بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي هدانا عند تفرق الأهواء للتمسك بالثقلين: كتاب الله، والعترة الطاهرة، وألهمنا عند تشعب (1) المذاهب والآراء التشبث (2) بالعروة الوثقى والحجة الظاهرة، وغرس في حدائق قلوبنا غرائس ألطافه، فما زالت حجتنا دامغة للعقائد البائرة، مدحضة للمذاهب الحائرة، وغذانا في عالم ألست بربكم (3) بأغذية محبة أهل البيت، وخلقنا من فاضل طينتهم الفاخرة.
والصلاة على محمد ذي المعاجز الباهرة، والبراهين القاهرة، والمعالم العامرة، والأعراق الطاهرة، والأخلاق الزاهرة، وآله النجوم السائرة، والأفلاك الدائرة.
أما بعد: فيقول الفقير إلى اللطف السبحاني، المعتصم بالامداد الرباني أبو الحسن سليمان بن عبد الله البحراني (4): إن الله سبحانه وله الحمد هداني إلى الصراط المستقيم، وسلك بي المنهاج القويم، والسبيل المقيم، ووفقني عند اختلاف الأهواء واضطراب الآراء للتمسك بأهل بيت نبيه الطاهرين، وأيدني بعناياته الربانية، فلم
Shafi 23
أزل أتدرج في مدارج اليقين.
وقد وفقني الله سبحانه لمطالعة جملة من كتب المخالفين وأصحتهم، وملاحظة طائفة من دساتير هؤلاء المخذولين، ومصنفات أجلتهم، مثل معجم أبي القاسم الطبراني (1)، ومطالب السؤول لكمال الدين محمد بن طلحة الشامي الشافعي (2)، والفصول المهمة لنور الدين علي بن محمد المكي المالكي (3)، وكفاية الطالب للشيخ أبي عبد الله محمد بن يوسف الكنجي الشافعي (4)، والصواعق المحرقة لابن حجر
Shafi 24
المكي، (1) وفرائد السمطين للحموي (2)، وجامع الأصول لابن الأثير (3) الجزري الشافعي (4)، وغيرها.
فوجدتها مشتملة على أحاديث، فخرجتها (2) غير كاذب، وعددها يفوت وهم الحاذق والحاسب، تصرح بامامة مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) وخلافته، وتنادي بجلالة قدره وعظمته، وتخبر بأن التمسك بالعترة الطاهرة موجب للفوز في الآخرة، وأنهم كسفينة نوح وباب حطة، وناهيك بها منقبة فاخرة، ومكرمة واضحة ظاهرة.
فأحببت أن أجمع مختصرا محتويا على لمع من الأخبار، مشتملا على غرر من تلك الآثار.
هذا وأفواج العوائق المتراكمة تمنع عن تحقيق المرام، وأمواج العلائق المتلاطمة تحجب عن نيل ذلك المقام، والدهر يماطل كما يماطل الغريم، وحوادث الأقدار لا تنام ولا تنيم.
فذكرت - بتوفيق الله عز مجده وسلطانه - طائفة من تلك الأخبار في هذه
Shafi 25
الرسالة، ورسمت جملة مقنعة من تلك الآثار في هذه المقالة.
واخترت منها أربعين حديثا، عملا بما ورد عنه (صلى الله عليه وآله) من قوله: (من حفظ على أمتي أربعين حديثا (1) مما يحتاجون إليه في أمور دينهم، بعثه الله عز وجل يوم القيامة فقيها عالما) (2).
وهذا الحديث مستفيض بين الفريقين، مشهور عند القبيلتين، بل نظمه بعضهم في سلك الأخبار المتواترة، ورواه بمتون متقاربة وأسانيد متغايرة (3).
ثم اني ذكرت في ذيل أكثرها أخبارا اخر بمعناها، ونبهت في معظمها على وجه دلالتها، وحقيقة مغزاها، وأطلقت عنان القلم في بعضها حق الاطلاق، وسجلت (4) على المخالفين في دفع ترهاتهم (5) الغير الرائجة عند الجهابذة الحذاق.
وحيث خرج - بتوفيق الله - من القوة إلى الفعل، وحان حين ختامه، وبرزت أزهاره من أكمامه، أحببت أن يعلو قدره، ويسموا في سماء الرفعة بدره.
Shafi 26
فرسمت على صفائح سبيكته سامي ألقاب من ألقى إليه الملك مقاليده، وملكه المجد طريفه وتليده (1)، وسمت باسمه رؤوس المنابر في الآفاق، واستوى في سماء الرفعة على سرير الملك بالإرث والاستحقاق المخصوص من العناية السبحانية بالنفس القدسية، المكرم من الحضرة الربانية بالألطاف الخفية، والرئاسة الانسية، مزيح ظلم الظلم عن بساط البسيطة بكواكب مواكبه، ومجلي غمام الغموم بشموس غرائب الرغائب من نفائس مواهبه.
