أورورا وتيثونوس
تقترن عدة أساطير باسم أورورا (ربة الفجر)، أشهرها قصة تيثونوس ابن ملك طروادة، فلما أبصرته أورورا لأول مرة، أحبته من فورها، فخطفته وجعلته زوجها. وقد تعمق حبه في قلبها، وتغلغل، لدرجة أنها رغبت في أن تستبقيه معها إلى الأبد. فذهبت إلى جوبيتر، وتوسلت إليه أن يحقق لها أمنية واحدة.
قالت: «امنح تيثونوس حياة خالدة.»
ابتسم جوبيتر وهو يخبرها بأنه استجاب لطلبها؛ لأنها نسيت أن تضمن كلامها أن يمنح في الوقت نفسه، الشباب الخالد. وعلى ذلك أخذ تيثونوس يشيخ شيئا فشيئا، بدأ الشيب في شعره، وأنشأت التجاعيد تتعمق في وجهه، ويطرد تعمقها أكثر فأكثر، وصار شيخا واهنا تماما. وأخيرا وضعته أورورا في حجرة لا يسمع فيها غير صوته الخافت الضعيف في توسلات لا تنتهي، وفي النهاية حولته إلى حشرة، هي جندب الحقل المعروف باسم «النطاط».
كيكس وهالكيوني
تزوج كيكس ملك تراخيس في تساليا (وهو من ذرية أورورا) بهالكيوني ابنة الملك أيولوس حاكم الرياح. وقد ظل الزوجان عدة سنوات يحكمان في سعادة إلى أن مات شقيق كيكس، فصحبت موته عدة أحداث غريبة، فهبت عواصف هوجاء استمرت أمدا طويلا، وساد الشمس والقمر ظلام حالك، واجتاحت البلاد وحوش ضارية مفزعة. فاعتقد كيكس أنه من الأفضل أن يستشير الآلهة. وعلى ذلك أعلن عزمه على الإبحار إلى كلاروس في أيونيا؛ لاستشارة وحي أبولو بها، وحاولت زوجته أن تثنيه عن عزمه؛ لأن ذلك الوقت كان موسم الزوابع والأعاصير، ولكنه لم يستمع لنصحها وصمم على الإبحار. فخرج في سفينة سارت به في عرض البحر نحو هدفه، غير أنه لما أوشك على الوصول إلى آخر رحلته هبت عاصفة عاتية حطمت سفينته فغرق، ولكنه، وهو يغوص تحت الماء نحو الأعماق، تلا صلاة نبتيون، طالبا أن تحمل الأمواج جثته حتى توصلها إلى وطنه، كي تدفنها هالكيوني.
مرت الشهور وتعاقبت وهالكيوني تنتظر عودة زوجها في قلق بالغ، فقدمت الصلوات والبخور والذبائح للآلهة، وعلى الأخص إلى جونو، وتوسلت إليها أن يعود زوجها سالما. وأخيرا تأثرت جونو بتضرعاتها، ولكنها كيف يتسنى لها أن تفعل شيئا لرجل مات منذ مدة طويلة؟ فاعتزمت أن تعلم هالكيوني بأنه ما عاد هناك أمل في عودته.
استدعت جونو رسولتها إيريس، وأمرتها بأن تحمل رسالتها إلى سومنوس إله النوم، فأسرعت إيريس فوق قوسها المتعددة الألوان إلى أرض الظلام، حيث يقيم إله النوم النعسان، فوجدته يغط في سبات عميق داخل مغارة ليس بها أي شعاع من ضوء، وتتسرب إليها جميع الأصوات التي في العالم، إما بحالتها كما هي أو مكتومة قليلا. ويحوم حول تلك المغارة الداجية كثير من الأحلام، بعضها يجثم فوق رأس سومنوس نفسه، وهو راقد على سرير من الريش غارقا في نوم دونه نوم الموت. فلقيت إيريس مشقة كبيرة في إيقاظه، وأخيرا وبعد لأي أمكنها إبلاغه برسالة جونو في وضوح. فلما علم ذلك الإله الثقيل الأجفان بما تطلبه جونو، نادى ابنه مورفيوس، وأمره بأن يرسل حلما إلى هالكيوني. وما كادت هذه الألفاظ تخرج من فم سومنوس حتى غلبه الكرى ثانية، فراح في سبات طويل، عندئذ أسرعت إيريس بالخروج من المغارة، وهي تذب الأحلام بعيدا عن وجهها، بينما تجد صعوبة بالغة في الاحتفاظ بيقظتها.
في تلك الأثناء طار مورفيوس نفسه إلى قصر كيكس، متخذا صورة سيد ذلك البيت، وظهر للملكة هالكيوني، إلا أن صورته في الحلم كانت متغيرة تماما، تعلو وجهه صفرة الموت، ويتساقط الماء من ثيابه المبتلة، فأخبر زوجته بأن عاصفة هبت على بحر إيجه، فأغرقت سفينته، وبأنه مات.
وعندما اختفى الحلم، صحت هالكيوني من نومها مذعورة، والدموع تنهمر من مآقيها منحدرة على خديها. وما إن أقبل الصباح الباكر حتى انطلقت من فورها إلى البحر، وبينما هي تسير على الشاطئ أبصرت جسما غير واضح طافيا على سطح الماء ويتجه نحوها، فلما اقترب ولمس الشاطئ عرفت أنه جثة زوجها. فلم تطق رؤية تلك الجثة التعيسة، وألقت بنفسها في الماء، ولكن جوبيتر أشفق عليها وهي تقفز وسط الأمواج، فحولها إلى طائر يغرد حزينا أثناء طيرانه فوق الماء، كما حول كيكس إلى طائر، فانضم ثانية إلى زوجته، وانحدرت منهما طيور القاوند.
Shafi da ba'a sani ba