الأربعون حديثا للآجري
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ أبو بكر محمد بن الحسين الآجري: الله المحمود على كل حال، وهو الموفق لكل سداد والمعين على سبل الرشاد، وصلى الله على محمد النبي وآله أجمعين، وحسبنا الله ونعم الوكيل، أما بعد، فإنه سأل سائل عن معنى حديث روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله عز وجل يوم القيامة فقيها عالما، وروي معنى هذا الحديث عن معاذ بن جبل، وروي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حفظ على أمتي أربعين حديثا من السنة كنت له شفيعا يوم القيامة»
Shafi 65
وروي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حفظ على أمتي أربعين حديثا من السنة جاء يوم القيامة في زمرة العلماء» قال لنا السائل: أنت تعلم أن سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة لا تحصى قد صنفها كثير من أصحاب الحديث قديما وحديثا، صنفوا كتابا كتابا، فالطهارة فيها سنن كثيرة، وفي الصلاة سنن كثيرة، وفي الزكاة سنن كثيرة، وفي الصيام سنن كثيرة، وفي الحج سنن كثيرة، وفي الجهاد سنن كثيرة، وفي البيوع سنن كثيرة، وفي النكاح، والطلاق والحدود والإيمان والنذور، وسائر الأحكام سنن كثيرة، وفيما أدب النبي صلى الله عليه وسلم أمته فيما حثهم عليه ورغبهم فيه مثل أدب السلام وأدب المجالسة وأدب الأكل والشرب وأدب اللباس، وأدب المؤاخاة والجوار وغير ذلك مما يطول شرحه سنن كثير يعرفها أهل العلم والأدب، قد صنفها الناس وعنوا بها
Shafi 66
حتى إذا فرط فيها بعض من يصنف الحديث في شيء مما ذكرناه، قيل له: قد بقيت عليك أشياء لم تأت بها، وربما نسبوه إلى أنه عاجز عن جمعها وعن حفظها، قال لنا السائل: فما هذه الأربعون حديثا التي إذا حفظها من قد كتب العلم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم كان له هذا الأجر والفضل العظيم؟ وهل يغنيه أو يغني غيره ؟ عرفنا معناها، فإنا نحتاج إلى معناها، قيل له: اعلم - رحمنا الله وإياك - أني أجلت فكري فيما سألت عنه، فلم أر لهذا الحديث وجها يحتمل إلا وجها واحدا، والله أعلم، فإن قيل: ما هو؟ قيل: كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدمون عليه من أحياء العرب البعيدة ومن القرى البعيدة النفر اليسير من كل حي ومن كل قرية فيسلمون ويتعلمون ما يجب عليهم في الوقت، ثم ينصرفون إلى أحيائهم وإلى قراهم فيعلمونهم من أمر الإسلام مما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم من شريعة الإيمان والإسلام،
Shafi 67
ومما أحل لهم وما حرم عليهم، فيقولون لهم: قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم كذا وأمرنا بكذا، ونهانا عن كذا، وظاهر القرآن يدل على هذا، قال الله عز وجل: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} [سورة: التوبة، آية رقم: 122] ، فدل - والله أعلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم عليه هؤلاء الوفود فأسلموا وتعلموا حثهم على حفظ السنن التي قد علمهم إذ كان يمكنهم حفظها للوقت حتى يمضوا بها إلى أهليهم وإخوانهم وعشائرهم فيعلمونهم ما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم فيقرب عليهم حفظها إذا كانت مقدار أربعين حديثا يمكنهم حفظها، فحثهم على ذلك، لا أن مقدار أربعين حديثا مجزئة عن غيرها من سنته صلى الله عليه وسلم، ولكن على التقريب منه لهم على النعت الذي ذكرناه، وقد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال: «نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وحفظها ثم أداها إلى من لم يسمعها، فرب حامل فقه لا فقه له، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» ،
Shafi 68
قال محمد بن الحسين: لا أجد له وجها غير هذا، وذلك أن سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة في كل معنى، لا يسع كثيرا من الناس جهلها، وكيف يسعهم جهلها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم» ، حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار، حدثنا أبو جعفر محمد بن سعد بن الحسن العوفي، حدثني أبي سعد، حدثني عمي الحسين بن الحسن، حدثني أبي، عن جدي، عن عطية العوفي، عن ابن عباس في قول الله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون} [سورة: التوبة، آية رقم: 122] قال: كان ينطلق من كل حي من أحياء العرب عصابة فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عما يريدون من أمر دينهم، ويتفقهون في دينهم، ويقولون للنبي صلى الله عليه وسلم
