وأعنى بذلك هذا المعنى: هاهنا عقد صادق فى خير، وهو أنه خير؛ وعقد آخر كاذب وهو أنه ليس بخير؛ وعقد غيره وهو أنه شر — فأى هذين، ليت شعرى، هو ضد العقد الصادق؟ وإن كان واحدا (أى إن كان معناهما واحدا) فالمضادة فى أيهما هو. فنقول:إن ظننا أن العقدين المتضادين إنما يحدان بأنهما لسببين متضادين، باطل؛ وذلك أن الاعتقاد فى خير أنه خير، والاعتقاد فى شر أنه شر خليق أن يكون واحدا بعينه، بل هو حق: واحدا كان أو أكثر من واحد؛ بل من قبل أنهما بحال تضاد: — فإذ كان هاهنا عقد فى خير، أنه خير؛ وعقد أنه ليس بخير، وعقد أنه شىء آخر ليس هو موجودا ولا يمكن أن يوجد — فليس ينبغى أن يوضع الضد واحدا من تلك الأشياء التى الاعتقاد فيها فيما ليس بموجود أنه موجود، أو فيما هو موجود بأنه ليس بموجود. وذلك أن الصنفين جميعا بلا نهاية، أعنى ما يقع فيه منها الاعتقاد فيما ليس بموجود أنه موجود، وما يقع فيه منها الاعتقاد فيما هو موجود أنه غير موجود. بل إنما ينبغى أن يوضع التضاد فيما فيه تقع الشبهة. وما تقع فيه الشبهة هو ما منه يكون أيضا التكون. والتكون إنما يكون من المتقابلات. فمن هذه إذا تدخل الشبه.
فإذ كان الشىء الخير هو خيرا وليس بشر، وكان الأول له بذاته، والثانى بطريق العرض، وذلك أنه إنما عرض له أن يكون ليس بشر، وكان العقد الذاتى فى كل واحد من العانى أحرى بالصدق متى كان حقا، أو بالكذب متى كان باطلا، وكان العقد فى خير ما أنه ليس بخير عقدا باطلا لأمر ذاتى، والعقد فيه أنه شر عقدا باطلا لأمر عرضى — فقد يجب من ذلك أن يكون اعتقاد السلب فى الخير أحرى بالكذب من اعتقاد ضده؛ والذى هو أحرى بالكذب فى كل واحد من المعانى هو المعتقد لضده، وذلك أن الضدين هما المختلفان غاية الاختلاف فى المعنى الواحد بعينه. فإذ كان الضد هو أحد هذين، وكان النقيض أشد مضادة، فمن البين أن هذا هو الضد. فأما الاعتقاد فى الخير أنه شر، فإنه اعتقاد مقرون بغيره، لأن المعتقد لذلك فهو لا محالة خليق أن يخطر بباله أيضا فيه أنه ليس بخير.
Shafi 97