149

Asl al-Zarari Sharh Sahih al-Bukhari - Manuscript

أصل الزراري شرح صحيح البخاري - مخطوط

Mai Buga Littafi

عطاءات العلم - موسوعة صحيح البخاري

Inda aka buga

https

Nau'ikan

عنده على خلاف القياس، أو باعتبار القبيلة، كذا قرره صاحب «عمدة القاري»، ثم قال: (وبنو إسرائيل) اسم يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليهم، وسمي به؛ لأنَّه سافر إلى خاله لأمر تقدم ذكره، وكان خاله في حران، وكان يسري بالليل، ويكمن بالنهار، وكان بنو يعقوب اثني عشر رجلًا؛ وهم: روبيل، وهوذا، وشمعون، ولاوي، وداني، ونقالي، وذبولون، وذاد، وبشاخرة، وأشيرة، ويوسف، وبنيامين، وهم الذين سماهم الله تعالى الأسباط، وسموا بذلك؛ لأنَّ كل واحد منهم قبيلة، والسبط في كلام العرب: الشجرة الملتفة الكثيرة الأغصان، والأسباط من بني إسرائيل؛ كالشعوب من العجم والقبائل من العرب) انتهى.
(يغتسلون عُراةً)؛ بضمِّ العين المهملة، منصوب على الحال، جمع عارٍ؛ كقضاة جمع قاضٍ؛ أي: متجردين عن الثياب، وعن المئزر (ينظر بعضهم إلى بعض): جملة فعلية وقعت حالًا من (الواو) في (يغتسلون) بعد حال مترادفة أو متداخلة، وهذا يدل على أن كشف العورة كان جائزًا في شرعهم، ويدل عليه: أنهم كانوا يغتسلون عراة وموسى عليه [السلام] يراهم ولا ينكر عليهم ولو كان حرامًا؛ لأنكره عليهم، ويوضحه ما قاله الفقهاء من أن حرمة كشف العورة من خصائص هذه الأمة، واغتسال موسى منفردًا إنَّما كان من باب الحياء والأدب لا أنه واجب عليه، ويحتمل أنه كان عليه مئزر رقيق فظهر ما تحته لمَّا ابتل بالماء، فرأوا أنه أحسن الخلق، فزال عنهم ما كان في نفوسهم.
وزعم ابن بطال أنَّ بني إسرائيل كانت تفعل هذا؛ معاندة للشرع، ومخالفة لنبيهم ﵇.
قلت: وارتضاه القرطبي، وتبعهما القسطلاني والعجلوني، ولا يخفى أن هذا مخالف ومصادم للحديث؛ لأنَّ موسى ﵇ كان يراهم متجردين عن الثياب حال الاغتسال، ولا ينكر عليهم، والأمر المحرَّم في الشرع لا يمكن سكوت النبيِّ ﵇ عنه؛ لأنَّه بعث؛ لبيان الأحكام والشريعة، فكيف لا ينكر عليهم وهو حرام، هذا ممنوع قطعًا، على أنه نص الفقهاء على أن كشف العورة حرام من خصائص هذه الأمة؛ يعني: فيكون غير حرام عند بني إسرائيل، كما هو صريح نص الحديث، غاية الأمر: أنهم إنَّما كانوا يخالفون موسى في عدم الغسل مفردًا ونسبوه إلى الأدر؛ لاختفائه عنهم في حال الاغتسال وتستره حياءً وأدبًا من ربه ﷿، ولعدم موافقته لهم من حيث إنه رسول الله ﵇، فلا ينبغي له أن يتداخل معهم كل التداخل؛ لأنَّ كثرة المداخلة تذهب البهاء والرئاسة، فربما يقع منه شيء في حقه، فيدعو عليهم، ألا ترى أن الأمير إذا دخل الحمام يدخل وحده وأتباعه كلهم ينتظرونه (^١)، فالرسول من باب أولى، كما لا يخفى؛ فافهم.
(وكان موسى) زاد الأَصيلي: ﷺ، وفي نسخة: ﵇، وهو من ذرية لاوي، فهو موسى بن عمران بن فاهت بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله عليهم وسلامه (يغتسل) أي: من الجنابة (وحده)؛ أي: منفردًا، منصوب على الحال إما استحياء، أو أدبًا، أو تنزهًا؛ لأنَّ التجرد ليس بحرام في شرعه، كما قدمنا.
قال في «عمدة القاري»: (ومطابقة الحديث للترجمة في اغتسال موسى ﵇ عريانًا وحده خاليًا عن الناس، ولكن هذا مبني على أن شرع من قبلنا من الأنبياء ﵈ هل يلزمنا أم لا؟ وفيه خلاف، والأصح أنه يلزمنا ما لم يقض الله علينا بالإنكار) انتهى.
