فتغير لون أرمانوسة وجلا، لعلمها بقوة العرب، ولكنها تذكرت ما قاله لها مرقس من أمر الأمان الذي كتبه عمرو لوالدها بشأن المحافظة على القبط خاصة، فسكن روعها، فقالت للحاكم: «عليك بالتأهب للدفاع، وبث رجالك على الأسوار والحصون حتى نرى ما يكون.» فعاد وأخذ يعد المعدات، ويبث رجاله في الحصون، وأجاب العرب بأنه لا يسلم.
وعادت أرمانوسة إلى قصرها مضطربة، تارة تحمد الله على ذهاب أركاديوس، وطورا تقول: «ليته بقي ليدافع عنا إذا مست الحاجة.» وبينما هي تفكر في ذلك قالت بربارة: «ألم يكن من التعقل يا مولاتي أن نخرج من هذه المدينة قبل وصول العرب؟»
قالت: «قد خطر لي ذلك من قبل، ولكنني وثقت بعهد عمرو، وهو لا شك يوفي بالعهد، ولا يريد بنا شرا، وليتنا نبعث إليه مرقس نطلعه على أمرنا.»
قالت: «مرقس ليس هنا، ولم يعد منذ خرج للبحث عن خطيبته.»
قالت: «ولكنه ظفر بها، ألا تظنينه يعود إلينا اليوم؟»
قالت: «أخبرني سيدي أركاديوس أنه أبقاه ليحرس له جواده وثيابه حين جاء إلينا، ولعله يعود عندما يرجع إليه سيدي فنرسله إلى عمرو.»
ومضى ذلك اليوم في التأهب ولم تقع حرب. •••
قضى أركاديوس سحابة يومه في حبسه لم يذق طعاما، تتقاذفه الهواجس، فيفكر تارة في أبيه وفي إبطائه في الرجوع إليه، وتارة أخرى في جواده وفي مرقس، ثم يفكر في أرمانوسة وكيف أنها في بلبيس والعرب يهمون بفتحها، وكان إذا تذكر هذا ود لو أنه ظل قريبا منها لعله يستطيع الدفاع عنها، ثم ينظر إلى يديه فيرى أنه مكبل لا يستطيع حراكا، فتصغر نفسه في عينيه ويسأم الحياة. وبات ليلة لم تذق عيناه الكرى، حتى إذا لاح الفجر أغمض جفنيه، وما عتم أن سمع صوت المؤذن يدعو المؤمنين إلى الصلاة، فانتفض وعادت إليه هواجسه، وجاءه رجل بالطعام فأبى، ولما علم عمرو بذلك بعث إليه وردان يرغبه في الطعام ويستطلع حقيقة أمره، ولكنه لم ينثن عن عزمه ولم يذق طعاما ولا شرابا، فقال له وردان: «ألا تزال مصرا على عنادك، ترجو النجاة من هذا الأسر؟!»
فقال أركاديوس: «قلت لك إني لا أهاب الموت، وليس من شيم الروم أن يهابوه.» قال وردان: «والله لولا رحمة أميرنا لقتلناك.»
قال: «لا حاجة بي إلى رحمتكم فاصنعوا ما شئتم وكفى.»
Shafi da ba'a sani ba