بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو بكر محمد بن يحيى بن عبد الله بن العباس الصولي: قد فرغنا من أشعار الخلفاء وأخبارهم.
وهذه أشعار أولاد الخلفاء وأخبارهم، ثم نتبعهم بأشعار سائر بني العباس، ثم نتبع ذلك بأشعار ولد أبي طالب، ثم أشعار من بقى من بني هاشم إن شاء الله.
أبو عَبْد الله
مُحَمَّدُ بن أبي العَبَّاس السَّفَّاح
له شعر قليل، وكان المنصور ولاه إمارة البصرة في أول خلافته وأمه أم سلمة بنت يعقوب بن سلمة بن عبد الله بن الوليد بن المغيرة المخزومي.
حدّثنا الحسن بن عُليَل العنزي قال حدثني إسحاق بن عبد الله الحمراني، قال ولي المنصور محمد بن أبي العباس البصرة فقدمها ومعه حماد بن عمر المعروف بعجرد مولى بني عقيل.
وكان كثير الطيب يملأ لحيته بالغاية إذا ركب، فلقبوه بأبي الدِّبس وفيه يقول بعض أهل البصرة يهجوه:
صِرنا مِنَ الرِّبح إلَى وَكْسِ ... إذْ وَلِيَ المصْرَ أَبو الدِّبْسِ
ما شِئْتَ مِنْ لَوْمٍ عَلَى نَفْسِهِ ... وَجِنْسُهُ مِنْ أَكْرَمِ الجِنْسِ
1 / 3
حدثنا أبو خلفية الفضل بن الحباب، قال حدثنا التوجي قال: مر أعرابي بحماد عجرد، وهو يلعب مع الصبيان في يوم شديد البرد وهو عريان، فقال تعجردت يا غلام، قسمى عجردا قال أبو حليفة والمتعجرد المتعري والعجرد أيضا الذهب حدثني يحيى بن علي قال حدثني أبي عن إسحاق الموصلي قال: كان حماد عجرد في ناحية محمد بن أبي العباس أمير المؤمنين وهو أدبَّه وكان محمد يهوي زينب بنت سليمان بن على لما قدم البصرة أميرا عليها من قبل عمه أبي جعفر المنصور، فخطبها فلم يزوجوه لشيء كان في عقله، وكان حماد عجرد، وحكم الوادي المغنى ينادمانه، فقال محمد لحماد قل فيها شعرا، فقال حماد على لسان محمد، وغنى فيه حكم الوادي في طريقه خفيف الثقيل ليس عن يحيى الطريقة
زَيْنَبُ ماذَنْبِي ومَاذا الذَّي ... غَضِبْتُمْ فيِه وَلَمْ تُغْضَبُوا
وَاللهِ ما أَعْرِفُ لِي عِنْدَكُمْ ... ذَنْبًا فَفِيمَ الهَجْرُ يا زَيْنَبُ
فجعل أهل البصرة يغنون فيه، فلما مات محمد بن أبي العباس طلب محمد بن سليمان أخو زينب بنت سليمان حمادًا ليقتله، فهرب منه واستجار بقبر سليمان بن علي، وكتب إلى محمد.
1 / 4
مِنْ مُقِرّ بِالذَّنْبِ لَم يُوجِبِ اللهُ ... عَلَيْهِ بِسَىِّءٍ إقرارَا
يا ابْنَ بِنْتِ النَّبِيِّ إنِّيَ لاَ أَجْعَلُ إلاَّ إلَيْك مِنْكَ الْفِرارَا
وهي أبيات كثيرة، فلم يؤمنه فرجع إلى جعفر بن أبي جعفر المنصور فأجاره وقال لا أرضى أو تهجو محمد بن سليمان فهجاه فقال:
قُلْ لِوَجْه اَلخِصيِّ ذِي اْلعارِ إنِّي ... سَوْفَ أُهْدي لزَيْنَبَ الأْشْعارا
وهي أبيات، وسنحكم هذا في أخبار حماد عجرد إذا ذكرناه إن شاء الله.
حدثنا الحسن بن يحيى الكاتب قال سمعت عمرو بن بانة يقول من شعر محمد بن أبي العباس في زينب بنت سليمان:
قُولاَ لِزَيْنَبَ أَوْ رَأَيْتِ تَشَوُّقِي لَكِ وَاشْتِرافِي
وَتَلُّفتِي خَوْفَ الْوُشا ... ةِ وَكانَ حُبُّكِ غَيْرَ خاِف
قال وفيه لحكم الوادي لحن فيه في طريقة الثقيل الأول، ومن أشعار محمد فيها:
أَحْبَبْتُ مَنْ لاَ ُينْصفُ ... وَرَجَوْتُ مَنْ لاُ يُسْعِفُ
نَسَبٌ تَلِيدٌ بَيْنَنَا ... ووَدِادُنا مُسْتَطْرَفُ
1 / 5
بِاللهِ أَحلِفُ جاهدًا ... وَمُصَدَّقٌ مَنْ يَحْلِفُ
إنِّي لأَكْتُمُ حُبَّها ... جَهْدي لَمِا أَتَخَوَّفُ
وَالْحُبُّ يَنْطِقُ إنْ سَكَتُّ ... بِما أُجِنُّ وَيُعْرَفُ
فأما قوله المشهور فيها وقد روى لحماد عجرد مما يرويه أكثر الناس له أنشدنيه أبو ذكوان وأبو حليفة والغلابي لمحمد بن العباس.