قلت: وهو مذهب الأئمَّة الحنفية، وتبعهم الشافعية، وزعم ابن حجر (أن الذي يظهر أن وجه الدلالة من الحديث أن النبيَّ ﵇ قصَّ قِصتي موسى وأيُّوب ﵉ ولم يتعقب شيئًا منهما، فدل على موافقتهما لشرعنا؛ إذ لو كان فيهما شيء غير موافق؛ لبيَّنه، فعلى هذا: يجمع بين الحديثين بحمل حديث بهز على الأفضل، وإليه أشار في الترجمة) انتهى؛ أي: وهذا على التحريم.
قلت: كلامه غير صحيح، وقد أخذ كلامه من ابن بطال وهو موافق لمسماه، وهذا الظاهر فاسد غير ظاهر؛ لأنَّه لا يلزم من ذكر القصتين وعدم تعقبهما أن يكون موافقًا لشرعنا؛ لأنَّه ﵇ حين قصهما كان في معرض بيان ما وقع للرسل قبله من غير ملاحظة الحكم، قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ (^٢) نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ (^٣)﴾ [طه: ٩٩]، ولهذا سكت عليه عن البيان وقتئذٍ، وإنما ثبت حرمة كشف العورة في الصَّلاة أو للناس بدليل آخر، فإن كان مراد هذا القائل أنه ثبت بهذه القصة؛ فهو غير صحيح؛ لأنَّها لا تدل على الحرمة بل على الإباحة، كما هي في شرع موسى، ويدل لهذا أنه ﵇ ذكر قصة موسى مع الخضر في قتل الغلام، وخرق السفينة، وبناء الجدار، وسكت عليها، والحال أنه غير موافق لشرعنا، فلو كان سكوته في القصص عن البيان يدل على الموافقة؛ لكان فعل الخضر شرع لنا وهو ممنوع، لا يسع أحدًا القول به، كما لا يخفى.
وقوله: (فهذا يجمع...) إلخ غير صحيح، فإن حديث بهز وهذا الحديث كل منهما ظاهر في الندب ومطابق للترجمة فهو الأفضل، وإنما حاول بكلامه ترويجًا لما ذهب إليه بعض الشافعية من الحرمة، ولا دليل يدل عليها، كما قدمناه، على أنه صرح هو أن المشهور عند متقدمي الشافعية الكراهة؛ يعني: أن الأحاديث الواردة في هذا الباب محمولة على الندب كما حمله عامة الفقهاء، لكن اعترضه العجلوني فزعم أنه يجب سترها مطلقًا في الصَّلاة وفي غيرها مع الخلوة أو لا، ولا نعلم قولًا بالكراهة فقط) انتهى.
لكن قال الكرماني: (كشف العورة في الخلوة إن كان لحاجة؛ جاز، وإن لغيرها؛ ففيه خلاف في كراهته وتحريمه، والأصح أنه حرام) انتهى.
فهذا يدل على أن عندهم في ذلك خلافًا، وقد خبطوا في مذهبهم، فلا يدرون الحكم كما رأيت، وقدمنا ما فيه أيضًا نقلًا عن إمام الشارحين؛ فليحفظ.
(فقالوا) أي: بنو إسرائيل: (والله) قسم (ما يمنع موسى أن يغتسل معنا) عريانًا، ننظر إليه وينظر إلينا (إلا أنه آدر) استثناء مفرغ، والمستثنى منه مقدر، وهو الأمر من الأمور كما في «عمدة القاري»، فـ (أن) وما بعدها فاعل (يمنع)، و(أن يغتسل) على تقدير من متعلق بـ (يمنع)، وهذا دليل ظاهر على أن شرعهم كان إباحة التعرِّي في الاغتسال وعدم حرمة النظر إلى العورة، وهو يرد على من زعم أن شرعهم كشرعنا؛ فافهم.
و(آدر)؛ بمد الهمزة، وفتح الدال المهملة، وتخفيف الراء، ممنوع من الصرف، قال صاحب «عمدة القاري»: (زعم ثعلب في الفصيح أنه كآدم).
وقال في «المنتخب»: (الأدرة مثل فعلة؛ فتقٌ يكون في إحدى الخصيتين)، وقال علي بن حمزة: (يقال: أُدْره وأَدْره، وأد؛ بالضم، والفتح، وإسكان الدال، وبالفتح، والتحريك)، وفي «المخصص» لابن سيده: (الأدرة: الخصية العظيمة، آدر الرجل إدراء، وقيل: الآدر الذي ينفتق صفاقه فيقع قصبه في صفته، ولا ينفتق إلا من جانبه الأيسر، وقد تأدر الرجل من داء يصيبه والشرج ضده، ولا يقال: امرأة آدر، إما لأنَّه غير مسموع، وإما أن يكون لاختلاف الخِلقة، والاسم الأدرة)، وفي «الجامع»: (الأدرة، والأدر مصدران واسم النفخة الأدرة)، وفي «الصحاح»: (الأدرة نفخة في الخصية، يقال: رجل أدر بيِّن الأدرة)، وفي «الجمهرة»: (هو العظيم الخصيتين) انتهى كلامه ﵀ ورضي عنه، فالأدرة مختصة بالرجال.

