قال: إني لم آت إلى هذه الديار إلا للقتال:
ومن كانت منيته بأرض
فليس يموت في أرض سواها
وإنما أسألك أن تكتم أمر ذهابي عن كل أحد.
وكان شفيق قد تعلم لغة عرب السودان، وعرف كثيرا من عوائدهم، فأزمع الذهاب متنكرا بلباس المغاربة، فلبس جبة فوق قباء طويل، واعتم عمامة بيضاء، واحتذى حذاء كحذاء المغاربة، وحمل السبحة بيده، وعلق الغليون بمنطقته، وجاء بجملين خفيفين؛ واحد لركوبه عليه رحل خفيف، علق بكل من جانبيه قربة ماء، وتقلد سيفا سودانيا، واصطحب دليلا كان في الخرطوم في مثل لباسه وحاله، وركب الاثنان وسارا جنوبا يريدان الأبيض، بعد أن حمل شفيق جملا آخر عدة أجربة وأكياس فيها أنواع العطارة، متظاهرا بأنه تاجر مغربي يطوف البلاد للاتجار بأصناف العطارة.
أما رسم فدوى فجعله في كيس وعلقه حول عنقه تحت ثيابه احتفاظا به؛ لأنه معزيه الوحيد في تلك الأنحاء، فخرج من الخرطوم في أوائل سبتمبر سنة 1883 ولم يعلم به أحد، وفي غد يوم خروجه خرجت حملة هيكس تريد الدويم تحت قيادة هيكس باشا وعلاء الدين باشا؛ حكمدار السودان.
وكان مسير شفيق من جهة، ومسير حملة هيكس من أخرى، على أن يلتقيا في جهة مورابي عند أول خور أبو جبل.
أما شفيق فكانت جهة مسيره بعيدة من مجرى النيل، فكان يتخذ ماءه من الآبار في الصحراء، وكلما مر بربع من العرب بات عندهم، وباعهم الطيوب، وحادثهم في شئون المتمهدي.
الفصل الرابع والأربعون
الدراويش
Shafi da ba'a sani ba