت كل الوسائل السابقة لإنتاج الطعام، وحتى الصيد الذي كان فيما مضى ضرورة للحياة أصبح عندئذ هواية.
ولكن من الذي كان يملك هذه الثروة الوفيرة؟ كانت في الأصل ملكا للقبيلة بلا شك، ولكن يرجح أن الملكية الفردية نمت في مرحلة مبكرة جدا. وفي الكتاب الأول لموسى نقرأ أن الأب إبراهيم قد ظهر لموسى كمالك لقطيع من الحيوانات يتصرف فيه باعتباره زعيما لعشيرة وليس باعتبار القطيع ملكا خاصا له. ومنذ بدء التاريخ المكتوب نجد أن القطعان الحيوانية تعتبر ملكا خاصا لزعيم العائلة، مثلها في ذلك مثل المنتجات الفنية في عصر البربرية كالأدوات الحديدية وأدوات الصيد وأخيرا القطيع الآدمي من العبيد؛ فقد كان نظام العبيد قد اخترع حينئذ.
وفي المرحلة الدنيا من البربرية كان العبد عديم الفائدة؛ ولهذا السبب كان الهنود الأمريكيون يعاملون الأسرى معاملة تختلف تماما عن معاملة الأسرى في المرحلة العليا من البربرية؛ إذ كانوا إما أن يقتلوا الأسرى من الرجال وإما أن يتبنوهم كإخوة للقبيلة المنتصرة. وكانت الأسيرات من النساء إما أن يتزوجوهن وإما أن يتبنوهن مع أولادهن. ولم يكن هناك في هذه المرحلة الدنيا من البربرية عدد كبير من العمال فائض عن الحاجة كما حدث بعد ذلك. ولكن بانتشار تربية القطعان الحيوانية، واستخدام المعادن، ثم ظهور الزراعة، تغير هذا الوضع كلية؛ فقد أصبحت الزوجة التي كان الحصول عليها سهلا فيما مضى، أصبحت تشترى ويدفع فيها قيمة مقابلة، وحدث نفس الشيء مع القوة العاملة وخاصة بعد أن خرجت القطعان من ملكية القبيلة ودخلت في ملكية الأسرة (كما سيأتي بعد ذلك). إذ لم يزد عدد أفراد الأسرة بنفس السرعة التي زاد بها عدد الحيوانات المستأنسة؛ فأصبحت هناك حاجة لمزيد من الأفراد للعناية بأمر القطعان، وأصبح ممكنا أن يؤدي أسرى الحرب هذا الغرض، بل أصبح في الإمكان تربية أسرى الحرب كالقطيع نفسه.
وقد كانت هذه الثروات الجديدة المملوكة للعائلة سببا في تحطيم المجتمع المؤسس على عائلات مكونة من فردين وقبائل منتسبة للأم. فطبقا لتقسيم العمل الذي كان مطبقا في العائلة كان إنتاج الطعام من واجب الرجل؛ ولذا كانت وسائل إنتاج الطعام مملوكة للرجل وكان يأخذها معه في حالة الافتراق عن زوجته، كما كانت الزوجة تأخذ أمتعة المنزل؛ ولهذا كان الرجل يملك القطيع باعتباره المصدر الجديد للغذاء، ثم أصبح الرجل أيضا يملك العبيد باعتبارهم الوسيلة الجديدة للعمل. وطبقا لعادات المجتمع لم يكن أولاد الرجل يستطيعون وراثته لأن الوضع كان كما يأتي: حيث إن الانتساب كان للأم فقد كان الأقارب من جهة الأم هم الذين يرثون من يموت من القبيلة حتى تبقى الملكية داخل القبيلة، وحيث إن أولاد الرجل لا ينتمون إلى قبيلته وإنما إلى قبيلة أمهم فقد كانوا لا يرثون أباهم.
