فتوقف بروفس عن الجواب برهة ثم قال: «قد اتهمه بعضهم بذلك، ولكنه بريء منه.»
فأدرك مرقس أن الحكاية ليست بالحال التي تصورها، وأساء الظن فيما سمعه من الرجل، ولكنه خاف إذا أظهر الارتياب أن يغدر به، فتظاهر بتصديق كلامه ثم قال: «ولكننا سمعنا خبرا كدرنا كثيرا عن قسطنطين.» وأراد إتمام الكلام فابتدره بروفس قائلا: «أما إذا أردت ما أشاعه العرب عن قتله فهو عار عن الصحة؛ لأن مولانا قسطنطين في خير وسلامة ينتظر وصول عروسه.»
فقال مرقس: «ألا تخافون أن يلقاكم العرب في عودتكم من بلبيس، وأنتم تقولون إنهم قادمون وقد وصلوا إلى العريش فلا يلبثون أن يكونوا هناك قريبا؟»
فقال بروفس وقد ارتبك في الجواب: «لا، لا أرى علينا بأسا؛ لأنهم يعتقدون فينا الإخلاص لهم.»
فقال مرقس في نفسه: «قد تحققت بقاء قسطنطين حيا، فهل أرجع بالخبر أو أواصل الاستقصاء عن حال العرب وقوتهم لعلي أعود بشيء مفيد لسيدي المقوقس فأنال حظوة في عينيه؟» فرأى أن يواصل السير في الحديث فقال لبروفس: «إنك إذا قدمت إلى سيدتي أرمانوسة، وأنبأتها ببقاء قسطنطين حيا، تسر بك كثيرا، فعجل بالمسير، وأخبرها بأنني قد علمت ذلك منك، وأني ذاهب لإتمام مهمتي في الفرما.» وقد أراد أن يتمم استقصاء أخبار العرب، ولكنه رأى أن يغتنم تلك الفرصة لكي يدخل إلى معسكر يوقنا فيستفيد منهم شيئا يساعده على مرامه فقال لبروفس: «هل لك أن ترافقني إلى مولاك يوقنا لعله يريد أن يستخبرني، أو يسألني شيئا؟»
فقال: «لا أستطيع العودة معك، ولكنني أعطيك شعار الليل، فإذا وصلت إلى المعسكر وسألك أحد من أنت؟ قل له: «السلام عليكم» وأفهمه نطق هذه اللفظة بالعربية، وهو لا يفهم معناها، فظنها اسما لرجل أو بلد، ولو فهم معناها لأدرك أنها كلمة تدل على إسلام قائلها أو انتمائه للمسلمين، فكررها مرارا على سمعه حتى حفظها، ثم تأمل مرقس في ثياب بروفس فإذا هي تختلف عن ثيابه، فخاف إذا دخل معسكر يوقنا بثيابه أن ينكشف أمره، فأراد أن يحتال على بروفس ليأخذ ثيابه فقال: «ألا تخاف يا أخي إذا مررت بثيابك هذه أن يرتاب فيك المصريون؟» قال له: «ولماذا؟» قال: «إنهم يرونك غريبا، فربما أوقعوا بك شرا، وبخاصة وأنت لابس هذا اللباس. وبما أنك سائر إلى سيدتي أرمانوسة أرى أن أخلع لك ثيابي هذه فتلبسها، وهي لباس جند مصر، فإذا مررت في البلاد لا يستغربك أحد.»
قال: «وأنت ماذا تلبس؟» قال: «أعطني ثيابك فألبسها.»
فاستحسن بروفس الرأي، وتبادلا الثياب، وقد فرح مرقس فرحا لا مزيد عليه بنجاح حيلته، ثم نهض بروفس وركب هجينه وودع مرقس، وأخبره أن فسطاط يوقنا بالقرب من تلك النار، وسار قاصدا بلبيس.
أما مرقس فظل ناظرا إليه حتى توارى عنه، فجعل يفكر في حاله وما سمعه منه ويقيسه ويطبقه بعضه على بعض، فأدرك أن في الأمر خداعا أو مكيدة، فقال في نفسه: «فلأذهب إلى معسكر يوقنا لعلي أعلم دخيلة الأمر.»
وسار قاصدا تلك النار حتى كاد يقترب منها، فسمع هدير الجمال عن بعد فخيل له أنه ذاهب إلى معسكر العرب لا معسكر الروم، ولكنه توكل على الله ومشى، وإذا بفارس قد اعترضه قائلا: «من أنت؟» فأجابه مرقس: «السلام عليكم.» فأخلى سبيله، وقال له: «أين كنت؟» قال: «خرجت من المعسكر لأمر وعدت.»
Shafi da ba'a sani ba