وبينما هم يعيدون تقييد أركاديوس، تقدم وردان إلى عمرو وهمس في أذنه مشيرا إلى السلسلة الذهبية التي في عنقه وقال: «لعل هذه السلسلة تنبئنا بشيء من خبره.» فأمر عمرو وردان أن يأتي بها إليه، ولم تجد مقاومة أركاديوس؛ إذ كان وثاقه قد شد، ودفعوا بالسلسلة إلى عمرو، فأمر بحمل أركاديوس إلى محبسه، وكان هذا لا يكاد يعي شيئا لفرط تأثره؛ إذ كان يؤثر قطع عنقه على أن تؤخذ منه السلسلة، فما ذهبوا به، أخذ عمرو يتأمل في الصليب المرصع الذي في السلسلة ثم قال: «إنه شبيه بما وجدناه في أسلاب الروم بالشام وبيت المقدس، ولكنه أثمن فيما يلوح لي.»
فقال وردان: «ذلك حملني على الشك في أمر الرجل، وجعلني أظن أنه من كبار القواد قد جاء متنكرا.»
فالتفت عمرو إلى الرجل الذي بجانبه وقال له: «ماذا ترى في هذا الصليب يا زياد، فإنك أخبر بأحوال الروم ولباسهم؟»
وكان زياد حين ذهب إلى المقوقس في الحصن برسالة عمرو التي ضمنها الأمان للقبط، قد سمعهم هناك يتحدثون بغياب أركاديوس المفاجئ، وكان قد رآه قبل ذلك في الإسكندرية، ولكن أمره التبس عليه حين رآه في حضرة عمرو، فتناول السلسلة من يد عمرو، وأخذ يقلب الصليب بين يديه، فقرأ اسم أرمانوسة مكتوبا على ظهره باللغة القبطية، ولكنه كتم ذلك، وقال: «هل يأذن لي الأمير في أن أستطلع سر الرجل بيني وبينه؛ فإني على رأي وردان فيه؟»
فقال عمرو: «افعل ما بدا لك.» فأخذ زياد السلسلة وسار توا إلى المكان الذي حبس فيه أركاديوس، فوجده غارقا في بحار الهواجس، وقد أخذ الغضب منه مأخذا عظيما، وأجفل حينما رآه داخلا عليه، غير أنه تجلد ليرى ما يبدو منه، ثم جلس زياد أمامه وقال: «بعثني الأمير عمرو بن العاص لأسألك في أمر، وأرجو أن تجيبني عنه.»
فقال أركاديوس: «وما ذلك؟» قال: «من أين لك هذه السلسلة؟» وأراه إياها، فما كادت عيناه تقعان عليها حتى اقشعر جسمه وارتعدت فرائصه وترقرقت الدموع في عينيه. لكنه تجلد وقال: «جاءتني اتفاقا.»
فقال زياد: «هذا بعيد الاحتمال؛ لأن مثلها لا يحوزه من كان من العامة.»
قال: «ليكن ذلك حقا، ولكني حصلت عليها اتفاقا، والسلام.»
فقال: «وكيف كان ذلك؟» قال: «وجدتها في الطريق.»
قال: «قل لي ما اسمك؟» فكاد أركاديوس أن يبوح باسمه ولكنه أحجم حذر الموت وقال: «وماذا تريد من اسمي؟»
Shafi da ba'a sani ba