فقال القسيس: «وإني لأعجب أيضا كيف يحكمون باختيارها، وينفذون الحكم فيها بغير رضاء أبيها، والعادة أنهم إذا اختاروا فتاة أرضوا أباها بمال أو شيء آخر حتى يسمح لهم بابنته، وأنا أعلم يقينا أن المعلم اسطفانوس لا يرضى ببيع ابنته، فإن ذلك عارا مبينا.»
فقال جرجس: «أي شيء يجري بيننا يا سيدي على سنة العدل، ونحن نقاسي كل يوم من الأمور ما تنهى عنه الديانة والطبيعة؟!»
فقال القسيس: «قلت لكم إني أعجب للحكم عليها بدون إرضاء والدها، ولكنني أعترف لكم بأمر عرفته سرا وهو الذي جر عليها هذا الحكم، فهل تعدونني بكتمانه إذا أخبرتكم به؟»
فتوسم مرقس بابا للخير، وكان غارقا في بحار الهواجس، فقال: «نعم نكتمه.»
فقال القسيس : «علمت أن شيخ البلدة طلب هذه الفتاة زوجة لابنه، فرفض أبوها، فحقد عليها ووشى بها إلى حاكم بلبيس وحمله على قتلها على هذه الصورة.»
فقال جرجس: «ولماذا لا يرضى أبوها بابن الشيخ، وهو خير أهل هذه القرية؟»
قال القسيس: «سمعت أن هذه الفتاة عالقة القلب بفتى تحبه هي ويحبه أبوها كثيرا، وقد عقد النية على تزويجها به، وهما يعلمان الآن أن سبب هذا الشر رفضهما ابن الشيخ، وقد سمعت الرواية ولا أضمن صحتها.»
فلما سمع مرقس هذا الكلام اقشعر جسمه وهبت الغيرة فيه، وخنقته العبرات، فأمسك عن الطعام متظاهرا بانحراف صحته، ونهض عن المائدة ملتمسا قضاء حاجة له في حديقة البيت، فلم يعترضه أحد، فخرج حتى خلا إلى نفسه، فمسح دموعه واحتار في أمره هل يطلع القسيس على حقيقة شأنه، أو يبقيه سرا مكتوما، ولكنه تجلد وعاد يريد سماع تتمة الحديث إلى آخره، فإذا رأى فائدة من الكلام تكلم.
فلما دخل الغرفة عاد القسيس إلى كلامه فقال: «ومن الغريب أن هذه المسألة لم تجر العادة بالقطع بها إلا بعد البحث والتدقيق وموافقة مولانا المقوقس عليها، ولكنني عرفت أنه لم يعلم بها هذه المرة، ولعل ذلك ناتج عن انهماكه في أمر ابنته وزواجها وبالأخبار التي تواترت عن قدوم العرب على ما بلغنا، ولذلك فهو لن يحضر الاحتفال بضحية النيل هذا العام، ولن يحضره الأعيرج ولا رجاله؛ لأنهم في شغل شاغل كما قدمنا، ولكن شيخ هذه البلدة سيذهب هو وبعض رجاله، وهي فرصة انتهزها لانهماك المقوقس، ونراه مسرعا في تنفيذها خوفا من فواتها.»
ثم أظهر القسيس الملل من هذا الحديث وأراد تحويله فقال: «هل سمعتم شيئا عن العرب؟»
Shafi da ba'a sani ba