ولذلك فعندما ازدادت الثروة الحيوانية الجديدة المملوكة للرجل فقد أعطت الرجل وضعا أكثر أهمية في العائلة من المرأة. ومن ناحية أخرى أصبح الرجل يميل إلى توجيه النظام التقليدي للوراثة لمصلحة أولاده، ولكن ذلك كان مستحيلا طالما ظل الانتساب للأم مطبقا فكان على ذلك النظام أن يتغير حتى يستطيع الأب توريث أولاده، وقد تغير هذا النظام فعلا، ولم يكن من الصعوبة تغييره كما نتصور الآن لأن الرجل كان هو الأقوى في العائلة؛ وبذلك أصبح الانتساب للأب هو السائد. ومما سهل هذا التغيير أن هذه الثورة على الانتساب للأم، والتي تعتبر من إحدى التجارب الشديدة التأثير في تاريخ الإنسان، لم تكن تزعج أي عضو على قيد الحياة من القبيلة؛ فكل أعضاء القبيلة كانوا يستطيعون البقاء على ما هم عليه، وكان القرار الوحيد الكافي لإحداث هذه الثورة هو أن تظل سلالة الرجل مستقبلا في القبيلة. ولا تخبرنا معلوماتنا عن كيف ومتى تم هذا التغيير فقد وقع كلية في أوقات ما قبل التاريخ.
وقد جمع باتشوفن آثارا كثيرة تدل على حدوث هذا التغيير. ويمكن أن نشاهد بسهولة كيف جرى هذا التغيير في عدد من القبائل الهندية التي تم فيها هذا التغيير حديثا وما زال مستمرا؛ بسبب ازدياد الثروة وتغير طرق الحياة «الانتقال من زراعة الغابات إلى زراعة البراري»، وبسبب النفوذ الأدبي للمدنية والمبشرين الدينيين. فبين ثمانية من قبائل ولاية ميسوري بأمريكا نجد أن ستة منها تسير على قاعدة الانتساب للأب واثنين على قاعدة الانتساب للأم. وعند الشاونيش قبائل ميامي والدلاورس أصبحت العادة هي نقل الأولاد إلى قبيلة الأب بإعطائهم أحد أسماء أقارب الأب المقربين لكي يرثوا منه، وقد قامت في وجه هذا التغيير معارضة ولكنها لم تجد ولم تغير مجرى الأمور، «وهذا كله يظهر على أنه أكثر الانتقالات طبيعية - ماركس.» وقد كتب علماء القانون المقارن، ومنهم ماكسيم كوفالفسكي «كتاب الشكل الخارجي لأصل وتطور العائلة والملكية، استوكهولم، سنة 1890»، عن الطرق والوسائل التي تم بها هذا التغيير عند الشعوب المتمدينة في العالم القديم، ولكن هذه الكتابات افتراضات في معظمها.
وكان إنهاء الانتساب للأم هو الهزيمة التاريخية العالمية للجنس النسائي؛ فقد سيطر الرجل على السلطة في المنزل أيضا، وانخفض شأن المرأة وأصبحت عبدة لشهوة الرجل وآلة لتربية الأطفال. ويظهر هذا الوضع المنحط للمرأة بصفة خاصة لدى الإغريق في العصر البطولي والعصر الكلاسيكي، ومع أن المرأة عندهم أخذت تدريجيا تتزين وتتألق في ثيابها إلا أن وضعها لم يتغير.
ويظهر الأثر الأول لانفراد الرجل بالسلطة في الشكل المتوسط للعائلة الذي ظهر الآن، وهو العائلة المنتسبة للأب، فصفتها الرئيسية ليست تعدد الزوجات بل «تنظيم من عدد من الأشخاص الأحرار المرتبطين في أسرة تحت سيادة رب الأسرة، وعند الجنس السامي كان رب الأسرة مسموحا له بتعدد الزوجات، وكان الغرض من هذا التنظيم العائلي كله العناية بتربية القطعان الحيوانية في أرض محدودة.»