يا قَمَرَ الُمِربَد قَدْ هِجْتَ لِي ... شَوْقًا فَما أَنْفَكُّ بِالُمرَبِد
أُراِقُد الفْرَقْدَ منْ حُبِّكُمْ ... كأَنَّني وكُلِّتُ بِالفْرَقْدِ
أَهيمُ لَيْلِي وَنَهارِي بِكُمْ ... كَأَننَّيِ مِنْكُمْ عَلَى مَوْعِدِ
عُلِّقْتُها رِيَّ الشَّوَى طِفْلةً ... قَرِيبةَ اَلْموَلْدِ مِنْ موَلْدِي
جَدِّي إذا ما نُسِبَتْ جَدُّها ... فِي الْحَسَبِ الثَّاقِبِ وَالُمَحْتِدِ
سَوْفَ أُوافِي حُفْرَتِي عاجِلًا ... يامُنْيِتي إنْ أَنْتِ لَمْ تُسعِدي
وَاللهِ لا أَنْساكِ فيِ خَلْوةٍ ... يا نُورَ عَيِني وَلا مَشهَدِ
حدثني أحمد بن علي قال لما قال عمرو بن سندي مولى ثقيف في حماد عجرد، ويعرض بمحمد بن أبي العباس
1 / 6
ما امْرُؤٌ يَصْطَفِيكَ يا عُقْدَةَ الْكَلْبِ لاِ يداعِ سِرِّه بِبَصيِر
لا وَلا مَجْلْسٌ أَجَنَّكَ للِذَّا ... تِ يا عَجْرَدَ الْخَنا بِسَتيِر
قال المنصور لمحمد بن أبي العباس ما لي ولعجرد يدخل عليك حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا المدائني قال كان محمد بن أبي العباس نهاية في الشدة، فعاتبه المهدي فغمز محمد بركابه حتى انضغطت رجل المهدي في الركاب، فلم يخرج حتى رد محمد الركاب بيده فأخرجها، وولاه عمه المنصور إمارة البصرة سنة سبع وأربعين ومائة، فخطب زينب بنت سليمان فلم يزوجوه إياها ولم ترده، فكان يعمل فيها الأشعار فمن شعره فيها:
قُولاَ لِزيَنْبَ لَوْ رَأَيْ ... تِ تَشَوُّقي لَكِ وَاشْترافيِ
وَتَلَذُّذِي كَيْما أَراِك ... وَكانَ شَخْصُكِ غَيْرَ خافِ
وَوَجَدْتُ رِيحَكِ ساطِعًا ... كَالْبيْتِ جُمِّرَ للطَّوافِ
وَتَرَكْتِنِي وَكَأَنَّما ... قَلْبِي يُغَرَّزُ بِالأْشافِي
حدثنا الغلابي قال حدثنا عبد الله بن الضحاك عن هشام ابن محمد قال دخل دحمان المغنى بني مخزوم ويعرف بالأشقر على محمد بن أبي العباس وعنده حكم الوادي ونسب إلى ذلك لأنه من وادى فأحضر محمد عشرة آلاف درهم وقال من سبق
1 / 7
منكما إلى صوت يطربني فهذه له فابتدأ دهمان فغنى شعر قيس بن الحطيم في طريقة الثقيل الأول:
حواء ممكورة منعمة ... كالماء شق وجهها نزف
فلم يهش له مغنى حكم الوادي في شعر لمحمد قوله في زينب في لحن خفيف:
زَيْنَبُ مالِي عَنْكِ مِنْ صَبْرِ ... وَلَيْسَ لِي مِنْكِ سِوَى الهَجْرِ
وَجْهُكِ وَاللهِ وَإنْ شَفَّنِي ... أَحْسَنُ مِنْ شَمْسٍ وَمِنْ بَدْرِ
لَوْ أَبْصَرَ الْعاِذلُ مِنْكِ الَّذِي ... أَبْصَرْتُهُ أَسْرَعَ باْلعُذْرِ
فطرب وضرب برجله وقال خذها، وأمر لدحمان بخمسة آلاف درهم، وفي غير هذا الخبر: أنه سمي حكم الوادي لكثرة غنائه.
