قالت: «وأين تذهب بها؟ ألم تر الشرطة واقفين بجوار البيت يترقبون حركاتنا وسكناتنا؟ فإذا أتينا أمرا فإنما نجني على أنفسنا.»
فقال: «ولكن العادة ألا يأتوا هذا الأمر إلا برضاء أبيها، فهل رضي عمي بذلك؟»
فقطع عمه عليه الكلام قائلا: «كيف أرضى بهذا الأمر؟ لقد حاولوا إرضائي فأبيت، فأرادوا أخذها بالعنف بدعوى أنهم ينفذون قضاء الله وأن القرعة في السنة الماضية وقعت على فتاة إسرائيلية، وفي هذه السنة وقعت على مارية.»
فصاح مرقس: «لا فاض النيل ولا ارتوت الأرض إذا لم يكن ذلك إلا بهذه الطريقة، اطمئنوا وألقوا الأمر علي وأنا أنقذها. أين هي لأراها؟»
فقالت أمها: «هي في غرفتها تندب وتبكي يا ولداه وتأبى أن تكلم أحدا أو ترى أحدا.»
قال: «أريد أن أراها فلعلي أستطيع تعزيتها، وأنا أعلم أني قادر على إنقاذها.» وكان قد تذكر بربارة، وأنها مقربة إلى المقوقس، فبدا له أن يستنجدها، فتذكر أمر مارية للمقوقس أو ابنته فيصدر الأمر باستبدال أخرى بها، فقال: «أروني إياها ولا تيأسوا من رحمة الله.»
فأمسكته امرأة عمه وقادته إلى غرفتها وهي ترعش كيدا وحزنا، ولما سمعت الفتاة وقع أقدامها نادت بصوت ضعيف كالأنين من فرط ما ناحت وبكت وقالت: «آه أنقذوني من مخالب الموت، أو أروني مرقس قبل مماتي.» ثم خنقتها العبرات فأجابها مرقس قائلا: «لا تخافي يا مارية ها أنا ذا قد جئتك، جاءك الفرج من عند الله.»
فلما سمعت صوته نهضت مسرعة لساعتها، وارتمت على قدميه قائلة: «آه إن مارية لم يبق لها في هذه الحياة إلا يوم وليلة، فأشفق على ضعفي وأنقذني إذا كان ثم أمل في الحياة. يا أبتاه ويا أماه، انتشلاني من مخالب الموت، أشفقا على صباي. آه من الحياة، ما أحلاها وما أمرها!»
فلم يتمالك مرقس نفسه عند سماع كلامها عن البكاء، ثم تجلد وأخذ بيدها، فإذا هي باردة كالثلج، وكانت الفتاة قد أغمي عليها فرشوها بالماء حتى أفاقت فأجلسوها، وعينا مرقس لا تفارقانها وقلبه يكاد ينفطر، ثم نظر إليها وقال: «لا تخافي يا مارية، فإني قد دبرت وسيلة لإنقاذك، وأنا واثق بأن الله لا يحرمني من قربك.»
فلما سمعت الفتاة كلامه عادت إليها قواها وتجلدت، وجلست وهي تنظر إليه بعينين مملوءتين بالدمع، وقد ذبلت جفونهما وتكسرت أهدابهما، وامتقع لون وجهها، ولكن الجمال بقي متجليا فيه، فازداد هيام مرقس بها حتى هان عليه الموت في سبيل إنقاذها، ثم رأى الوقت يكاد ينفد، ولم يبق لميعاد أخذها إلا يوم وبضع ساعات، فوقف ونظر إلى الفتاة وقال: «قلت لا تخافي يا مارية، فإن الذي أنقذ يوسف من البئر ودانيال من جب الأسود، قادر على أن ينقذك من مخالب الموت، وها أنا ذا ذاهب لأنظر في الأمر وأرجع إليكم في الغد إن شاء الله.»
Shafi da ba'a sani ba