Shafi 69
ما تأمرنا أن نفعله، وأخبرنا بما نقول لعشائرنا إذا انطلقنا إليهم؟ فيأمرهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بطاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ويبعثهم إلى قومهم بالصلاة والزكاة، وكانوا إذا أتوا قومهم نادوا: أن من أسلم فهو منا، وينذرونهم ويخبرونهم حتى إن الرجل ليفارق أباه وأمه، وبما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم بما يرضى الله عز وجل به عنهم. وينذرون قومهم إذا رجعوا إليهم، يدعونهم إلى الإسلام وينذرونهم النار ويبشرونهم بالجنة. مسألة: قال محمد بن الحسين: لا بد لهؤلاء من أن يقولوا لقومهم: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، وأحل لنا كذا، وحرم علينا كذا، وأمرنا بكذا، ونهانا عن كذا فكأنه - والله أعلم - حثهم
Shafi 70
على أن يحفظوا عنه أربعين حديثا من أمر دينهم تبعثهم على طلب الزيادة لعلم ما يجب عليهم، والله أعلم، فهذا وجه الحديث عندي، لا أعلم له وجها غيره إن شاء الله، قال فإن قال قائل: فهل لك أن تؤلف لنا من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين حديثا إذا حفظناها وحفظنا معانيها انتفعنا وانتفع بها من سمعها منا رجاء أن يكون ممن قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من حفظ على أمتي أربعين حديثا في أمر دينها» كان له ذلك الفضل الذي تقدم ذكره ؟ فإني أقول لك: سأجتهد لك في جمع أربعين حديثا من سنته صلى الله عليه وسلم تنتفع بها في دينك وينتفع بها من يسمعها منك ويبعثك وإياه على طلب الزيادة لعلوم كثيرة ولا بد لك منها، ولا يسعك جهلها، والله تعالى الموفق لذلك والمعين عليه إن شاء الله، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
Shafi 71
1 -
حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري قال: أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشي قال: أخبرنا سليمان بن داود الشاذكوني قال: حدثنا عبد الواحد بن زياد قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين»
[ص: 73]
قال محمد بن الحسين: يدل على أنه من لم يتفقه في دينه فلا خير فيه، فإن قلت: كيف صفة من فقهه الله عز وجل في دينه حتى يكون ممن قد أراده الله الكريم بخير؟ قيل له: هو الرجل المسلم العاقل الذي قد علم أن الله عز وجل قد تعبده بعبادات وجب عليه أن يعبده فيها كما أمره لا كما يريد هو، ولكن بما أوجب العلم عليه، فطلب العلم ليفقه ما تعبده الله عز وجل به من أداء فرائضه واجتناب محارمه لا يسعه جهله ولا يعذره به العلماء العقلاء في تركه، وذلك مثل الطهارة ما فرائضها، وما سننها، وما يفسدها، وما يصلحها، ومثل علم
[ص: 74]
صلاة الخمس لله عز وجل في اليوم والليلة وكيف يؤديها إلى الله عز وجل، ومثل علم الزكاة وما يجب لله عز وجل عليه فيها، ومثل صيام شهر رمضان وما يجب لله عز وجل فيه، ومثل الحج متى يجب، وإذا وجب ما يلزم من أحكامه كيف يؤديه إلى الله عز وجل؟ ومثل الجهاد ومتى يجب؟ وإذا وجب ما يلزمه من أحكامه وعلم المكاسب وما يحل منها وما يحرم وليأخذ الحلال بعلم ويجتنب الحرام بعلم، وعلم النفقات الواجبات عليه وغير الواجبات، وعلم بر الوالدين والنهى عن العقوق، وعلم صلة الأرحام والنهي عن قطعها، وعلم حفظ كل جارحة من جوارحه مما أمره الله عز وجل بحفظها، وعلوم كثيرة يطول شرحها، لا بد من علمها والعمل بها فاعقلوا رحمكم الله ما حثكم عليه نبيكم صلى الله عليه وسلم حتى يكون فيكم خير تحمدون عواقبه في الدنيا والآخرة
Shafi da ba'a sani ba
2 -
قال: أخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي، حدثنا هشام بن عمار الدمشقي، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا عثمان بن أبي العاتكة، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة الباهلي، رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
