ولكن لنرجع إلى ما يلزمنا القول فيه فى وقتنا هذا لتعلم بالمحرك للحيوان حركة الانتقال. فان حركة النمو والنقصان موجودة فى الجميع، وما كان موجودا فى الجميع فمظنون به أنه داع إلى الغذاء والتولد. — وسنقول أخيرا فى الاستنشاق وإخراج النفس والنوم واليقظة، فان الفحص عنها عويص و〈فيه〉 معاياة كثيرة. — فلننظر ما المحرك للحيوان حركة السير والانتقال. — والدليل أن القوة الغاذية ليست علة انتقال الحيوان أن هذه الحركة إنما تكون أبدا من أجل شىء واحد، ولا تكون إلا مع توهم أو شهوة، لأنه لا يجوز أن يتحرك شىء غير مشتهى أو هارب عنه، إلا أن تكون حركته حركة حفز تضطره. ولو أن القوة الغاذية كانت علة حركة الانتقال، لكانت الشجر متنقلة 〈و〉لكان لها عضو كآلة تليق بهذه الحركة. — وكذلك ليست القوة الحاسة بعلة لهذه الحركة، لأن الكثير من الحيوان ذو حس، إلا أنها راتبة غير متحركة ولا منتقلة، وهى على حال واحدة إلى آخر منتهاها. وإذا كان الطباع لا يفعل شيئا باطلا ولا يترك شيئا مما تدعو إليه الحاجة باضطرار ما خلا المنقوص المعلول؛ وليس ما ذكرنا من الحيوان بمنقوص ولا معلول: والشاهد على ذلك أنها تتوالد 〈ويجرى عليها〉 النشوء 〈والانحلال〉؛ فلو كانت حركة الانتقال لا تكون إلا عن الحس، وجب أن يكون لهذا الحيوان أجزاء شبيهة بحركة السير والانتقال أيضا. — وليس الفكر والعقل محرك الحيوان حركة الانتقال، لأن النظر فى العقل ليس لعمل ولا يقول شيئا عن المطلوب ولا عن المدفوع، وإنما الحركة أبدا لطالب شىء ولهارب عن شىء. أو لا إذا نظر العقل وفكر فى شىء مثل هذا رأى الأمر بالهرب أو بالطلب؛ وكثيرا ما يتفكر العقل فى شىء مخيف أو فى شىء ملذ فلا يكون الخوف عن أمر ولا للذة حركة؛ فان القلب يتحرك حركة الخوف — وليس ذلك عن العقل؛ وإذا تفكر فى شىء ملذ كان عضوا غير القلب المتحرك حركة اللذة. 〈و〉 لو رأى العقل وأمر الفكر بالطلب أو بالهرب لما كان يحرك العضو عما رآه العقل؛ وإنما يعمل بقدر الشهوة، كالرجل الذى لا يضبط نفسه. وبالجملة أيضا قد نرى علم الطب فلا يبرئ من المرض، كأن المالك على فعل الشىء غير الصناعة، ولا يفعل ذلك إلا بالصناعة. — وأيضا ولا الشوق الذى هو أرب فعله حركة الانتقال، لأن الحلماء من الناس قد يشتاقون إلى الشىء يشتهونه ولا يفعلون ما تدعوهم إليه شهوتهم، بل يؤثرون فعل العقل ويتبعونه فينقادون له.
Shafi 81