(^١) في الأصل: (ينتظروه)، وليس بصحيح.
(^٢) في الأصل: (وكذلك)، والمثبت موافق للتلاوة.
(^٣) في الأصل: (سلف)، وهو تحريف.
(فذهب)؛ أي: سيدنا موسى ﵇ (مرة) أي: في يوم من الأيام (يغتسل)؛ أي: من الجنابة جملة محلها النصب؛ لأنَّها وقعت حالًا وهي حال منتظرة، ويجوز أن تكون خبر (ذهب) إن جعلت من أفعال المقاربة، والأول أظهر؛ فافهم، (فوضع ثوبه على حَجَر)؛ بفتحتين، فيه حذف؛ تقديره: فخلع ثوبه فوضعه عليه، وهو الذي يحمله معه في الأسفار فيضربه فيتفجر له منه الماء، كذا في «عمدة القاري»، ثم قال: (وأخرج هذا الحديث مسلم، ولفظه: (اغتسل موسى ﵇ عند مُوَيْه) بضمِّ الميم، وفتح الواو، وإسكان التحتية، تصغير ماء، وأصله موه، والتصغير يرد الأشياء إلى أصولها هكذا هو في بعض نسخ «مسلم»، وروى ذلك العدوي، والباجي.
وفي معظم نسخ «مسلم» (عند مَشْرُبَة)؛ بفتح الميم، وسكون الشين المعجمة، وضم الراء، وفتح الموحدة؛ وهي حفرة في أصل النخل يجمع فيه الماء؛ ليسقيها، وقال القاضي عياض: (وأظن الأول تصحيفًا) انتهى.
قلت: ولا منافاة بين رواية المؤلف ورواية مسلم؛ لإمكان الجمع بينهما بأنه وضع ثوبه على حجر عند المشربة التي فيها الماء؛ فليحفظ، فلما فرغ من غسله؛ أقبل إلى ثوبه ليأخذه كما في رواية الحافظ الطحاوي؛ (ففر) أي: فذهب (الحجر) يمشي على بطنه مسرعًا، فـ (الفاء) بمعنى (ثم)؛ فافهم (بثوبه)؛ أي: بثوب موسى ﵇، (فخرج)؛ أي: موسى ﵇، وفي رواية: (فجمح)؛ بجيم، فميم مخففة، فحاء مهملة؛ أي: أسرع وجرى أشد الجري، قال ابن سيده: (يقال: جمح الفرس بصاحبه جمحًا وجماحًا؛ ذهب يجري جريًا غالبًا، وكل شيء مضى على وجهه؛ فقد جمح)، وفي «التهذيب لأبي منصور»: (فرس جموح؛ إذا ركب رأسه، فلم يرده اللِّجام، وهذا ذمٌّ، وفرس جموح؛ أي: سريع، وهذا مدح)، كذا في «عمدة القاري»؛ فافهم (في إِثره)؛ بكسر الهمزة، وسكون المثلثة، وفي بعض الأصول بفتحهما؛ بمعنى: عقبه، وزعم العجلوني أنه بمعنى: بعده.
قلت: وهو غير صحيح؛ لأنَّ البعدية صادقة على وقوع المهلة في الزمان اليسير والكثير، بخلاف العقب، فإنه دال على عدم وقوع المهلة مطلقًا، وهو المراد هنا، كما لا يخفى.
وقال في «المنتخب»: بوجهه أَثر وأُثر وإِثر؛ يعني بتثليث الهمزة مع إسكان الثاء (^١)، ورابعة بفتحها، حكاها كراع، وفي «الواعي»: (الأثر محرك؛ هو ما يؤثر الرجل بقدمه في الأرض)، وقال ابن سِيْده: (الأثر بالضم؛ أثر الجرح)؛ انتهى.