: «عليكم بالعلم قبل أن يقبض، وقبل أن يرفع» ثم جمع بين أصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام، ثم
قال: «العالم والمتعلم شريكان في الأجر، ولا خير في الناس بعد»
[ص: 76]
قال محمد بن الحسين: اعقل رحمنا الله وإياك، ما خاطبك به النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه يحثك على طلب علم ما تقدم ذكرنا له قبل فناء العلماء، ثم اعلم أن فناء العلم بقبض أهله، ثم أعلمك أن الخير إنما هو فيمن يطلب العلم، وفيمن تعلم العلم، فمن لم يكن كذلك فلا خير فيه، اعقل هذا واطلب من العلم ما ينفى عنك به
[ص: 77]
الجهل، وتعبد الله به وتريد الله العظيم به، فإنه عليك فريضة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم» ، ولقوله: «اطلبوا العلم ولو بالصين»
Shafi da ba'a sani ba
3 -
قال حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني، حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، حدثنا زهير يعني ابن معاوية حدثنا يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم التيمي قال: سمعت علقمة بن وقاص يقول: سمعت عمر بن الخطاب، رضي الله عنه يقول: «إنما
الأعمال بالنية، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله
ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه»
[ص: 79]
قال محمد بن الحسين: اعلم رحمنا الله وإياك أن هذا الحديث أصل من أصول الدين، لا يجوز لأحد من المسلمين أن يؤدي ما افترض الله عز وجل عليه من فريضة ولا يتقرب إليه بنافلة إلا بنية خالصة صادقة لا رياء فيها ولا سمعة، ولا يريد بها إلا الله عز وجل، ولا يشرك فيها مع الله عز وجل غيره، لأن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما أخلص له وأريد به وجهه، لا يختلف في هذا العلماء، فإن قلت: فأي شيء معنى هذا الحديث في الهجرة؟ قيل لك: اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدينة أوجب على جميع المسلمين ممن هو بمكة أن يهاجروا ويدعوا أهاليهم وعشائرهم وديارهم، يريدون بذلك وجه الله عز وجل، لا غيره، فكان الناس يهاجرون على هذا النعت، فأثنى الله عز وجل على المهاجرين في كتابه في غير موضع، وذم من تخلف عن الهجرة بغير عذر، وعذر من تخلف بعذر إذا كان لا يستطيع، فخرج رجل من مكة مهاجرا في الظاهر وقد شمله الطريق مع الناس والسفر، ولم يكن مراده الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما كان مراده تزوج امرأة من المهاجرات قبله أراد تزوجها وأراد الدنيا فلم يعد من المهاجرين،
[ص: 80]
وإن كان الطريق قد شمله مع الناس والسفر، وخرج من وطنه إلا أن نيته مفارقة لنياتهم، هم أرادوا الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو أراد تزوج أم قيس، فكان يسمى مهاجر أم قيس فاعلم ذلك
Shafi da ba'a sani ba
4 -
قال أخبرنا أبو أحمد هارون بن يوسف التاجر حدثنا ابن أبي عمر يعني محمدا العدني، حدثنا سفيان بن عيينة، عن سعير بن الخمس، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: " بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء
الزكاة، وصوم شهر رمضان، وحج البيت "
[ص: 82]
قال محمد بن الحسين: اعرف معنى هذا الحديث تفقهه إن شاء الله تعالى. اعلم أنه أول ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يدعو الناس إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فمن قالها صادقا من قلبه ومات على ذلك دخل الجنة، ثم فرضت عليهم الصلاة بعد ذلك فصلوا ثم هاجروا إلى المدينة، ثم فرضت عليهم الفرائض حالا بعد حال، كلما فرض عليهم فرض قبلوه، مثل صيام شهر رمضان، ومثل الزكاة، ثم فرض الحج على من استطاع إليه سبيلا، فلما آمنوا بذلك وعملوا بهذه الفرائض قال الله عز وجل: { «اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا» } [المائدة: 3] فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس» فاعلم ذلك فمن ترك فريضة من هذه الخمس وكفر بها وجحد بها لم ينفعه التوحيد ولم يكن مسلما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة، فمن ترك الصلاة فقد كفر» ، وقال ابن مسعود: «
[ص: 83]
