مينيرفا تدخل في مسابقتين
دخلت بالاس أثينا (التي يسميها الرومان مينيرفا) ذات مرة في مباراة مع نبتيون على: من منهما سيكون له شرف أن تسمى باسمه مدينة حديثة التأسيس في أتيكا. وكان كل منهما يتوق جدا إلى الفوز بذلك الشرف، حتى خيل للجميع أنه لا بد أن يقوم بينهما عراك. وحسما للنزاع قرر الآلهة أن يقدم كل منهما هدية تفيد الجنس البشري. ومن منهما يقدم أنفع هدية، ينل شرف تسمية المدينة باسمه.
بدأ نبتيون، فضرب الأرض برمحه الثلاثي الشعاب، وفي لمح البصر خرج منها حصان جميل شرع من فوره يرفس برجليه الخلفيتين، ليقذف بالأرض المتعبة. فلما وقف ذلك الجواد أمام الآلهة يركل الأرض بحوافره تساءل الآلهة في دهشة. ثم جاء دور أثينا فضربت الأرض برمحها، فما إن ترك رمحها الأرض، حتى انبثقت من الأرض شجرة نبيلة محملة بثمار سوداء لامعة، هي ثمار الزيتون. فجلس الآلهة صامتين، وتطلعوا خلال المستقبل يحصون الفوائد التي يجنيها البشر من هذه الشجرة وثمارها. وفي صوت واحد هتف الآلهة لأثينا معلنين فوزها، وهكذا سميت باسمها مدينة أثينا.
وفي مناسبة أخرى تبارت بالاس أثينا مع فتاة من البشر اسمها أراخني، ابنة إدمون، الماهر في الصباغة بالأرجوان. ومنذ حداثة سن هذه الفتاة، تعلمت مهنة أبيها، بالإضافة إلى مهنة نسج الأقمشة وبرعت فيهما، لدرجة أنه ما من أحد بذها في ذلك، على وجه البسيطة كلها. فركب الغرور أراخني، حتى إنها رفعت رأسها نحو السماء، متحدية الربة أثينا نفسها، حامية جميع الفنون المنزلية، أن تباريها في مهنتها هذه.
راقبت أثينا في استمتاع وإعجاب، ذلك التقدم الذي تقوم به أراخني. فلما سمعت ذلك التحدي وليد الغرور، استاءت أيما استياء، فاتخذت صورة امرأة عجوز دردبيس، وذهبت إلى بيت إدمون، حيث شاهدت النول الذي تنسج فوقه هذه الفتاة، وأعجبت بمهارتها.
قالت أثينا: «إنني امرأة عجوز وقديمة في التمرين، ورأيت الكثير في هذه الدنيا. بلغني أنك تحديت الربة أثينا، اسمحي لي بأن أنصحك بأن تسحبي أقوالك. إنك تتفوقين على سائر البشر، وسوف تتفوقين عليهم جميعا، ولكن ما أحمقك أن ترغبي في الدخول في مباراة خاسرة مع الآلهة الذين تأتي منهم كافة المهارات!»
فأجابت أراخني بازدراء: «صه، أيتها العجوز الغبية! لن أخاف أثينا، ولكني سأخجلها بمهارتي، فلتظهر وتختبرني.»
ما إن نطقت أراخني بهذه الألفاظ، حتى نزعت أثينا تنكرها، ووقفت في عظمتها أمام الفتاة.
قالت: «ها هي أثينا أمامك.» وعندئذ ارتجفت الفتاة، وأدركت بعد فوات الأوان، جنون تحديها، ولكنها استجمعت شجاعتها، وأخذت تنسج أبرع منسوج صنعته. صورت على جزء من النسيج بعض موضوعات من غرام الآلهة، نسجتها بعدة ألوان، وأغلبها من الأرجوان الذي كان أبوها سيد صناعته. وأخيرا اكتمل عملها.
شرعت أثينا تنسج بعد ذلك، فصورت أعجب المناظر في أوليمبوس السامي، وانبعثت من نسيجها رائحة عبقة من النكتار والأمبروسيا. حلق فوق النسيج جمال غير أرضي، فصورت في أحد أركانه مصائر البشر الذي يتحدون الآلهة. وبينما هي تمر من مصير إلى مصير، أحست أراخني بمصيرها يدنو منها رويدا رويدا. وما إن تم آخر ركن، حتى استدارت نحوها أثينا بمغزلها السحري، وقالت: «ستعاقبين على غرورك، ولكن الآلهة لن تسمح بأن تموت مثل هذه المهارة التي أبديتها. تحولي إلى حشرة، كي تكوني عبرة للبشر الآخرين، فاستمري في نسج منسوج بديع الرسوم.»
Shafi da ba'a sani ba