حدثنا أبو ذكوان قال حدثنا العتبي قال كان محمد بن أبي العباس جوادًا قويًا وكان يلوي العمود ويلقيه إلى أخته ريطة فترده، قال وكان ممدحا، وفيه يقول حماد عجرد:
أَرْجُوكَ بَعْدَ أَبِي اْلَعَّبِاس إْذ بانَا ... يا أَكْرَمَ النَّاسِ أعْراقًا وَعِيدَانا
فَأَنْتَ أَكْرَمُ مَنْ يَمشِي عَلَىَ قَدمٍوَأَنْضَرُ النَّاسِ عِنْدَ الَمْحِل أَغْصانا
لَوْ مَجَّ عُودٌ عَلَى قَوْمٍ غَضارَتَهُ ... لَمَجَّ عُودُكَ فِينا المِسْكَ والَبْانَا
1 / 8
ومما يغنى فيه من شعر محمد وهو عندي من ملح كلامه أنشدنيه أبو موسى محمد بن موسى مولى بني هاشم بالبصرة سنة أربع وسبعين ومائتين:
أَسْعِدِ الصَّبَّ يا حَكَمْ ... وَأَعنْهُ عَلَى الأْلَمْ
وَأَدِرْ فِي غِناِئِه ... نَغَمًا تُشْبِهُ النَّعَمْ
أَجَمِيلٌ بِأَنْ تُرَى ... نائِمًا وَهْوَ لَمْ يَنمْ
لائِمي فِي هَوَى زَيْنَبَ أَنْصِفْ وَلا تَلُمْ
لَبِسَ الجِسْمُ حُلَّةً ... فِي هَواها مِنَ السَّقَمْ
ومن شعره
بِنَفْسيَ مَنْ مَنَعَتْ نَفْعَها الْمُحِبَّ ومَا مَنَعَتْ ضَيْرَها
لَها صَفْوُ وُدِّي وَلِكنَّنِي ... حُرِمْتُ عَلىَ وُدِّها خَيْرَها
سَقَتْني عَنْ غَيْرِها سَلْوَةً ... فَلَسْتُ أَرَى حَسَنًا غَيْرَها
حدثنا الغلابي قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن قال لما أراد محمد ابن أبي العباس الخروج من البصرة قال:
أَيا وَقْفَةَ الْبَيْنِ ماذا شَبَبْتِ مِنَ النَّارِ في كَبِدِ المُغْرَمِ
رَمَيْتِ جَواِنحهُ إذْ رَمَيْتِ ... بِقَوْسٍ مُشَدَّدَةِ الأْسُهِم
1 / 9
وَقَفْنا لِزَيْنَبَ يَوْمَ الْوَداعِ ... عَلَى مِثْلِ جَمْرِ الْغَضا الْمُضْرَمِ
فَمِنْ صَرْفِ دَمْعٍ جَرَى لْلِفِرا ... قِ وَمُمْتَزِجٍ بَعْدَهُ بِالَّدمِ
ومات محمد بن أبي العباس في أول سنة خمسين ومائة، فقال حماد عجرد يرثيه:
صِرْتُ للدَّهْرِ خاشِعًا مُسْتَكِينا ... بَعْدَما كُنْتُ قَدْ قَهَرْتُ الدُّهُورا
حِينَ أَوْدَى الأْمِيرُ ذاَك الذَّيِ ... كُنْتُ بِه حَيْثُ كُنْتُ أُدْعَى أمِيرا
كُنْتُ فِيما مَضَى أُجِيرُ بِه الدَّهْرَ فَأَصْبَحْتُ بَعْدَهُ مُسْتَجِيرا
ياسَمَّي الَّنِبِّي يا اْبَن أِبي الْعَبَّاِس حَقَّقتَ عِنِدي الْمَحْذُورا
سَلَبَتْنِي المَنُونُ إْذ سَلَبْتِنيكَ سُرُورِي فَلَسْتُ أَرْجُو سُرُورا
لَيْتَنِي مُتُّ حِينَ مُتَّ لا بَلْ ... لَيتْنَيِ كُنْتُ قَبْلَكَ المَقْبُورا
أَنْتَ ظَلَّلْتَنِي الْغَمامَ بِنُعْما ... كَ وَوَطَّأْتَيِ وِطاَء وَثيِرا
لَمْ تَدَعْ إذْ مَضَيْتَ فِينا نَظِيرًا ... مِثْلَ ما َلْم يَدَعْ أَبوكَ نَظِيرا
أبُو أيّوبَ سُلَيْمانُ بْنُ الَمْنصُور
وأمه أم يعقوب وعيسى ابني المنصور فاطمة بنت محمد بن محمد
1 / 10
ابن عيسى بن طلحة بن عبيد الله قليل الشعر فصيح خطيب حدثنا محمد بن سعيد قال حدثنا محمد بن صالح قال: كتب سليمان ابن المنصور وهو يلي بعض الشام إلى محمد بن صالح بن بَيْهَسَ الكلابي حين ظهر المسمى بالسفياني كتابًا طويلًا يقول في آخره:
أَتاكَ قَوْلُ مَهِيبٍ غَيْرِ مُهْتَضمِ ... حامِي الذِّمارَ مَنِيعِ الجَارِ وَالدِّمَمِ
فَلْستُ لُبَّ بَنِي الْعَبَّاسِ إنْ سَلَمْتكِلابُ لَمْ أَغْشَها بِالصَّيْقَل الرَّقِمِ
في عَسْكَرٍ قادَهُ منْ هاشم مَلٌك ... جاري الأْضاِ آة ثَبْتُ الْقَلْبِ وَاْلقَدَمِ
حَتَّى أُغادرِها صَرعَي ومن لِمَنْ ... بَيْنَ المِنازِلِ وَالأْمْوال وَالحَرَمِ
ثَوابَ ما فَعلوا إنِّي الزَّعِيمُ بِما ... فِيِه بَوارُهُمُ مِنْ عاجلِ النِّقَمِ
حدثنا أبو الحسن الأسدي قال حدثني أبو هفان قال حدثني سعيد ابن هريم: قال اشترى سليمان بن المنصور جارية يقال لها ضعيفة بخمسة آلاف دينار، فبلغ المهدي خبرها فوجه إليه: يا أخي بحقي عليك إلا أخذت هذه العشرة الألف الدينار، وآثرتني بضعيفة عزمة مني عليك فأنفذها إليه، وقيل بل قسره على أخذها، ثم تتبعتها نفسه فسأل المهدي فيها، فلم يجبه فقال:
1 / 11
رَبِّي إِلَيْكَ المُشْتَكَى ... ماذا لَقِيتُ مِنَ الخَلِيفَةْ
يَسَعُ الْبَريَّةَ عَدْلُهُ ... وَيَضِيقُ عَنِّي فيِ ضَعِيَفهْ
عِلَقَ الْفُؤَادُ بِذِكْرها ... كَالْحِبِرْ يَعْلَقُ فِي الصَّحِيَفهْ
لِي قِصَّةٌ فِي أَخْذِها ... وَخَدِيعَتِي عَنْها طَرِيفَهْ
وهو القائل فيها، أنشدنيه أبو العباس المرشدي عن العنزي:
أَللهُ يَعْلَمُ وَجْدِي ... بِمَنْ هَوِيتُ وَجَهْديِ
وَأَنَّني حاِئرُ الْعَقْلِ لَسْتُ أُبْصرُ قَصْديِ
يا قَوْمِ هَلْ مِنْ مُنادٍ ... عَلَى مُضَيِّعِ رُشْديِ
مَنْ باعَ قُرْبًا بِبُعْدٍ ... وَباعَ وَصْلًا بِصَدِّ
هَلْ مِنْ مُجِيرٍ عَلَى ذا الإْ ... مامِ فِي اْلحُبِّ يُعْدِي
يَقاتلُ المَنْعُ مِنْهُ ... بِلاَ سِلاَحٍ وَجُنْدِ
حَتَّى يُقَرِّبَ مِنِّي الْحيَاةَ مِنْ بَعْدِ بُعْدِ
َيُرُّد دينِي وَدُنْيا ... يَ عَاجِلًا أَوْ بِوَعْدِ
ما كانَ طاِلعُ بَيْعِي ... لَها بطالعِ سَعْدِ
ومن مشهور شعره فيها يخاطب المهدي قرأته بخط أبي المدور الوراق ورأيته في غير كتاب:
1 / 12
قُلْ لِلإماِم مَقالًا غَيْرَ مَجْحُودٍ ... يا أَعْرَقَ النَّاِس فِي مَجْدٍ وفِي جُودِ
أَنْعِمْ عَلَيَّ وَلا تَبْخَلْ بِجارِيَةٍ ... أَوْدَى هَواها وَلَمْ يَظْلَمِ بِمَجْهودِي
وَلا تُسْمنَي ظُلْمًا فِي النِّعاجِ كَما ... خُبِّرْتَ عَنْ قصَّةِ الأَوَّابِ دَاوُدِ
وَتُبْ كَما تابَ يا أَرْعَى الوْرَى نَسَبًاوَاعْمَدْ لا بِرْاءِ صَبِّ الْقَلْبِ مَعْمودِ
فَقَدْ تُرَى واجِدًا ما تَشْتَهِي أَبَدًا ... وَلَيْسَ ما أَشْتَهِى عِنْدي بِمَوْجُودِه
ولاَ تَلُمْ قَلَقِي فيها وَلا جَزَعِي ... ما الصَّبْرُ عَنْ مِثْلهِا عِنْدِي بِمَحْمُودِ
ومن أشعاره فيها:
وَشاِدنٍ أَذْهَلَنِي فَقْدُهُ ... عَنْ لَذَّةِ اْلعَيْشِ وعَنْ طِيِبهِ
نافَسَنِيهِ الدَّهْرُ حَتَّى لَقَدْ ... بَعَّدهُ مِنْ بَعْدِ تَقْريِبِهِ
فَقُلْتُ لَمَّا هَدَّنِي فَقْدُهُ ... وَأَيقَنَ الْقَلْبُ بِتَعْذِيِبِه
مَنْ ذا الذَّي يُوصلُ لِي لَحْظَهُ ... إلَى حَبِيِس الْقَصرِ مَحْجُوِبِه
حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق قال حدثني ابن أبي سعد قال حدثني أحمد بن عمران النسائي قال حدثني محمد بن عيسى الأواني قال دفع سليمان بن أبي جعفر رقعة منه إلى المهدي إلى ابنه موسى الهادي، وقال له: كلم أباك أن يرد على عمك جاريته ضعيفة، فكلمه فلم يفعل وقال: ولا كرامة، فبلغ سليمان قوله فقال:
أُْعِقْبتُ مِنْ فِعْلِي النَّدامَهْ ... وَحَصَلْتُ فِيهِ عَلَى اْلعَرامَهْ
1 / 13
وَفقَدْتُ مِنْ فَقْدِي لَهُ ... فَقْدَ اِلكْتابَةِ وَالسَّلامَهْ
وَأَنا شَكَوْتُ إلَى الذَّيِ ... وَرِثَ الِخلافَة وَالإِمامَهْ
شَوْقِي بِها أَلْقاهُ مِنْ ... وَجْدٍ يَقَولُ وَلا كَرامَهْ
يا لاِئِمي فِي حُبِّها ... الْحُسْنُ خَصْمُ ذَوِي المَلامَه
حدثنا الحسن بن عليل العنزي قال حدثني محمد بن معاوية الأسدي قال حدثني محمد بن سلمة بن أبي تبيل اليشكري قال بلغني إن المهدي أخذ من بعض إخوته جارية فلم يصبر أخوه عنها، فسأله ردها فأبى فكان يعمل فيها الأشعار فقال:
أَشْكُو إلَى مَنْ يَعْلَمُ الشَّكْوَى ... ما فيِكِ لاقَيْتُ مِنَ البْلَوَى
يَظْلُمِني مَنْ حُكْمُهُ ناِفذٌ ... عَلَيَّ لا يَسْمَعُ لِي دَعْوَى
مَنْ ذَا الَّذِي يُعْدِي عَلَى سَيِّدٍ ... عَلَيْهِ مِنْهُ يُؤْخَذُ الْعدْوَى
فَاعْطِفْ إلهَ النَّاسِ لِي قَلْبَهُ ... بِرَدِّها يا سامِعَ النَّجْوَى
فلما سمع المهدي أبياته هذه رق له وردها عليه قال أبو علي العنزي هو سليمان بن أبي جعفر وسليمان الذي يقول:
بَقِيتُ غَداةَ النَّوى حائِرًا ... وَقَدْ حان مِمَّنْ أُحِبُّ الرَّحِيلُ
فَلَمْ تَبْقَ لِي دَمْعَةٌ فِي الشُّؤُو ... نِ إلاَّ غَدَتْ فَوْقَ خَدِّي تَجولُ
فَقالَ نَصِيحٌ مِنَ اْلقَوْمِ لِي ... وَقَدْ كادَ يَقْضِي عَلَيَّ الْغَليِلُ
1 / 14
تَرَفَّقْ بِدَمْعِكَ لا تُفْنِهِ ... فَبَيْنَ يَدَيْكَ بُكاءٌ طَوِيلُ
وقال:
يا باعِثًا لِلْفُؤَادِ وَجْدا ... أَبْدَعَهُ حُسْنُهُ الْبَدِيعُ
أَصْبَحَ حَرْبًا لِيَ الهْجُوُعُ ... مِنْكَ وَسَلْمًا لِيَ الدَّمُوعُ
يُكَلِّفُ العاذِلون قلبِي ... بِاْلَعْذلِ ما لَيْسَ يَسْتَطيِعُ
قَلْبِي لِمَنْ لامَ فِيهِ عاصٍ ... وَهُوَ لِمْنْ لَمْ يَلُمْ مُطِيعُ
ضَعِيفَةٌ تُضْعِفُ اصْطِباري ... قَلْبِيَ مِنْ حُبِّها وَجِيعُ
ِبيعَ عَلىَ رَغْمِ ماِلِكِيه ... مُغْتَبِطٌ لَيْسَ يَسْتَبِيعُ
حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مصعب الزبيري قال كان إسحاق ابن سماعة المطيعي نزل الرقة وكان شاعرًا محسنًا، فولى سليمان بن المنصور الرقة من قبل الرشيد والمأمون بعد، فلم يعرف لابن سماعة موضعه ورده عن حاجته، وتصدق سليمان بمال كثير فقال إسحاق ابن سماعة:
وَزَلَّةٍ يُكْثِرُ ئلشَّيْطانُ إنْ ذِكرَتْ ... مِنْها التَّعَجُّبَ جاءَتْ مِنْ سُليَمْانا
لا تَعْجَبَنَّ لِخَيْرٍ زَال عَنْ يَدِهِفَالْكَوْكَبُ النَّحْسُ يَسْقِي الأَرْضَ أَحْيانا
حدثنا محمد بن الفضل بن الأسود قال حدثنا عمر بن شبة قال غزا الرشيد وخلف المأمون بالرقة وعلى الرقة سليمان بن أبي جعفر فقال ابن سماعة:
1 / 15