(يقول) جملة من الفعل والفاعل محلها نصب على الحال؛ أي: موسى ﵇: (ثوبي) مفعول لفعل محذوف؛ تقديره: ردَّ ثوبي، أو أعطني ثوبي (يا حجر) وإنما خاطبه؛ لأنَّه أجراه مجرى من يعقل؛ لكونه فر بثوبه، فانتقل عنده من حكم الجماد إلى حكم الحيوان، فناداه فلما لم يعطه؛ ضربه، وقيل: يحتمل أن يكون موسى ﵇ أراد أن يضربه إظهارًا للمعجزة بتأثير ضربه، ويحتمل أن يكون عن وحي؛ لإظهار الإعجاز ومشي الحجر إلى بني إسرائيل بالثوب أيضًا معجزة أخرى لموسى ﵇، كذا قرره صاحب «عمدة القاري».
(ثوبي يا حجر)؛ بالتكرار مرتين مع إثبات حرف النداء، ووقع في «مسلم» مكررًا أيضًا، وبإسقاط حرف النداء، ولكنه مراد، كما لا يخفى، ومثله في رواية لغير الأربعة هنا، وهو مفعول لمحذوف كما سبق، ويجوز رفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف أو بالعكس وعليهما؛ فهو لاستعظام كونه يأخذ ثوبه، فعامله معاملة من لا يعلم كونه ثوبه، لعله يرده إليه (حتى) للغاية أو للتعليل لـ (فرَّ) المتقدم، أو لنحو: استمر على فراره مقدرًا إلى أن (نظرت بنو إسرائيل إلى موسى) ﵇ وهو مكشوف العورة، ففيه: رد على من زعم أنَّ ستر العورة كان واجبًا، وفيه: إباحة النظر إلى العورة عند الضرورة من مداواة أو براءة مما نسب إليه؛ كالبرص وغيره، لكن الأول أظهر؛ لأنَّ مجرد تستر موسى لا يدل على وجوب ستر العورة لما تقدر في الأصول أن الفعل المجرد لا يدل بمجرده على الوجوب، وليس في الحديث أن موسى أمرهم بالتستُّر، ولا أنكر عليهم التكشُّف، ولو كان واجبًا؛ لأمرهم بذلك، وأما إباحة النظر إلى العورة للبراءة مما نسب إليه؛ فإنما هو من حيث يترتب على الفعل حكم؛ كفسخ النكاح، وأما قصة موسى؛ فليس فيها أمر شرعي ملزم يترتب على ذلك، فلولا إباحة النظر إلى العورة؛ لما أمكنهم موسى من ذلك، ولا خرج مارًّا على مجالسهم، وهو كذلك، وأما اغتساله خاليًا؛ فكان يأخذ في حق نفسه بالأكمل والأفضل، ويدل على الإباحة: ما وقع لنبينا ﵇ وقت بناء الكعبة من جعل إزاره على كتفه بإشارة العباس عليه بذلك؛ ليكون أرفق به في نقل الحجارة، ولولا إباحته؛ لما فعله، لكنه ألزم نفسه بالأكمل والأفضل؛ لعلوِّ مرتبته ﵇، كذا قرره القسطلاني بزيادة؛ فافهم واحفظ، (فقالوا)؛ بالفاء، وفي رواية: بالواو؛ أي: بنو إسرائيل حين رأوا موسى مكشوف العورة، ورأوا عورته: (والله) قسم (ما بموسى من بأس) كلمة (من) زائدة، وهو اسم (كان) على تقدير: ما كان بموسى (^٢) بأسٌ، وفي أكثر النسخ: (ما بموسى)؛ فعلى هذه: (من بأس) اسم (ما)، كذا في «عمدة القاري»، واعترضه العجلوني بأن (ما) على الصحيح لا تعمل مع تقدم الخبر، ولا داعي إلى تقدير (كان)، وجازت زيادتها؛ لتقدم وكون المجرور نكرة) انتهى.