إن الله عز وجل قرن الزكاة مع الصلاة، فمن لم يزك ماله فلا صلاة له» ، ولما قبض النبي صلى الله عليه وسلم ارتد أهل اليمامة عن أداء الزكاة وقالوا: نصلي ونصوم ولا نزكي أموالنا، فقاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع جميع الصحابة حتى قتلهم وسباهم وقال: «تشهدون أن قتلاكم في النار وقتلانا في الجنة؟» كل ذلك لأن الإسلام خمس لا يقبل بعضه دون بعض، فاعلم ذلك إن شاء الله
Shafi da ba'a sani ba
5 -
قال حدثنا الآجري قال أخبرنا الفريابي قال: أخبرنا إسحاق بن راهويه قال: أخبرنا النضر بن شميل قال: حدثنا كهمس بن الحسن قال: حدثنا عبد الله بن بريدة عن يحيى بن يعمر قال: " كان أول من قال في هذا القدر بالبصرة معبد الجهني، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن حاجين أو معتمرين قال: فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر، فوافقنا عبد الله بن عمر داخل المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي، أحدنا عن يمينه والآخر عن يساره فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت له: يا أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا أناس يقرءون القرآن، ويتقفرون
[ص: 85]
العلم، ويزعمون أن لا قدر، وأن الأمر أنف قال: فإذا لقيتموهم فأخبروهم أني منهم برئ وأنهم مني برآء، والذي يحلف به عبد الله بن عمر، لو كان لأحدهم ملء الأرض ذهبا فأنفقه في سبيل الله ما قبل الله عز وجل منه ذلك حتى يؤمن بالقدر ثم قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه أحد منا حتى جلس إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه ثم قال: يا محمد
أخبرني عن الإسلام، وما الإسلام؟ قال: «أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله،
وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا» قال: صدقت قال فعجبنا أنه يسأله ويصدقه , قال: فأخبرني عن الإيمان قال: «أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره» قال:
[ص: 86]
صدقت قال: فعجبنا أنه يسأله ويصدقه قال: فأخبرني عن الإحسان قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» قال: صدقت قال: فأخبرني عن الساعة قال: «ما المسئول عنها بأعلم من السائل» قال عمر رضي الله عنه: فلبثت ثلاثا، ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عمر هل تدري من السائل؟» فقلت: الله ورسوله أعلم قال: «فإنه جبريل عليه السلام، أتاكم يعلمكم أمر دينكم» قال محمد بن الحسين: اعلم رحمنا الله وإياك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلمك في هذا الحديث أن جبريل عليه السلام إنما سأل
[ص: 87]
النبي صلى الله عليه وسلم بحضرة أصحابه إنما أراد أن يعلمهم أمر دينهم، فينبغي للمسلمين أن يعلموه، وأما قوله وسؤاله عن الإسلام فقد بينا لك في الحديث الذي قبله، وأما الإيمان فواجب على كل مسلم أن يؤمن بالله عز وجل، وبجميع ملائكته، وبجميع كتبه التي أنزلها الله على رسله، وبجميع أنبيائه، وبالموت، وبالبعث، من بعد الموت، وبالجنة والنار، وبما جاءت به الآثار في أحاديث أخر، مثل أن يؤمن بالصراط، والميزان، وبالحوض، والشفاعة، وبعذاب القبر، وبقوم يخرجون من النار فيدخلون الجنة، وبالساعة، وأشباه لهذا مما يؤمن به أهل الحق من أهل العلم، ويجحد بها أهل الأهواء والبدع والضلالة ممن حذرناهم النبي صلى الله عليه وسلم، وحذرناهم الصحابة، والتابعون لهم بإحسان، وعلماء المسلمين، ويؤمن بالقدر خيره وشره، ويبرأ ممن لم يؤمن بالقدر خيره وشره كما تبرأ ابن عمر منه. وقوله: «وأخبرني عن الإحسان» قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» فاعلم أنه من عبد الله عز وجل فيعلم أن الله عز وجل
[ص: 88]
مطلع على عمله، يعلم سره وعلانيته، ويعلم ما تخفي من عملك وما تبديه، وما تريد بعلمك ألله تريد أم غيره؟، {يعلم السر وأخفى} [طه: 7] ، {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} [غافر: 19] ، {يعلم ما أنتم عليه} [النور: 64] فاحذروه، فمن راعى هذه بقلبه وبعلمه خشي من الله عز وجل وخافه وعبده كما أمره، فإن كنت عن هذه المراعاة في غفلة فإنه يراك، ثم إليه مرجعك فينبئك بما كنت تعمله، فاحذر الغفلة في عبادتك إياه، واعبده كما أمرك لا كما تريد، واستعن به، واعتصم به، فإنه لا يقطع من لجأ إليه وقد ضمن لمن اعتصم به أن يهديه إلى صراط مستقيم