يا طالِبًا أبِي بنَيِ اْلعَّباِس قُرْصَتَهُ ... فيِ الأَمْن دُونَكَها إنْ كُنْتَ يَقْظانا
أما تَرَى الَّرقَّةَ الْبَيْضاءَ شاغِرَةً ... إلاَّ شَراذِمَ شُذَّاذًا وَخُصْيانا
ما تَرْتَجِى بَعْدَ هَذا اْليَوْمِ لا ظَفِرَتْكَفَّاكَ إنْ لَمْ تَنَلْها مِنْ سُلَيْمانا
لاَ عَيْبَ بِالَمْرءِ إلاَّ أَنَّهُ رَجُلٌ ... يَحْكِي الْخَرِائَد تَأْنِيثًا وَتِلْيانا
يعني سليمان بن أبي بكر حدثنا عون بن محمد قال حدثنا سعيد بن هريم، قال كان إسحاق ابن وهب بن سماعة المعيطي يهجو سليمان بن أبي جعفر وهو يلي الرقة، وكان لإسحاق ضياع بها، فطلبه فاستتر ثم ظفر به فحبسه إلى أن مات في الحبس، فهجاه بأشعار قبيحة، فمن شعره فيه وهو محبوس:
قُلْ لِسُلَيْمانَ عَلَى ما أَرَى ... مِنْ طُوِل حَبْسِي وَاقْترابِ الأَجَلْ
حَبَسْتَنِي مِنْ غَيْر جُرْمٍ سِوَى ... حِكايَتيِ عَنْكَ مَقالَ الخْطَلْ
قَوْلَكَ ما أَعْرفُ مِنْ لَذَّةٍ ... لَمْ أَشْفِ فيِها النَّفْسَ إلاَّ الْحَبَلْ
حدثنا يحيى بن عبد الله، قال حدثني أحمد بن يحيى بن جابر قال: هجا ابن سماعة المعيطي سليمان بن أبي جعفر وهو بلي الرقة للمأمون فحبسه، فكلمه فيه سعيد الجوهري فخلى سبيله، ثم عاد لهجائه فاستأذن المأمون في حبسه فأذن له، فحبسه وجلده وضربه إلى أن مات في الحبس، فمن هجائه له:
1 / 16
تَعْفُو اْلكُلومُ وَيَنْبُتُ الشَّعَرُ ... وَلِكُلِّ وَارِدِ مَنْهَلٍ صَدَرُ
وَاْلعارُ في أَثْواب مُنْبَطِحٍ ... لِعبِيدِه ما أَوْرَقَ الشَّجَرُ
حدثني يحيى بن علي قال حدثني أبي عن إسحاق قال شهدت سليمان بن أبي جعفر ذات ليلة عند محمد الأمين وأراد الانصراف فقال له أتركت الماء أو الظهر قال الماء ألين علي. قال أوقروا له زورقه ذهبا فأوقروه له.
أبو إسحاق إبراهيم بن المهدي
حدثنا يحيى بن علي عن أحمد بن يحيى بن جابر قال حدثني هبة الله بن ابراهيم بن المهدي أن محياه الطائفية أو ولد المنصور كانت بعثت بشكلة أم إبراهيم إلى الطائف فنشأت هناك ففصحت وقالت الشعر وأنشدني لها شعرًا في أخ كان لها يقال له أحمد وهو:
أَحْمَدُ تَفْدِيهِ شَبابُ فِهْرِ ... مِنْ كُلِّ ما رَيْبٍ وَأَمْرٍ نُكْرِ
قَدْ جَاء مِثْلَ الشَّمسِ غِبَّ قَطْرِ ... فِي حُسْنِ بَدرٍ وَاعْتِدالِ صَدْرِ
بُنَيَّ أَحْشائي وَذُخْرُ ذُخْرِي ... شَدَّ إلهِي بِأَبيِكَ ظَهْرِي
وَزادَهُ رَبُّ الْعُلَى مِنْ عُمْرِي ... وَذَبَّ عَنْهُ خائفاتِ الدَّهْرِ
وَعَنْكَ ما أَدْرِي ومَا لا أَدْرِي
قال وإبراهيم شاعر عالم بالغناء مقدم في الحذق، بايعه أهل بغداد
1 / 17
بعد قتل محمد الأمين، فلما ظهر قواد المأمون استخفى فلم يزل كذلك مدة طويلة إلى أن قدم المأمون بغداد، ثم ظهر عليه فعفا عنه فعمل فيه أشعارا وشكلة من سبى دنباوند قتل أبوها شاهمرد وسبيت هي وبخترية أم منصور بن المهدي، فوهبها المنصور لمحياة أم ولد له فوهبتها للمهدي وولد إبراهيم بن المهدي غرة ذي القعدة سنة اثنتين وستين ومائة وتوفي في أول سنة أربع وعشرين ومائتين، وقيل في آخر سنة ثلاث وعشرين بسر من رأى.
