والأجرام حق ما قيل إنها جواهر، ولاسيما الطبيعية منها، لأنها المتقدمة على غيرها. فمن الأجرام الطبيعية ما له حياة، ومنها ما ليس له حياة؛ وإنما تعنى «حياة» لما كان له بنفسه غذاء، ونماء ونقص. فكل جسم طبيعى حى فذلك لا محالة جوهر مركب. فلما كان الجرم نصفه كذا وكذا 〈أى أن فيه〉 حياة، لم يجب أن يكون نفسا، لأن الجرم ليس من المقولة على شىء موضوع، بل هو كموضوع وهيولى. فالنفس بالاضطرار جوهر كصورة جرم طبيعى له حياة بالقوة. والجوهر انطلاشيا. والانطلاشيا على جهتين: أحدهما كعلم بوجود، لأن النوم واليقظة إنما يكونان بوجود النفس، واليقظة معادلة التفكر، والنوم معادل للجدة بغير فعل. والعلم من جهة الكون حرى من أن يكون مقدما. من أجل ذلك صارت النفس انطلاشيا، وهو أول تمام جرم طبيعى ذى حياة بالقوة، والجرم له صفة كذا وكذا كقولك إنه آلى. وكذا 〈أجزاء〉 النبات آلات إلا أن آنيته مبسوطة، والورق أغطية ساترة قشور الثمار، والقشور أغطية للثمار؛ والأصول معادلة الأفواه، من أجل أن الأفواه والأصول يجذبان الغذاء كلاهما. — وإن كان ينبغى أن نقول قولا جامعا مستقصى فى كل نفس، فالنفس انطلاشيا الأولى — أى أول تمام — جرم طبيعى آلى. — وليس ينبغى للطالب أن يطلب إن كانت النفس والجرم شيئا واحدا، كما أنه لا ينبغى الطلب فى إن كان الموم وطبعته شيئا واحدا، وكذلك لا ينبغى أن نسأل عن الهيولى وعما هى له إن كانا شيئا واحدا. فالذى هو وأنه مقولان على جهات كثيرة، وأصحها معنى الانطلاشيا.
Shafi 30