وكل حس إنما يقضى على تضاد واحد: كالبصر على الأبيض والأسود، والسمع على الحاد والثقيل، والذوق على المر والحلو؛ فأما الملموس فان فيه تضاد أشياء: حار وبارد، ورطب ويابس، وجاس ولين، وما أشبه ذلك. — ولهذه المسألة جواب، وهذا جوابها: أن سائر الحواس 〈يدرك〉 تضادا كثيرا: 〈مثل〉 الذى نراه فى الصوت، فان السمع يقضى على الحاد من الأصوات والثقيل، وعلى العظيم والصغير 〈و〉على اللين والخشن، وعلى كثير من فصول الأصوات. واللوان أيضا 〈له〉 فصول كثيرة. إلا أنه ليس يتبين أن موضوع اللمس شىء واحد، كالقرع للسمع.
〈ولكن، هل عضو الحس〉 موضوع داخل، 〈أو ليس كذلك〉، 〈أو لعله هو اللحم نفسه؟〉 واللحم إذا مس ففعل على ملامسة اللامس إياه لم يكن ذلك بدليل على شىء. وذلك لو أن رجلا مد شغاف اللحم على سطح اللحم، لكان إذا مس مدركا بحسه ما كان يدركه قبل ذلك؛ وهذا يستدل أن الحس فى اللحم. ولو أن الشغاف انشق انشقاقا، كان ذلك أسرع فى نفوذ الحس. لذلك فان هذا الجزء الحاس من الجرم يصير إلى أن يكون ملامسا لنا كاحداق الجو بنا. وقد كان يجوز الظن فى أن إدراكنا حس القرع واللون والرائحة إنما هو لشىء واحد حساس، لو لا أن الذى به تكون حركاتها ظاهر الفصل، فان كل واحد منها غير الآخر. وليس هو ببين فى حس اللمس. — لأنه لا يمكن الجرم ذا النفس أن يكون من هواء وماء، لأنه لابد له من أن يكون كثيفا. والكثيف لابد من أن يكون خلط من أرض وغير ذلك، مما يكون جزء منه اللحم. لذلك وجب بالاضطرار أن يكون الجرم متوسطا بين اللامس والملموس، وبه كانت الحواس كثيرة. والدليل على أنها كثيرة إدراك اللمس وحسه، لأن الحيوان يدرك بهذا العضو جميع الأشياء الملموسة ويدرك الكيموس. ولو كانت سائر أجزائها من اللحم تدرك الكيموس، أظن أن الذوق واللمس 〈يبدوان لنا حينئذ كأنهما〉 حس واحد: وقد نراهما اثنين، 〈وذلك〉 أن العكس لا يجب .
Shafi 57