بالطبع كانت أمي تحبه؛ فهي أمه، لكن الأمور ساءت بينهما كثيرا، أظن بعد مرض أبي الأول، وحين سألته وقت سفره الثاني الذي نواه بلا عودة عن سبب سفره، أجابني بأنه لا يريد أن يعرف ما يحدث هنا، ولا يريد رؤية أبيه يموت، لم أفهم ولم يخبرني أكثر من هذا، وظلت الأمور على نفس الوتيرة، الخطابات، والبطاقات، والهدايا، وسفر أبي لرؤيته، حتى سمعنا عن «كاميليا» كانت ممرضة تعمل معه، تزوجا مع عودة سعد زغلول من مالطة، لم تبارك أمي زواجهما، وسافر أبي لهما.
وعاد إسماعيل وكاميليا، وجاءت معهما أمل في أشهرها الأولى، كان الجميع يحتفل بالدستور الجديد، بينما عائلة خطاب تحتفل بمولد أمل، ابنة أبيها ابن أبيه، حاولت أمي اقتراح نخب يومها، وصفه أبي بأنه أكثر هراء من تصريح 28 فبراير، ولخص نخبها بأن إسماعيل وكاميليا أسرة مستقلة لكن ثريا هانم تؤمن لهم الإمدادات، والحماية، والإقامة بسراي خطاب.
كانت كاميليا أجمل من بالمنزل، لكن حياتها لم تكن جميلة مثلها، لاحقها أمر أخفته عن إسماعيل، لم يكن بالأمر المهم وقتها، لكنه أصبح أهم الأشياء بعدها، هي ابنة لأم فرنسية وأب سوري، ولدت في باب توما بدمشق، لها أخ وحيد يدعى نزار، لا تعرف عنه الكثير، فقد رحلت مع أمها لفرنسا بعد أن انفصلت عن أبيها، ولم يحاول التمسك بها، تركها لأمها، واكتفى بنزار أخيها، وبينما كانت كاميليا تدرس في باريس، كان نزار ينخرط في تنظيمات سياسية بدمشق، ولم يكن بينهما سوى رسائل بريدية قصيرة، جاءها آخرها من صديق لنزار بأنه قبض عليه ببيروت، لم تعرف لماذا، ولم تعرف مصيره، ولم يصلها أي شيء عنه بعده.
وتزوجت، وأنجبت أمل، وعاشت بالقاهرة مع أخي، حتى جاء نزار ليزورها، جاء متخفيا ودخل البيت كاللصوص، وجدته في حجرتها، لم تتعرف عليه، حاولت الصراخ، كممها، هدأت وتذكرت، وحكى لها عن سجنه ببيروت، أنهى عقوبته، وعاهد نفسه، وعاهد قبر أبيه أن يترك العمل السياسي للأبد، وحين سافر لأمه وأخته في فرنسا، عرف بوفاة أمه، وزواج أخته، ولم يكن صعبا معرفة عنوان الدكتور إسماعيل خطاب بالقاهرة، جاء يتحسس خطاه، خاف ألا تستقبله أخته، أو يسبب لها الحرج مع أسرة زوجها التي بدت له ذات سطوة ونفوذ.
خرجت أمل من حجرتها، لتخبر إسماعيل، وباقي العائلة، لكن ثريا هانم والدتي سبقتها، واتهمتها في أخيها، وتعقدت الأمور، وهددت وتوعدت بإحضار البوليس ليقبض عليه، بدأت كاميليا في الصراخ أنه أخوها، لم يسمعها أحد، ومع صفارات البوليس هرب نزار، وجاء إسماعيل، لم يكذب كاميليا، ولم يبد أنه صدقها، ربما كانت فرصته للابتعاد عن بيت العائلة؛ فانتقل لبيته بالدقي، ولم تعد الأمور أبدا كما كانت، تغير إسماعيل، وتوفيت والدتي، سألته في العزاء عن كاميليا ولماذا لم تأت؟ لم يجبني بإجابة واضحة، لكن بدا لي الأمر أن كاميليا كانت تحت الإقامة الجبرية، هي وأمل وكأنها من وقعت اتفاقية 36، وعدت إسماعيل أن أتحقق من الأمر، وبالفعل تحققت منه. - عفوا عبد الرحيم باشا كنت أعتقد أن جدة أمل هي من ذهبت إليها بالإسكندرية، لكنك تقول إنها توفيت وأمل صغيرة. - لم تكن جدتها التي ذهبت إليها بل زوجة جدها؛ فقد تزوج أبي ممرضته بعد وفاة أمي، وكانت أمل تظنها جدتها. - أعتقد أننا سنصل لتلك النقطة لاحقا، لكن أريد معرفة ما تحققت منه بخصوص نزار.
قابلت كاميليا، لم تكن كما كانت، كانت وردة ذابلة، ناسية، حزينة، لم تتقبل شك إسماعيل بها، لم تصدق ألا يصدقها، أو يساوره أقل شك بها، بالطبع كنت أصدقها؛ فليست كاميليا من تستقبل عشيقها بغرفتها في بيت عائلة زوجها، ولست بالقليل الخبرة في الناس؛ فبدأت البحث خلف نزار، لم يكن صادقا أنه ترك العمل السياسي، كذب عليها بهذا الشأن، وأخفى كونه جاء لزيارتها فقط، في الحقيقة أنه دخل مصر بطريقة غير سليمة، وفي مهمة تخص الحزب الاشتراكي، وكان يحتاج لبعض المال منها، لهذا هرب عندما اقترب البوليس ولم يعد مرة أخرى، ولم يسأل عما جرى لأخته.
وبعد أن عرفت كل ما أحتاجه ويزيد من عبد الرحيم باشا، اتضح كل شيء، وعرفت متى بدأ كل شيء، لم يقتصر الأمر على شفاء أمل، بل أيضا كاميليا، وأخيرا قابلت أخاها نزار، أصبح لأمل خال.
فريدة النعمان :
وهل بكت أمل وانهارت؟ هل صفعتها لتتذكر؟
أحمد (ضاحكا) :
Shafi da ba'a sani ba