وكان الواحد منهم حين يفتح عينيه، ويرى الضوء منتشرا على غير العادة، يتولاه خوف داهم، وكأنه تلميذ صحا بعد فوات الامتحان، ولا تكاد دقيقة واحدة تمضي عليه إلا ويكون مندفعا إلى ظهر الباخرة كالسهم، وهو لا يدري ما الذي يدفعه؟
حتى عوض أفندي الذي كان أول من صحا، لما ذهب ليتوضأ، أحس بشيء كالهاتف يأمره، فترك الوضوء وأسرع إلى فوق.
وكان دكتور القانون هو الوحيد الذي وقف على باب الكابينة يحرس الطرود، ويروح ويغدو وثمة قلق ينهش خطواته.
وكان الصاعد إلى الظهر يذهله السكون المستتب، فالباخرة تنساب بنعومة فوق البحر الذي هدأت أمواجه، والدنيا فيها سكون الصبح المبكر، والناس كثيرون متشبثون بالحاجز، ويفتشون بأنظارهم الأفق، ولا يجدون شيئا، ومع هذا يزدادون تشبثا، وتصطبغ ملامحهم بترقب عظيم كالذي يتوقع أنباء هامة، أو يتطلع إلى معجزة.
وكانت طيور النورس هي الوحيدة التي تحدث ضجيجا صغيرا مفاجئا حين تنقض على سطح الماء وترتطم به.
وأظلم الأفق قليلا، ثم أشرق على خط رمادي طويل.
وسرت همهمة، هي، مش هي، دي سحابة، لسه بعيد.
وأطلقت الباخرة صفارة لها ضجيج مبحوح مرتعش.
وأبطأت من سيرها، وانخفض أزيز المحرك.
وصفت زرقة السماء، حتى أصبح لا يعادلها إلا زرقة البحر.
Shafi da ba'a sani ba