الفصل الثاني والعشرون
عزيز أفندي
فلما رأى عزيز ما ناله جماعة الجهادية من نفوذ الكلمة ازداد شوقا للانتظام بتلك الخدمة، ولكنه رغب في استطلاع خاطر فدوى وميلها للجهادية، فإذا كانت تميل إليها يتيسر له التقرب منها، فذهب إلى صديقته الدهياء وأطلعها على مراده، فقالت: إني أستطلع رأيها وأنبئك بالخبر اليقين. فذهبت يوما ببضاعتها كجاري العادة إلى منزل الباشا ودخلت دار الحريم، فلما درت نسوة القصر بمجيئها أتين ليشاهدن ما جاءت به من السلع، وكن يتهادين في مشيهن وفي وسطهن فدوى بلباس البيت، الذي زادتها بساطته جمالا وحسنا، فلما قابلنها ترحبت بهن، فسألنها عن بضاعتها، فمدت يدها واستخرجت مشطا مصنوعا من سن السمك، لطيف الشكل، وقدمته إلى فدوى قائلة: هل لك أن تتنازلي، يا سيدتي، لقبول هذه الهدية الحقيرة؛ لكي تتشرف بمس هذا الشعر الجميل. وما جرأني على تقديمها إلا ما يقال من أن الهدية على مقدار مهديها. فأعجبت فدوى من ملاطفتها وقبلته مرضاة لها.
ثم مالت بنظرها إلى ما جاءت به تلك الدلالة من السلع، ثم جلسن جميعهن يقلبن تلك السلع ويتحادثن في أحاديث مختلفة، حتى قادهن الحديث إلى حادثة عابدين.
فقالت دليلة: إن رجال الجهادية هم زهرة البلاد ويدها اليمنى، وبهم تفتخر الأمة، وعليهم حماية الحصون، ودفع الأعداء، وهم نصراء الوطن.
فقالت فدوى: إن رجال الجند يا خالتي، إذا كانوا رجالا في الحرب كما هم في السلم؛ فهم بالحقيقة، كما وصفت. أما الجندية بوجه العموم؛ فإنها أشرف المصالح.
فقالت لها دليلة: أتفضلين يا سيدتي الضابط الحربي على التاجر أو العالم؟ وتبسمت.
فأدركت فدوى أنها تريد مباغمتها بما يخجلها، فلم تجب.
فأدركت العجوز أن فدوى تحب رجال الجهادية، فلم تزد، ثم عدن إلى النظر في الأمتعة، فاشترين ما شئن، وعادت العجوز إلى منزلها، فرأت عزيزا في انتظارها، فقالت له: أبشر يا ولدي، لقد قضي الأمر.
قال: وكيف ذلك؟
Shafi da ba'a sani ba