وتعتبر العائلة الرومانية المثل الدقيق لهذا الشكل من العائلة الذي يتميز بسيادة رب الأسرة. ولم تكن كلمة «عائلة» عند الرومان تعني في الأصل المعنى الذي نعرفه الآن، أي مزيجا من العواطف والخلافات المنزلية، بل لم تكن هذه الكلمة تشير في الأصل عند الرومان إلى الزوجين وأولادهما لكنها كانت تعني العبيد فقط. فكلمة
Shafi da ba'a sani ba
famulus
تعني عبد الأسرة، وكلمة
familia
كانت تعني مجموعة العبيد المملوكة لفرد معين. وحتى في أيام المشرع جايوس كانت كلمة
familia
تعني الميراث الذي ينتقل بوصية. ثم استعمل الرومان هذا التعبير
familia
لوصف تنظيم اجتماعي جديد يكون للرئيس فيه تحت سلطته زوجة وأبناء وعدد من العبيد، وهذا التنظيم هو العائلة. وفي ظل السلطة الأبوية عند الرومان كان لرب الأسرة سلطة الحياة والموت على جميع من تحت إمرته «فكلمة الأسرة لذلك ليست أقدم من النظام العائلي عند القبائل اللاتينية الذي جاء بعد زراعة الحقول وشرعية الرق وبعد انفصال الإغريق اللاتينيين. ماركس.» ويضيف ماركس إلى ذلك «أن العائلة الحديثة تحتوي على ذرية من العبيد ومن رقيق الأرض لأنها مرتبطة منذ البداية بالعمل الزراعي. وتحتوي العائلة في داخلها على كل الصراع الذي تطور بعد ذلك على نطاق أوسع في المجتمع والدولة.»
وقد كان هذا الشكل من العائلة مرحلة الانتقال من العائلة المكونة من فردين إلى الزواج الحديث، ولكي يمكن ضمان إخلاص الزوجة وضمان أبوة الأطفال وضعت المرأة تحت السلطة المطلقة للرجل.
ومع ظهور العائلة المنتسبة للأب ندخل ميدان التاريخ المكتوب وهو الميدان الذي يقدم لنا فيه علم القانون المقارن مساعدة كبرى لمعرفة التطور العائلي، وإننا ندين لماكسيم كوفالفسكي بحصولنا على الأدلة التي قدمها على أن الوحدة العائلية المنتسبة للأب مثل التي نجدها الآن
Shafi da ba'a sani ba
11
عند الصربيين والبلغاريين تحت اسم
zadruga
أو
bratstvo
وتعني شيئا كالإخوة، وغير هذه من الوحدات العائلية الموجودة عند الشعوب الشرقية بشكل معدل. هذه الوحدات العائلية تعتبر مرحلة انتقال بين العائلة المنتسبة للأم والتي نبعت من الزواج الجماعي وبين العائلة الفردية المعروفة في العالم الحديث. وهذا الوضع ثابت على الأقل بالنسبة للشعوب المتمدينة في العالم القديم، وهي شعب الأرمن والشعوب السامية.
وتعتبر ال
zadruga
السلافية الجنوبية أحسن مثل قائم لمثل هذه الوحدات العائلية؛ فهي تتضمن عدة أجيال من المنحدرين من أب واحد وزوجاته يعيشون معا في وحدة عائلية، والأرض الزراعية مملوكة للجميع على المشاع، وتأكل العائلة وتلبس من المخزن العام للعائلة ويعتبر الفائض عن حاجتهم في المخزن مملوكا للجميع. ويدير الوحدة العائلية رب البيت المسمى
domécin
Shafi da ba'a sani ba
ويمثلها في الأعمال الخارجية ويتصرف في شئونها ويدير ماليتها ويعتبر مسئولا عنها. وينتخب رب البيت من بين أعضاء الأسرة وليس ضروريا أن يكون أكبرهم سنا. أما عمل النساء فتشرف عليه ربة البيت المسماة
domacica
وهي عادة زوجة الرئيس، ويكون لها الكلمة العليا عند اختيار أزواج للفتيات. والسلطة العليا في هذه الوحدات العائلية مركزة في مجلس العائلة، وهو عبارة عن اجتماع لكل أعضائها البالغين من الرجال والنساء، ويقدم الرئيس لهذا المجلس حسابه، ويقوم المجلس باتخاذ القرارات الهامة وخاصة ما تعلق منها بالملكية العقارية، كما يقوم بتطبيق العدالة بين أعضاء الأسرة.
