استمالة ... وأخيرا ثقة، ثم تكلمت.
قالت بأنها من فعلت كل شيء، حققت كل أحلامها حين عجزت هي عن مواجهة والدها، ولن تقبل أن تتنازل عن حياتها الآن من أجلها، المثيرة للشفقة كما تصفها، قالت أيضا إنها تعرف عني الكثير، لم أفهم ما تقصده ولم تجبني حين سألتها، حاولت أن أثنيها، قلت بأنها هي، وهما نفسها، كانت تبتسم، تعبس، ثم تصر أنها لن تترك لها مساحة أخرى لتهدم ما بنته طوال تلك السنوات، سألتها عن مصير أمها، أجابت سأرعاها، هي لن تدرك الفرق، لا أحد يعرف حقيقتنا إلا أنت. - أنا؟ - نعم، كما أعرف أنا أيضا عنك الكثير، ولن أضع نفسي في مقارنة رخيصة بها، إذا رغبتها فعليك انتظارها بعيدا عني. - أريدكما معا، بردا ونارا، إلهة الصيد وربة القمر، أنا لدي حل. - أي حل؟ هل تظن أننا يمكننا التعايش أكثر من هذا؟ هل تدرك كم أشعر بالغثيان كلما خرجت لأخلع ملابسها وأزيل آثار عطورها الفجة من جسدي؟ - أنا أملك الحل. - هل يمكنها الذهاب للجامعة ومحاضرة الطلاب هناك؟ هي ذهبت اليوم، تركتها تذهب لتعرف من أكون.
كان جسدها يرتجف، احتضنتها، قبلت جبينها، كفيها، وهمست لها بأنني أعرف الحل وأحتاج مساعدتها، لتبقى هي، والأخرى، لنحيا جميعا في سلام، لكن لن أنجح بدون مساعدتها، هدأت قليلا، يجب أن نقابل طبيبا، أنا وهي والأخرى، لا أظنها سمعتني، فقد هدأت أنفاسها، وانتظمت عند رقبتي، نامت، وصدري وسادتها، هدأت أنا أيضا، أرحتها بفراشها، وأرحت الغطاء حتى رقبتها، وخرجت لبهو الشقة.
كان البهو يمتد بي فيقطع الشرفة ويطويها، يمتد حتى لامس أنامل البحر، كان يحملني لسيرابيس الغارق، لم أصدقه يوما، لكنني الآن أسأل وأنتظر إجابته، هل نجح التزاوج بين البطالمة وآلهة مصر القديمة؟ أم جفت إحداهما بدماء الأخرى؟ هل ستعود أرتيميس أختا فقط لأبولو؟ تترك القمر وتلقي بقوسها وسهامها وتعود لي، أمل خطاب، أستاذة تاريخ الفن، تصلي للبحر ساجدة على صدري، مغيرة بجوانحي، معربدة بجنباتي، هل تأتي مرة أخرى لتفرغ خمرها بثغري، وتترك كأسها فارغة بجوار فراشي؟ عاد البهو يلملم أطرافه، يعيد الشرفة ويغلق بابها، يحتجزني مرة أخرى، بلا أجوبة؛ فلم ينطق سيرابيس.
جلست، وظهري لباب الشرفة، كانت الأرض باردة، لكن قليلا من النبيذ وكثيرا من الدخان كفيل بنشر الدفء بداخلي فيملؤني، ويتسرب ليعطي الأرض حقها. كنت أنفث الدخان فينسحب لطرقة البيت حتى سترها بلونه الرمادي المحال لبعض الزرقة من مصباح صغير بنهاية الطرقة، كنت أراقب انسحاب الدخان الهارب مني إليها؛ فأشرب كأسا لي، وكأسا لها، وكأسا لها الأخرى، وكأسا للدخان المنسحب، حتى أتيت على الزجاجة كاملة، أردت المزيد، لكنني لم أتمكن من القيام، أمسكت الزجاجة الفارغة، أحدثها عن محنتي، ضحكت لها، لم يجبني سيرابيس؛ فهل أنتظر ردا من الخندريس؟
لم أكف عن التدخين ومراقبة الدخان، حتى بدا لي أنه ينزوي من مدخل الطرقة، كنت أراه يتبدد من فرط الحياء؛ فقد كانت أرتيميس تتحرك حافية القدمين، كأفروديت المبعوثة من البحر.
وحولها ملاءة الفراش، خجلا أم بردا لم أعرف، تقدمت في صمت، لم أعرف من هي، أأرتيميس إلهة الصيد أم ربة القمر؟ لم أتمكن من التفرقة أو التمييز، حتى جلست بجواري في صمت، أفلتت سيجارتي من يدي، سحبت نفسا عميقا ونفثته في الهواء، قالت بإيقاع منتظم: «أريد الذهاب للطبيب.» فعرفت أنها ربة القمر.
هذا ما حدث حتى أتينا سويا إليك، رويت لك كل ما حدث منذ عرفتها حتى أتينا، هي تنتظر الآن بالخارج.
أنهى عبد الله حديثه وما زال الطبيب ينظر إليه بعد أن توقف عن تدوين ملاحظاته، أوقف الطبيب مسجلة الصوت، وطلب من عبد الله دعوة أمل للدخول بمفردها، خرج عبد الله من الغرفة، أمسك بيد أمل، قبلها وأخبرها أن كل شيء سيكون بخير، دخلت غرفة الطبيب، وأغلق الباب خلفها.
أين هي؟
Shafi da ba'a sani ba