فنقول الآن إن الوجود للشىء إذا كان موجودا ضرورى؛ وإذا لم يكن موجودا فنفى الوجود عنه ضرورى. وليس كل موجود فوجوده ضرورى، ولا كل ما ليس بموجود فعدم الوجود له ضرورى. وذلك أنه ليس قولنا إن وجود كل موجود فهو ضرورة إذا وجد، هو القول بأن وجوده ضرورة الإطلاق. وكذلك أيضا ما ليس بموجود. وهذا بعينه قولنا فى المناقضة أيضا. وذلك أن كل شىء فوجوده الآن أو غير وجوده واجب ضرورة؛ ووجوده فيما يستقبل أو غير وجوده واجب ضرورة. غير أنا إذا فصلنا فقلنا: أحد الأمرين لم يكن واجبا ضرورة، ومثال ذلك أن قولنا إن الحرب ستكون غدا أو لا تكون، واجب ضرورة. فأما قولنا إن الحرب ستكون غدا، فليس بواجب ضرورة. ولا قولنا إنها لا تكون غدا بواجب ضرورة. لكن الواجب ضرورة إنما هو أن يكون أو لا يكون. فيجب من ذلك إذ كانت الأقاويل الصادقة إنما تجرى على حسب ما عليه الأمور، فمن البين أن ما كان منها يجرى على أى الأمرين اتفق وتحتمل الضدين فواجب ضرورة أن تكون المناقضة أيضا تجرى فيه ذلك المجرى. وهذا شىء يلزم فيما ليس وجوده دائما أو فيما ليس فقده دائما. فإن ما جرى هذا المجرى فواجب ضرورة أن يكون أحد جزئى النقيض فيه صادقا أو كاذبا. غير أنه ليس هو أو أحد المشار إليه بعينه، بل أيهما اتفق. وربما كان أحد المتناقضين أحرى بالصدق، إلا أنه ليس ذلك بموجب أن يكون صادقا أو كاذبا. فقد بان بذلك أنه ليس كل إيجاب وسلب متقابلين فأحدهما صادق ضرورة والآخر كاذب ضرورة. وذلك أنه ليس مجرى الأمر فيما ليس بموجود إلا أنه ممكن أن يكون وألا يكون مجراه فيما هو موجود، بل الأمر يجرى فيه على ما وصفنا.
Shafi 75