أما أرسطوليس فتحول عن الغرفة إلى السلم وهو يفكر في شأن أبيه مع الرومانيين، وقد حمل سيفه بيده لئلا يصطدم بجدران السلم فيوقظ أحدا من الجند، فلما بلغ آخر درجة سار في زقاق ضيق مظلم قاصدا إلى غرفته، فسمع صوتا منخفضا يناديه من جانب الزقاق، فنظر فإذا شبح قادم إليه أمسك بيده وهو يقول: «لعلك سيدي أرسطوليس؟» فجذب أرسطوليس يده قائلا: «نعم، ومن أنت؟» فسمع صاحب الصوت يقول: «أنا خادمتك بربارة يا سيدي.» وعرف صوتها فقال لها: «وما الذي جاء بك إلى هنا؟ وكيف تركت البيت؟» قالت: «جئت لأمر ذي بال سأطلعك عليه إذا أذنت لي بخلوة.» قال: «تعالي معي إلى غرفتي.»
وسارا حتى دخلا بعض جوانب الحصن وأرسطوليس يحاذر أن يراها أحد خوفا من وقوع الشبهة عليه، فلما دخلا الغرفة وأضاء المصباح تأمل في وجهها فإذا هي بعينها فقال لها: «ما خبرك؟»
قالت: «جئت بالأمس لزيارة كنيسة المعلقة كعادتي ففوجئت بالجنود يدخلون الحصن ويخرجون من في الكنيسة من الراهبات فخرجت معهن يا سيدي، وكان من أمرنا ما قد علمت، فلبثت في ذلك الممر أنتظر الصباح لأعود إلى منف، وفيما أنا أخاطب رئيسة الدير أخبرتني أن راهبا جاء في صباح الأمس يسأل عن سيدي المقوقس ومعه كتاب، فسألتها عن ذلك الراهب فذكرت أنه خرج من الكنيسة في ضحى هذا اليوم ولم تعد تراه ولا تعلم أين هو، ولكنه من رهبان دير في برية تيبايس يحمل كتابا من البطريق بنيامين الذي فر من بطريق الإسكندرية إلى هناك، ولما علم بقدوم الجند الرومانيين إلى الحصن خاف أن يفتضح أمر الكتاب، فدفعه إلى الرئيسة لتخفيه ريثما يستطيع حمله إلى أبيك، فأخفته في صندوقها بين ثيابها ولم تكن تعلم أنهم سيخرجونها مع الرهبان، فلما جاءوا الدير وأخرجوهن منه لم تستطع لسرعتها ودهشتها أن تخرجه، فبقي في الصندوق، وأخاف أن يصل إلى أيديهم، وربما كان فيه ما يؤاخذ سيدي عليه.»
فلما سمع أرسطوليس كلامها سكت لحظة وهز رأسه كأنه أدرك المراد من قدوم الراهب بذلك الكتاب، ولكنه خاف سوء العاقبة فاختلط عليه أمره وقال لبربارة: «وما السبيل إلى الحصول على الكتاب الآن وأنا لا أستطيع أن أطلبه من أركاديوس صريحا؟»
قالت: «إذن أعطني كتابا إلى أركاديوس تقول فيه إن رئيسة الدير تود أخذ أيقونة من صندوقها للصلاة، وتطلب منه أن يأذن لي في الدخول إلى الكنيسة لإخراج تلك الأيقونة فقد تنفع هذه الحيلة.»
فسر أرسطوليس بحيلتها وأخرج قطعة من ورق البردي كانت معه ثم ناولها إياها بعد أن كتب عليها ما أشارت به عليه، وقال لها: «لا تطيلي الغيبة فإني في انتظار رجوعك.» فقالت: «طب نفسا؛ إن غيابي لا يتجاوز فجر الغد.»
وهنا تذكر أرسطوليس شقيقته، فاستوقف بربارة وقال لها: «هل سافرت سيدتك أرمانوسة إلى بلبيس؟» قالت: «نعم يا سيدي.»
قال: «ولماذا لم تذهبي معها؟» قالت: «استأذنتها في البقاء بضعة أيام لأفي نذرا علي ثم ألحق بها.» وودعته وذهبت مسرعة.
ولبث أرسطوليس بعد ذهابها وحده، فنزع خوذته وسلاحه وتوسد مقعدا يلتمس الراحة بعد ما قاساه من التعب في تصفيف الجند أثناء النهار، وأخذ يفكر في أمر الراهب وكتابه فأدرك أن الكتاب مرسل من بنيامين بطريرك الأقباط إلى والده، يحثه فيه على مسالمة العرب وبذل الجهد في التخلص من نير الرومانيين.
أما بربارة فسارت توا إلى الرئيسة فتناولت منها مفتاح صندوقها ومضت إلى كنيسة المعلقة ، فاعترضها الحراس فأرتهم كتاب أرسطوليس إلى أركاديوس فأذنوا لها في المرور.
Shafi da ba'a sani ba