Shafi da ba'a sani ba
6 -
حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني قال: حدثنا محمد بن الصباح الدولابي قال: حدثنا إسماعيل بن زكريا، عن الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدق
: " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ليلة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم
يبعث الله عز وجل إليه ملكا فيؤمر بأربع كلمات: فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح فإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار
[ص: 90]
فيدخل النار، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها " قال محمد بن الحسين: فينبغي لك أيها السائل أن تعلم أن الله عز وجل قد فرغ من أرزاق العباد، وأن كل عبد مستوف رزقه لا يزيد فيه ولا ينقص منه وكذا قد فرغ من الآجال، لا يزداد أحد على أجله ولا ينتقص منه حتى يأتيه آخر أجله، وكذا كتب الله عز وجل عمله الذي يعمل خيرا كان أو شرا، وكتبه شقيا أو سعيدا، فكل العباد يسعون في أمر قد فرغ منه، والإيمان بهذا واجب، ومن لم يؤمن به كفر
Shafi da ba'a sani ba
7 -
حدثنا الآجري قال حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: " كنا في جنازة في بقيع الغرقد قال: فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة، فنكس رأسه فجعل ينكت بمخصرته، ثم قال: «ما منكم من نفس
[ص: 92]
منفوسة إلا وقد كتب مكانها من الجنة والنار، وإلا وقد كتبت شقية أو سعيدة» فقال رجل: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، فمن كان منا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان منا من أهل الشقاء فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة؟ فقال: «اعملوا، فكل ميسر لعمله، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة» ثم قرأ { «فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى، وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى» } [الليل: 6] قال محمد بن الحسين: فاعلم رحمك الله أن الإيمان
[ص: 93]
بهذا واجب، قد أمر العباد أن يعملوا بما أمروا من طاعة الله، وينتهوا عما نهوا عنه من المعصية، والله بعد ذلك موفق من أحب لطاعته ومقدر معصيته على من أراد غير ظالم لهم، {يضل من يشاء ويهدي من يشاء} [النحل: 93] ، {لا يسأل عما يفعل وهم يسألون} [الأنبياء: 23] ، أحب من عباده الطاعة وأمر بها، فكانت بتوفيقه، وزجر عن المعصية وأراد كونه غير محب لها ولا آمرا بها، تعالى عز وجل عن أن يأمر بالفحشاء، وجل أن يكون في ملكه ما لا يريد. هذا، رحمك الله، طريق أهل العلم من الصحابة، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان، وأئمة المسلمين. قال ابن عباس: «القدر نظام التوحيد، فمن آمن بالله وصدق بالقدر فهي العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن آمن بالله وكذب بالقدر كان تكذيبه للقدر نقصا منه لتوحيده»
Shafi da ba'a sani ba
8 -
حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال: حدثنا داود بن رشيد قال: أخبرنا الوليد بن مسلم، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي، وحجر الكلاعي قالا: «دخلنا على العرباض بن سارية وهو من الذين نزل فيهم {» ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه "} [التوبة: 92] الآية، دخلوا عليه وهو مريض قال: فقلنا له: إنا جئناك زائرين وعائدين
[ص: 95]
ومقتبسين، فقال عرباض: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بنا صلاة الغداة، ثم أقبل علينا فوعظنا بموعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائل: يا رسول الله إن هذه لموعظة مودع، فما تعهد إلينا؟ قال
: «أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإن كان عبدا حبشيا، فإنه من يعش منكم بعدي سيرى اختلافا
كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» قال محمد بن الحسين: في هذا الحديث علوم كثيرة يحتاج إلى علمها جميع المسلمين ولا يسعهم جهله، منها أنه أمرهم صلى الله عليه وسلم بما أمرهم الله عز وجل بتقواه، ولا يعلمون بتقواه إلا بالعلم قال
