والحقيقة أن هذا هو عين ما كانت تفكر فيه ميديا عندما ذهبت إليه، وعندئذ وافقت على اقتراحه وهي مسرورة.
همست إليه تقول: «هاك مرهما سحريا يجب أن تدهن به جسمك قبل أن تذهب إلى الثورين، وبذا تكتسب مناعة لمدة يوم واحد ضد النار وضد الجروح. وهكذا لن يتمكن ثورا مارس من حرقك بالنار التي ينفثانها من خياشيمهما، ولن تؤذيك حوافرهما البرنزية. أما أنياب التنين، فاعلم أنه سيخرج منها رجال مسلحون يتحرقون شوقا إلى القتال، وعلى هذا يجب أن تستعمل معهم هذه الخطة.»
وهنا انحنت على جاسون، وأخبرته بصوت خفيض ماذا يفعل؛ ليتجنب خطر المحاربين الخارجين من أنياب التنين.
وفي اليوم التالي خرج الملك إلى الساحة العامة، وقد تجمع فيها حشد كبير من الشعب لمشاهدة جاسون، وهو يقوم بهذين العملين. ولشد ما كانت دهشة أييتيس عظيمة عندما ذهب البطل الإغريقي الشاب إلى مغارة مارس، وكله ثقة، وأمسك بالثورين المخيفين، دون صعوبة وربطهما إلى المحراث، وبدا أنه لم يهتم بالنيران المنبعثة من خياشيمهما على جسمه، وقادهما إلى الساحة.
تناول جاسون، من يد الملك المرتعشة، خوذة مليئة بأنياب التنين، وشرع يسير جيئة وذهابا يزرع أنياب التنين في الأخاديد التي يشقها المحراث. فإذا ما تغلغلت جذورها في الأرض خرج منها خمسون محاربا قويا، كل منهم كامل التسلح بالفولاذ ويشهر سيفا. وجعلت صيحاتهم العنيفة المدوية السماء ترتجف وجموع المشاهدين ترتعد.
وعلى حين غرة، دون أن يلاحظ المحاربون ولا أييتيس ، قذف جاسون حجرا وسطهم، فسقط محدثا صوتا فوق درع أطول محارب فيهم. فثارت ثائرته من شدة الغضب، وانبرى إلى جاره. وقبل أن ينطق أيهما بكلمة واحدة، انقض عليه بسيفه فشطره. وإذ كان سائر الباقين يتلهفون إلى القتال، اتخذت المعركة جانبين. وفي بضع لحظات زلزلت الأرض من الضربات النازلة على كلا الجانبين. وكلما وجد جاسون فرصته اشترك في القتال بسيفه، ولم يمض وقت طويل حتى سقط جميع المحاربين على الأرض صرعى، فساد السكون فجأة.
رأى الملك أن جاسون قد هزمه في أول جولة، متحاشيا بواسطة شيء غامض، ذلك الفخ القاتل الذي أزمع إيقاعه فيه، ولكنه فضل أن يقتل جاسون وأتباعه على أن يعطيه الجزة الذهبية، فوضع خطة محكمة لهجوم عنيف يقوم به على الأرجو عند الفجر الباكر.
أدركت ميديا، بطريقة ما، ما ينوي أبوها فعله، فوضعت خطتها لتهزمه في الجولة الثانية أيضا. فلما أرخى الليل سدوله، تسللت تحت جنح الظلام إلى جاسون، وصحبته إلى الكهف المعلقة به الجزة الذهبية فوق شجرة يرقد تحتها تنين مريع، ولكن رغم سيرهما في هدوء وصمت، فإن وقع أقدامهما على الحشائش أيقظ التنين، وفي لحظة هب منتصبا متيقظا، ومد رأسه الشامخ إلى الأمام، وبرزت صفوف أنيابه، ولكنه عندما سمع صوت ميديا المهدئ، وهي التي تعودت أن تضع له الطعام أرهف أذنيه يصغي.
فقالت له: «هاك وجبة شهية.» وألقت إليه ببعض من الطعام الذي اعتاد تناوله، فالتهمه بجشع، وكانت قد مزجت ذلك الطعام بعقار منوم، فما كاد يبتلعه، حتى ارتمى على الأرض يغط في سبات عميق.
فأسرع جاسون فخطف الجزة الذهبية الثمينة، وهرب بها مع ميديا إلى السفينة، حيث كان الأبطال ينتظرونه ممسكين بالمجاذيف. فانطلقت بهم السفينة فوق الأمواج تشق طريقها إلى خارج الميناء، وبجهد بالغ أفلتت من مطاردة أييتيس.
Shafi da ba'a sani ba