وقد أمكن إثبات وجود مثل هذه الوحدات العائلية في روسيا حوالي سنة 1875. واشتملت أقدم مجموعة قانونية في روسيا وهي برافدا ياروسلاف على وصف قانوني لهذه الوحدات العائلية التي كانت تسمى
vew
مثل اسمها في قوانين رومانيا. وتوجد مراجع لهذه الوحدات العائلية كذلك في المصادر التاريخية البولندية والتشيكوسلوفاكية.
وقد ذكر هيوسلر
12
أن الوحدة الاقتصادية عند الألمان لم تكن الأسرة الفردية بالمعنى الحديث، ولكنها كانت «المجموعة المنزلية» المكونة من عدة أجيال أو عائلات فردية لها عدة رؤساء. وكانت العائلة الرومانية كذلك بهذا الشكل؛ ونتيجة لذلك ظلت السلطة المطلقة لرأس الأسرة ونقصت حقوق باقي أعضاء الأسرة في علاقتهم به. ويرجح أن وحدات عائلية مشابهة لذلك وجدت عند السلت في أيرلندا وفي فرنسا.
واستمرت هذه الوحدات العائلية موجودة في نيفرنايز تحت اسم
Shafi da ba'a sani ba
rarconneries
تحت قيام الثورة الفرنسية، وفي منطقة لوهانز «الساءون واللوار» نجد إلى الآن منازل للفلاحين واسعة ذات قاعات مركزية عالية محاطة بغرف نوم تسكنها عدة أجيال من أسرة واحدة. وقد ذكر نيارتشاس وجود مثل هذه الوحدات العائلية في الهند أيام الإسكندر الأكبر، ولا تزال هذه الوحدات موجودة إلى يومنا هذا في البنجاب وكل الشمال الغربي للهند. وقد استطاع كوفالفسكي أن يتحقق من وجود هذه الوحدات العائلية في القوقاز. ولا تزال هذه الوحدات العائلية موجودة إلى اليوم في الجزائر بين القبائل. وقد حاول زوريتا إثبات وجودها في ال
calpullis
وهي الوحدة العائلية عند الأدك في المكسيك القديمة. وأثبت كانوا في كتاب
In Ausland
أن نوعا مماثلا من هذا التنظيم وجد في بيرو عند اكتشافها.
وعلى أي حال فإن الوحدة العائلية المنتسبة للأب ذات الملكية الشائعة والزراعة الجماعية لها الآن معنى مختلف تماما عن ذي قبل. ولا يمكن أن ننكر الدور الانتقالي الهام الذي لعبته هذه الوحدات عند كثير من الشعوب المتمدينة في العالم القديم في الانتقال من العائلية المنتسبة للأم إلى الزواج الحديث. وسنعود فيما بعد إلى النتيجة التي ساقها كوفالفسكي ومؤداها أن هذه الوحدات العائلية كانت مرحلة الانتقال التي خرجت منها القرية كوحدة اجتماعية، كما خرجت منها الزراعة الفردية التي كانت في أول أمرها توزيعا دوريا للأرض بين الأفراد بالتناوب ثم أصبح التوزيع دائما.
وقد كان رؤساء هذه الوحدات العائلية في روسيا يسيئون استخدام سلطتهم مع النساء الشابات، وخاصة زوجات أبنائهم اللاتي كانوا يحولوهن إلى حريم لهم. وتنعكس هذه الأوضاع في منتهى البلاغة في الأغاني الشعبية الروسية.
وهناك بضع كلمات أخرى لتعدد الزوجات وتعدد الأزواج نذكرها قبل أن نبحث العائلة الزوجية بالمعنى الحديث، وهي العائلة التي تطورت سريعا وأعقبت انتهاء العائلة المنتسبة للأم. فلم يكن كل من تعدد الأزواج وتعدد الزوجات يطبقان إلا استثناء بمثابة إنتاج تاريخي للترفيه، ومن الثابت أن أيا منهما لم يصل إلى مرتبة التطبيق العام. وقد كان الرق قديما هو سبب تعدد الزوجات الموجود حاليا. وعند الجنس السامي لم يكن تعدد الزوجات يسمح به في ظل العائلة المنتسبة للأب إلا للأب نفسه واثنين من أبنائه على الأكثر، وكان على الآخرين أن يكتفوا بزوجة واحدة. وظل الوضع إلى الآن
13
Shafi da ba'a sani ba