حدثنا يموت بن المزرع قال حدثني الجاحظ قال أرسل إلى ثمامة يوم جلس المأمون لإبراهيم بن المهدي، وأمر بإحضار الناس على مراتبهم فحضروا، فجيء بإبراهيم في قيد فسلم، فقال له المأمون: لا سلم الله عليك، ولا حفظك فقال: على رسلك يا أمير المؤمنين، فلقد أصبحت ولي ثأري، والقدرة تذهب الحفيظة، ومن مدله في الأمل هجمت به الأناة على التلف، وقد أصبح ذنى فوق كل ذنب، وعفوك فوق كل عفو، فإن تعاقب فبحقك، وإن تغفر فبفضلك فقال له المأمون إن هذين أشارا علي بقتلك وأومأ إلى المعتصم وإلى ابنه العباس فقال قد أشارا بما يشار بمثله في مثلي، وما غشاك في عظم الخلافة ولكن الله دعوك من العفو عادة، فأنت تجري عليها دافعا ما تخاف بما ترجو، فقال: أطلقوا عمي، فقد عفوت عنه.
1 / 18
فقال بعقب هذا:
وَعَفَوْتَ عَمَّنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ مِثْلِه ... عَفْوٌ وَلَمْ يَشْفَعْ إلَيْكَ بِشافِعِ
إلاَّ الْعُلُوَّ عَنِ الْعُقَوبَةِ بَعْدَما ... ظَفِرَتْ يَداكَ بِمُسْتَكِينٍ خاضِعِ
فَرَحْمتَ أَطفالًا كأَفْراخِ الْقَطا ... وَعَوِيلَ عانِسَةٍ كَقَوْسِ النَّازِعِ
قَسَمًا وَما أُدْلِي إِلَيْكَ بِحُجَّةٍ ... إلاَّ التَّضَرُّعَ مِنْ مِقُرٍ خاشِعِْ
ما إنْ عَصَيْتُكَ وَاْلغُواةُ تُمدُّنِي ... أَسْبابُها إلاَّ بنيَّةِ طائِعِ
وهذه قصيدة طويلة أولها:
يا خَيْرَ مَنْ ذَمَلَتْ يَمانِيَةٌ بِهِ ... بَعْدَ الرَّسُولِ لآِيِسٍ أوْ طامِعِ
وله في عفوه أشعار كثيرة منها قصيدة أولها:
أَعْنِيكَ يا خَيْرَ مَنْ تُعْنَى بِمُؤْتَلِفٍمِنَ الثَّناءِ ائْتلافَ الدُّرِّ فِي النَّظْمِ
أُثْنِى عَلَيْكَ بِما جَدَّدْتَ مِنْ نِعَمِوَما شَكَرْتُكَ إنْ لَمْ أُثْنِ بِالنِّعَمِ
وفيها
رَدَدْتَ مالِي وَلَمْ تَمْنُنْ عَلَيَّ بِهِ ... وَقَبْلَ رَدِّك مالِي ما حَقَنْتَ دَمِي
فَنُؤْتُ مْنُه وَما كافَأْنُها بِيَدٍ ... هِي الْحَياتانِ مِنْ مَوْتٍ وَمِنْ عُدْمِ
اْلبُّرِ لِي مِنْكَ وَطْءُ اْلعُذْرِ عِنْدَكَ لِيفِيما أَتَيْتُ فَلَمْ تَعْذُلْ وَلَمْ تَلُمِ
وَقَامَ عِلْمُكَ بِي فَاحْتَجَّ عِنْدَكَ لِي ... مَقامَ شاهِدِ عَدْلٍ غَيْرِ مُتَّهَمِ
1 / 19
تَعْفُو بِعَدْلٍ وَتَسْطَو إنْ سَطَوْتَ بِهِ ... فَلا فَقَدْناكَ مِنْ عافٍ وَمُنْتَقِمِ
حدثنا محمد بن موسى بن حماد قال حدثنا عبد الوهاب بن محمد ابن عيسى قال استخفى إبراهيم عند بعض أهله من النساء، فوكلت بخدمته جارية جميلة، وقالت لها: أنت له، فإن أرادك لشيء فطاوعيه وأعلميه ذلك حتى يتسع له. فكانت توفيه حقه في الخدمة والاعظام، ولا تعلمه بما قالت لها، فجعل مقدارها في نفسه، إلى أن قبل يومًا يدها فقبلت الأرض بين يديه فقال:
يا غَزالًا لِي إِليْهِ ... شافِعٌ مِنْ مُقْلَتَيْهِ
وَالَّذِي أَجْلَلْتُ خَدَّ ... يْه فَقَبَّلْتُ يَدَيْهِ
بأَبي وَجْهَكَ ما ... أَكْثَرَ حُسَّادِي عَلَيْهِ
أَنا ضَيْفٌ وَجَزاُء الْضَّيْفِ إحْسانٌ إلَيْهِ
وعمل بعد ذلك فيه لحنا من طريق الهزج حدثني عبد الله بن محمد بن علي الكاتب قال حدثنا أبو العيناء قال سمعت إبراهيم بن الحسن بن سهل يقول: لم يكن إبراهيم بن المهدي يصدق أن عفو المأمون عنه يدوم، ويرى أنه سيلحق به جملة، فكان يتعهر ويتهتك ويغنى لكل واحد، ولا يخلى المأمون في كل وقت من مدح.