[ص: 96]
بعض الحكام: كيف يكون متقيا من لا يدري ما يتقي، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «لا يتجر في أسواقنا إلا من قد فقه في دينه، وإلا أكل الربا» قلت: فعلى جميع المسلمين أن يتقوا الله عز وجل في أداء فرائضه، واجتناب محارمه، ومنها أنه أمرهم بالسمع والطاعة لكل من ولي عليهم من عبد أسود وغير أسود، ولا تكون الطاعة إلا بالمعروف، لأنه أعلمهم أنه سيكون اختلاف كثير بين الناس، فأمرهم بلزوم سنته وسنة أصحابه الخلفاء الراشدين المهديين، وحثهم على أن يتمسكوا بها التمسك الشديد، مثل ما يعض الإنسان بأضراسه على الشيء يريد أن لا يفلت منه، فواجب على كل مسلم أن يتبع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يعملوا أشياء إلا بسنته وسنة الخلفاء الراشدين بعده: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم أجمعين، وكذا لا يخرج عن قول صحابته رحمة الله عليهم،
[ص: 97]
فإنه يرشد إن شاء الله. ومنها أنه حذرهم البدع وأعلمهم أنها ضلالة، فكل من عمل عملا أو تكلم بكلام لا يوافق كتاب الله عز وجل، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسنة الخلفاء الراشدين، وقول صحابته رضي الله عنهم فهو بدعة، وهو ضلالة، وهو مردود على قائله أو فاعله، ومنها أن عرباض بن سارية قال: «وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب» قال محمد بن الحسين: فميزوا هذا الكلام، لم يقل: صرخنا من موعظة، ولا زعقنا، ولا طرقنا على رءوسنا، ولا ضربنا على صدورنا، ولا زفنا، ولا رقصنا كما فعل كثير من الجهال، يصرخون عند المواعظ ويزعقون، وينغاشون، وهذا كله من الشيطان يلعب بهم، وهذا كله بدعة وضلالة، يقال لمن فعل هذا: اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أصدق الناس موعظة، وأنصح الناس لأمته، وأرق الناس قلبا، وأصحابه أرق الناس قلوبا، وخير الناس ممن جاء بعدهم، ولا يشك في هذا عاقل، ما صرخوا عند موعظته، ولا زعقوا، ولا رقصوا،
[ص: 98]
ولا زفنوا، ولو كان هذا صحيحا لكانوا أحق الناس بهذا أن يفعلوه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنه بدعة وباطل ومنكر، فاعلم ذلك، فتمسكوا رحمكم الله بسنته، وسنة الخلفاء من بعده الراشدين المهديين، وسائر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
Shafi da ba'a sani ba
9 -
حدثنا أبو بكر الآجري، قال أخبرنا أبو بكر بن أبي داود قال: حدثنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو المصري قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني حيوة بن شريح، عن عقيل بن خالد، عن سلمة بن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " كان الكتاب الأول نزل من باب واحد، وعلى وجه واحد
، ونزل القرآن من سبعة أبواب، على سبعة أحرف: زاجر، وآمر، وحلال، وحرام، ومحكم، ومتشابه،
وأمثال، فأحلوا حلاله، وحرموا حرامه، وافعلوا ما أمرتم، وانتهوا عما نهيتم، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، وقولوا: آمنا
[ص: 100]
به كل من عند ربنا " قال محمد بن الحسين: اعلم رحمك الله أنه ينبغي لك أن تعلم أن القرآن نزل جملة في ليلة القدر في شهر رمضان إلى سماء الدنيا إلى بيت العزة، ثم نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في نيف وعشرين سنة، ومعنى على سبعة أحرف يعني على سبع لغات: كان النبي صلى الله عليه وسلم يلقن كل قبيلة على ما تحمل من لغتها، فلا ينبغي أن يعيب بعضهم قراءة غيره، بل واجب على كل من التقن بحرف أن يلزمه ويحفظه، ولا يعيب على غيره ما قد التقن، فلا يجاوز ما في مصحف عثمان
[ص: 101]
