وكانت الحديقة مشرفة على سهل خارج البلدة ، فلاحت من بربارة التفاتة فإذا بفارس قادم عن بعد، وعليه لباس مرقس فظنته هو، فالتفتت إلى سيدتها بلهفة وقالت: «هذا هو مرقس يا سيدتي، فلعله جاءنا بخبر يسر.» فالتفتت أرمانوسة إلى القادم ثم قالت: «ولكني أراه راكبا جملا من جمال العرب، فهل ذهب راكبا.» فنظرت بربارة إلى الرجل وهو يقترب من البلدة ثم قالت: «لا، ليس للجمال عندنا وجود، ولكن يظهر أنه مرقس، ولا أعلم من أين أتى بالجمل؟»
وما كادتا تتمان الحديث حتى وصل الهجان إلى سور المدينة، فحط رحله إلى جذع شجرة، فخرج بعض حامية بلبيس لاستقباله وسؤاله عن مراده، وجاء أحدهم يقول: «إن القادم رسول من قسطنطين بن هرقل إلى المقوقس.» ثم تقدم إلى أرمانوسة يسألها هل تريد مقابلته؟
فلما سمعت أرمانوسة ذكر قسطنطين أجفلت وانقبضت نفسها، وقالت: «لا، لا أريد مقابلته.» فسارت بربارة إلى باب الحديقة، وأشارت إلى الحراس أن يأذنوا له بالدخول، فدخل فإذا هو جندي من جنود الروم بلباس جند مصر، وهو لباس مرقس بعينه فقلقت بربارة على مرقس وقالت للرجل: «من أنت؟»
قال: «رسول من مولاي يوقنا، صاحب جند حلب، أرسلني بمهمة إلى المقوقس من الأمير قسطنطين.»
قالت: «وأين صاحب هذه الثياب؟ لعلك قد لقيت رسولنا؟»
قال: «نعم يا سيدتي، وهو في خير، وقد تركته بالمعسكر معتزما الذهاب إلى الفرما بمهمة من السيدة أرمانوسة، وأوصاني أن أطمئنكم عليه.» قالت: «وأين كتاب الأمير قسطنطين؟» فمد يده إلى جعبة معلقة بكتفه وأخرج حقا من الفضة، وقدمه إلى بربارة فتناولته، وقالت للرسول: «امكث هنا ريثما أعود إليك بالجواب.»
ثم تركته، ودخلت بسيدتها إلى غرفتها، وهي لعظم كدرها لا تلوي على شيء، فلما دخلتا الغرفة فتحت بربارة الحق ففاحت منه رائحة العطر، وأخرجت الكتاب فإذا هو من ورق ناعم حسن الصنعة، فتناولته أرمانوسة لتقرأه لأنها لم تكن تعرف اللاتينية، فأخذت أرمانوسة الكتاب ويداها ترتجفان، ونظرت إلى مكان الإمضاء، فرأت إمضاء قسطنطين باسمه، فاختلج قلبها واغرورقت عيناها بالدموع، وصاحت: «تبا له ألا يزال حيا؟» فقالت لها بربارة: «اقرئيه يا سيدتي لنفهم ما فيه، فلعل فيه خيرا، ولو كنت أحسن القراءة لما كلفتك قراءته.»
فأخذت أرمانوسة تقرؤه فإذا فيه ما ترجمته:
من قسطنطين بن هرقل ملك الروم إلى المحترم المقوقس والي مصر
بسم الآب والابن والروح القدس
Shafi da ba'a sani ba