حدثنا أحمد بن يزيد المهلبي قال حدثنا أبي قال كتب إبراهيم ابن المهدي إلى عمرو بن بانة حين ظهر ورضي عنه المأمون يدعوه
1 / 20
فكتب إليه عمرو: أخاف سخط أمير المؤمنين. فكتب إليه إبراهيم: ليس يخلو أمير المؤمنين من أن يكون راضيًا عني فما يكره أن تسرني، أو ساخطًا فما يكره أن تعرني، وما تخرج عن هاتين.
حدثني الحسن بن يحيى الكاتب قال سمعت هبة الله بن إبراهيم ابن المهدي يقول حين أخذ أبي إبراهيم كتب إلى المأمون رقعة فقرأها قبل أن يراه وهو أول شعر قرأه له:
أيا مُنْعِمًا لَمْ تَزَلْ مُفْضِلا ... أَدامَ الضَّنَى سُخْطُكَ الدَّائُم
ظُلْمتُ فَانْ قُلْتَ لا بَلْ ظَلَمْتَ فَإِّنِي أَنا الكْاذِبُ الآْثِمُ
وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ مِنْ زَلَّتي ... فَإِّنَي مِنْ جُرْمِها واجِمُ
يُفَزُّ الْحَلِيمُ وَيَكْبو الْجَوا ... دُ وَيَنْبُو لَدَي الضَّرْبَة الصَّارِمُ
فَها أَنا ذا اْلعاِئذُ الْمسِتجيرُ فَاحْكُمْ بِما شِئْتَ يا حاكمُ
عَصَيْتُ وَتُبْتُ كما قَدْ عَصَى ... وَتَابَ إلَى رَبِّه آدَمُ
فَقُلْ قَوْلَ يُوسُفَ لا تَثْرِبُنَّ فَقَدْ يَغْفرُ الْغاِفرُ الرَّاِحمُ
فَلَسْتُ إلىَ زَلَّةٍ عائِدًا ... يَدَ الدَّهْرِ ما قَعَدَ الْقاِئمُ
قال فحل ذلك أكثر ما كان في نفسه حدثنا عون بن محمد قال حدثنا محمد بن راشد قال دخلت يوما إلى إبراهيم بتن المهدي فتجارينا ذكر الدول فأنشدني لنفسه:
فَلّلِهِ نَفْسِي إنَّ فِيَّ لَعِبْرَةً ... وَلِلدَّهْرِ نَقْضٌ لِلقُوىَ بَعْدَ إبْرام
1 / 21
غَدَوْتُ عَلَى الدُّنْيا مَلِيكًا مُسَلَّطًا ... وَرُحْتُ وَما أحْوِى بِها قَبْسَ إبهاِم
حدثنا عون قال أنشد إبراهيم بن المهدي المأمون شعرًا يعتذر فيه فقال له حين فرغ منه: قد أفرط شكرك، كما أفرط جرمك، والإحسان محاء للإساءة.
وأنشدني عون له بعقب هذا وكان يستجيده:
وَنَهَيْمتَ نَوْمِي عَنْ جُفونِي فَانْتَهَى ... وأَمَرْتَ لَيْلِي أَنْ يَطُولَ فَطالاَ
نَظَرُ اْلعُيوِن عَلَى اْلعُيوِن هُوَ الَّذِيجَعَلَ الْعُيونَ عَلَى اْلعُيوِن وَبالاَ
حدثنا محمد بن يحيى بن أبي عباد قال حدثني أبي قال كان إبراهيم ابن المهدي قد ترك الغناء في آخر أيامه، وذاك أنه غنى المعتصم صوتًا بشعر له في طريقة الثقيل الثاني في الأصبع الوسطى نوحيا على عمد:
ذَهْبْتُ مِنَ الدُّنْيا وَقَدْ ذَهَبًتْ مِنِّيهَوَى الشَّيبُ بِي عَنْها وَوَلَّي بِها عَنِّى
فِإنْ أَبْكِ نَفْسِي أَبْكٍ نَفْسًا نَفِيسَةًوَإنْ أَحْتَسِبْها أَحْتَسِبْها عَلَى ضَنِّ
وجعل يغني ويبكي، فقال له المعتصم: ما هذا يا عم؟ قال: حلفت بين يدي الرشيد أني إذا بلغت الستين لم أشرب ولم أغن، قال ومن يشهد بهذا؟ قال جماعة قد بقي منهم مسرور الخادم، فسأله عن ذلك فشهد له، فأعفاه عن الغناء الشرب والغناء فما عاد لذلك إلى أن مات.
حدثني الحسين بن يحيى قال سمعت عبد الله بن العباس بن
1 / 22