رضي الله عنه، فيحلوا حلاله، ويحرموا حرامه، ولن يدرك علم هذا كله إلا بالسنن، لأن السنن تبين مراد الله عز وجل فيما أمر به العباد ونهاهم عنه، ألم تسمع إلى قول الله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} [النحل: 44] فقد بين صلى الله عليه وسلم لأمته ما أحله لهم، وما حرمه عليهم، وما فرض عليهم، فمن أراد أن يعلم الحلال من الحرام لزم السنن، وذلك أمر الله عز وجل له وبطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى، وحذر من خالفه بقوله عز وجل {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} [النور: 63] ثم يؤمن بمتشابه القرآن، ولا يماري فيه، ولا يجادل، فإن الله تعالى قد حذرك عن ذلك، وتعتبر بأمثاله، وتعمل بمحكمه، وتؤمن بجميع ما فيه، واعلم أن في القرآن ناسخا ومنسوخا، فاسأل عنه العلماء على وجه التعلم لا على وجه الجدل والمراء قال الله تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله} [آل عمران: 7] واعلم
[ص: 102]
رحمك الله أن الآيات المحكمات قال ابن عباس: «ناسخه ومنسوخه، وحلاله وحرامه، وفرائضه وحدوده، وما يؤمر به، وما يعمل به ويدان به» ، وهذا طريق فقهاء المسلمين، وقوله عز وجل: {هن أم الكتاب} [آل عمران: 7] قال سعيد بن جبير: «هن أصل الكتاب، وإنما سماهن الله عز وجل» أم الكتاب «لأنهن مكتوبات في جميع الكتاب» ، وقال مجاهد: «وأخر متشابهات» قال: يصدق بعضه بعضا "
Shafi da ba'a sani ba
10 -
حدثنا أبو بكر قال حدثنا الفريابي قال: حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وحدثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال: وحدثنا أبو بكر قاسم بن زكريا المطرز قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم المروزي قال: حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عبد الرحمن بن حميد بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: «أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير
في الجنة، وعبد الرحمن في الجنة، وسعد وسعيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة»
[ص: 104]
قال محمد بن الحسين: فواجب على المسلمين أن يشهدوا لمن شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا شهد لهم فقد أحبهم، ومن أحب هؤلاء وشهد لهم بالجنة سلم جميع الصحابة منه، ويشهد لهم بالخلافة، أولهم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضي الله عنهم، فهؤلاء الذين قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يجتمع حب هؤلاء الأربعة إلا في قلب مؤمن: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم " قال محمد بن الحسين: اعلم رحمك الله: من أحب أبا بكر فقد أقام الدين، ومن أحب عمر فقد أوضح السبيل، ومن أحب عثمان
[ص: 105]
فقد استنار بنور الله عز وجل، ومن أحب علي بن أبي طالب فقد استمسك بالعروة الوثقى، ومن قال الحسنى في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد برئ من النفاق
Shafi da ba'a sani ba
11 -
حدثنا أبو بكر الآجري قال أخبرنا خلف بن عمرو العكبري قال: حدثنا الحميدي وهو عبد الله بن الزبير قال: أخبرنا محمد بن طلحة التيمي قال: حدثنا عبد الرحمن بن سالم بن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
: «إن الله عز وجل اختارني واختار لي أصحابا، فجعل لي منهم وزراء وأنصارا وأصهارا، فمن سبهم
فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة لا صرفا ولا عدلا»
[ص: 107]
قال محمد بن الحسين: فمن سمع فنفعه الله الكريم بالعلم أحبهم أجمعين: المهاجرين والأنصار وأصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم: من تزوج إليهم، ومن زوجهم، وجميع أهل بيته الطيبين، وجميع أزواجه، واتقى الله الكريم فيهم، ولم يسب واحدا منهم، ولم يذكر ما شجر بينهم، وإذا سمع أحدا يسب أحدا منهم نهاه وزجره ونصحه، فإن أبى هجره ولم يجالسه. فمن كان على هذا مذهبه رجوت له من الله الكريم كل خير في الدنيا والآخرة.
Shafi da ba'a sani ba
12 -
حدثنا أبو بكر الآجري , قال أخبرنا أبو العباس أحمد بن عيسى بن سكين البلدي قال: أخبرنا علي بن حرب الموصلي قال: حدثني عبد السلام بن صالح الخراساني قال: حدثنا الرضا علي بن موسى عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإيمان قول باللسان، وعمل بالأركان، ويقين بالقلب»
[ص: 110]
قال محمد بن الحسين: هذا الحديث أصل كبير في الإيمان عند فقهاء المسلمين قديما وحديثا، وهو موافق لكتاب الله عز وجل، لا يخالف هذا الأمر إلا مرجئ خبيث مهجور مطعون عليه في دينه، وأنا أبين معنى هذا ليعلمه جميع من نظر فيه نصيحة للمؤمنين.