قلت: وهو غير صحيح؛ لأنَّ قوله: (أن ما على الصحيح...) إلخ غير صحيح؛ لأنَّ هذا التصحيح لم يذكره غيره من النحويين، بل قالوا: (ما) النافية عند الحجازين كـ (ليس) إن تقدم الاسم على الخبر، ولم يُسبَق الاسم بـ (أن) الزائدة، ولا بمعمول الخبر إلا إذا كان ظرفًا أو مجرورًا ولم يسبق الخبر بـ (إلا)، وبنو تميم لا يعملونها، بل هي عندهم مهملة وهو القياس؛ لأنَّها حرف لا يختص بقبيل، بل تدخل على الأسماء والأفعال، فأصلها ألَّا تعمل قال شاعرهم:
ومهفهف الإعطاف قلت له: انتسب... فأجاب: ما قتل المحب حرام
أي: هو تميمي لا حجازي، وظاهر كلام النحاة أن الصحيح أنها مهملة؛ لتعليلهم أنه القياس، وأنها صرف غير مختص.
وقوله: (ولا داعي إلى تقدير كان...) إلخ غير صحيح، بل الداعي إلى ذلك صحة المعنى؛ لدلالتها على عدم وجود البأس فيه؛ فافهم، والبأس: الشدة؛ أي: لم يوجد بموسى من شدة من العيب؛ فليحفظ.
(وأخذ) أي: موسى ﵇ (ثوبه) من على الحجر حين وقف في مجلس بني إسرائيل، ولبسه عليه بعد أن رآه بنو إسرائيل مكشوف العورة وتيقنوا أنه ليس به بأس من العيوب، وهذا ظاهر من صريح سياق الحديث، وقال ابن المُنيِّر: (الصحيح أن موسى لم يتعمد تمكينهم من نظر العورة، وإنما ألجأه الله تعالى إلى ذلك بآية أظهرها؛ لبراءته مما ينقص به، وكان الحجر في ذلك كالبشر يفر بثوب الرجل فيلزمه اتباعه، فيجوز ذلك للضرورة)، وقيل: لم يكن مكشوف العورة، بل نزل الماء مؤتزرًا، فلما خرج يتبع الحجر والمئزر مبتل بالماء؛ علموا عند رؤيته أنه ليس بآدر؛ لأنَّ الأدرة تبين من تحت الثوب المبلول بالماء، نقله ابن الجوزي عن الحسن بن أبي بكر النيسابوري، قال ابن حجر: (وفيه نظر ولم يذكر وجهه).
قلت: ولعل وجهه في الأول أنه لم يتعمد تمكينهم من النظر إلى العورة؛ لما غلبه من الحياء والأدب، وكأنه تعالى لما لم يوجب عليهم ستر العورة ألجأه إلى إظهارها لحكمتين؛ أحدهما: أن سترها غير واجب، وثانيهما: إظهار براءته مما نسبوه.
وقوله: (وكأن الحجر...) إلخ غير ظاهر؛ لأنَّ الاتِّباع للحجر غير لازم؛ لإمكان التستر بغيره من حشيش، أو ماء كدر، أو طين، أو غير ذلك، فليس فيه جواز ذلك للضرورة؛ لأنَّه لا ضرورة إلى ذلك مع وجود ما يستتر به من الحشيش وغيره، فالحقُّ أن موسى ﵇ لما علم ما نسبوه إليه، ورأى الحجر قد فر بثوبه؛ بادر إلى نفي ما نسبوه إليه؛ حيث تيسر له ذلك، وإلى أخذ الثوب من الحجر، ولعل وجه النظر في الثاني أن الثوب المبتلَّ الرقيق الذي لا يحجب العورة لا يعد ساترًا لها؛ لأنَّ الستر عدم الظهور، والعورة تحت مثل هذا الثوب تظهر لمن نظر إليها فكأنه مكشوف العورة بلا ساتر، فهذا الثوب وجوده وعدمه سواء، كما لا يخفى، وقال ابن الجوزي: (إن موسى كان في خلوة كما في الحديث، فلما تبع الحجر لم يكن عنده أحد؛ فاتفق

(^١) في الأصل: (الفاء)، وليس بصحيح.
(^٢) زيد في الأصل: (من).

1 / 149