[ص: 111]
اعلموا رحمنا الله وإياكم أن الذي عليه علماء المسلمين أن الإيمان واجب على جميع الخلق، وهو التصديق بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالجوارح، ثم اعلموا رحمنا الله وإياكم أنه لا تجزئ المعرفة بالقلب وهو التصديق إلا أن يكون معه إيمان باللسان، وحتى يكون معه نطق، ولا تجزئ معرفة بالقلب والنطق باللسان حتى يكون معه عمل بالجوارح، فإذا كملت فيه هذه الخصال الثلاثة كان مؤمنا وحقا، دل على ذلك الكتاب، والسنة، وقول علماء المسلمين، وأما ما لزم القلب من فرض الإيمان فقول الله تعالى عز وجل في سورة المائدة: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم} [المائدة: 41] إلى قوله عز وجل: {لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم} [البقرة: 114] وقال عز وجل: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم الآية}
[ص: 112]
وقال عز وجل في سورة الحجرات: {قالت الأعراب آمنا، قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا أسلمنا، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم} [الحجرات: 14] ، فهذا يدلك على أن على القلب فرض الإيمان وهو التصديق والمعرفة ، ولا ينفع القول إذا لم يكن القلب مصدقا بما ينطق به اللسان مع العمل، وأما فرض الإيمان باللسان فقول الله عز وجل في سورة البقرة: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، ويعقوب، والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتي النبيون، من ربهم لا نفرق بين أحد منهم، ونحن له مسلمون فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا، وإن تولوا فإنما هم في شقاق} الآية، وقال عز وجل في سورة آل عمران: {قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط} الآية، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأني رسول الله. . .» وذكر الحديث، فهذا الإيمان باللسان نطقا واجبا، وأما الإيمان بما فرض الله على الجوارح تصديقا لما آمن به القلب ونطق به اللسان، فقول الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} [الحج: 77]
[ص: 113]
وقال عز وجل: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} [البقرة: 43] في غير موضع من القرآن، ومثله فرض الصيام على جميع البدن، ومثله فرض الحج، وفرض الجهاد على البدن بجميع الجوارح، فالأعمال بالجوارح تصديق على الإيمان بالقلب واللسان فمن لم يصدق الإيمان بعمله بجوارحه مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد وأشباه لهذه، ومن رضي لنفسه بالمعرفة والقول دون العمل لم يكن مؤمنا، ولم تنفعه المعرفة والقول، وكان للعمل تكذيبا منه لإيمانه، وكان العلم بما ذكرنا تصديقا منه لإيمانه، فاعلم ذلك هذا مذهب علماء المسلمين قديما وحديثا، فمن قال غير هذا فهو مرجئ خبيث، احذره على دينك، والدليل على هذا قول الله عز وجل: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} [البينة: 5]
Shafi da ba'a sani ba
13 -
حدثنا الآجري , قال حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي قال: حدثني أبو بكر بن زنجويه قال: حدثنا محمد بن يوسف الفريابي قال: حدثنا سفيان الثوري، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم قال الآجري، وأخبرنا أبو عبد الله أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال: أخبرنا الهيثم بن خارجة قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن عبد الله بن يزيد، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: «ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل؛ تفرق بنو إسرائيل على ثنتين وسبعين ملة، وستفترق
أمتي على ثلاث وسبعين ملة، تزيد عليهم واحدة، كلها في النار إلا ملة واحدة» قالوا: من هذه الملة الواحدة؟ قال:
[ص: 115]
«ما أنا عليه وأصحابي» وهذا لفظ حديث الصوفي
[ص: 116]
قال محمد بن الحسين: فالمؤمن العاقل يجتهد أن يكون من هذه الملة الناجية باتباعه لكتاب الله عز وجل، وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم، وسنن أصحابه رحمة الله عليهم، وسنن التابعين بعدهم بإحسان، وقول أئمة المسلمين ممن لا يستوحش من ذكرهم، مثل سفيان الثوري، والأوزاعي، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيد القاسم بن سلام، ومن كان على طريقهم من الشيوخ، فما أنكروه أنكرناه، وما قبلوه وقالوا به قبلناه وقلنا به، ونبذنا ما سوى ذلك
Shafi da ba'a sani ba