إذا تغلغل فكر المرئ في طرف * من مجده غرقت فيه خواطره حلو خلائقه شوس حقائقه * تحصى الحصى قبل أن تحصى مآثره وليس بدعا فان البحر راحته * جودا وان عطاياه جواهره أعظم ملوك الأرض شأنا، وأعلاهم منزلا ومكانا، الذي تفتخر أعاظم السلاطين باستلام سدة بابه، وتتبجح (2) أكابر الخواقين بتعفير الوجوه على تراب أعتابه، وهو السلطان بن السلطان بن السلطان، أبو المظفر شاه سلطان حسين بها درخان، خلد الله سبحانه على مفارق الأنام ظل سلطنته القاهرة، وأطلع في سماء الرفعة والجلال شموس إقباله الزاهرة، وأجرى آثار معاليه على صفحات الأيام، وربط أطناب دولته بأوتاد الخلود والدوام.
وخدمت به حضرته العلية التي تطوف بكعبتها الرجال، وتشد إليها الرحال، ولا زالت محط رحال الأكابر والأفاضل، ومخيم أرباب الماثر والفضائل.
فان صادف من الحضرة السلطانية محل القبول، فهو حري بأن يسير في الآفاق مسير الصبا والقبول، والله سبحانه أسأل أن يديم بهجة الدنيا بدوام أيامه وإدامة انعامه، وأن يجعل دولته المنيعة ممتدة الأطناب، مرتفعة الأعلام، إلى ظهور
Shafi 27
الصاحب المنتظر (ع)، انه تعالى القادر على ما يشاء، وبيده أزمة الأشياء، وهو حسبي ونعم الوكيل.
الحديث الأول [حديث من كنت مولاه فعلي مولاه] روى أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني (1) في معجمه، وهو عندي بنسخة صحيحة جدا (2)، قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن كيسان الثقفي المدني الاصفهاني سنة تسع وتسعين ومائتين، حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي، حدثنا مسعر، عن طلحة بن مصرف، عن عمير بن سعد، قال: شهدت عليا على المنبر ناشدا (3) أصحاب رسول الله (ص): من سمع رسول الله (ص) يقول يوم غدير خم ما قال؟ فليشهد، فقام إثنا عشر رجلا منهم أبو هريرة وأنس بن مالك، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله (ص) يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد
Shafi 28
من عاداه (1).
أقول: هذا من الأحاديث المشهورة (2)، وقوله صلى الله عليه وآله (من كنت مولاه فعلي مولاه) من الأخبار المستفيضة التي لم ينفرد أحد بايرادها دون أحد، بل أوردوها أصحاب الأصحة جميعهم بطرق متعددة ومتون متقاربة حتى نزلت منزلة المتواتر الذي لا يتداخله الريب، ولا يتطرق إليه اللبس، بل هومن أعلى مراتبه عند التحقيق، كما يشهد به الاستقراء والتتبع لمسانيد الخصوم وأصحتهم (1).
روى أحمد بن حنبل، وهو من عمدة محدثي القوم وأحد أئمتهم في مسنده، وموفق الخوارزمي (4) في مناقبه، عن ابن عباس، عن بريدة الأسلمي، قال: غزوت مع علي (ع) إلى اليمن، فرأيت منه جفوة، فقدمت على النبي (صلى الله عليه وآله)، فذكرت عليا (ع) فنقصته، فرأيت وجه رسول الله (ص) قد تغير، وقال: يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم (5)؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فعلي
Shafi 29
مولاه (1).
وروى أحمد بن حنبل أيضا في مسنده، عن ابن عباس، عن بريدة الأسلمي، قال: بعثنا النبي (ص) مع علي في سرية (2)، فلما قدمنا قال: كيف رأيتم صحابة صاحبكم؟ قال: فأنا شكوته أو شكاه غيري، فرفعت رأسي وكنت رجلا مكبابا (3)، فإذا النبي (ص) قد احمر وجهه، قال هو يقول: من كنت وليه فعلي وليه (4).
وروى الترمذي في صحيحه - وهو من عظماء القوم وأساطين محدثيهم - عن عمران بن الحصين، قال: بعث النبي (صلى الله عليه وآله) جيشا، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب (ع)، فمشي في السرية وأصاب جارية، فأنكروا عليه، وتعاقد عليه أربعة من أصحاب رسول الله (ص)، فقالوا: إذا لقينا النبي (صلى الله عليه وآله) أخبرناه بما صنع علي، وان المسلمون إذا رجعوا من سفر بدأوا بالنبي (صلى الله عليه وآله) فسلموا عليه، ثم انصرفوا إلى رحالهم.
فلما قدمت السرية سلموا على النبي (صلى الله عليه وآله)، فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله ألم تر إلى علي بن أبي طالب صنع كذا وكذا، فأعرض عنه النبي (صلى الله عليه وآله)، فقام الثاني فقال مثل مقالته، فأعرض عنه، ثم قام الثالث فقال مثل مقالتهما، فأعرض عنه، ثم قام الرابع فقال مثل ما قالوا، فأقبل النبي (صلى الله عليه وآله) والغضب يعرف في وجهه وقال: ما
Shafi 30
تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي (1)؟ ان عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي (2).
وروى أحمد بن حنبل في المسند المذكور عن بريدة، قال: بعث النبي (صلى الله عليه وآله) بعثين (3) إلى اليمن، على أحدهما علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وعلى الاخر خالد بن الوليد، فقال صلى الله عليه وآله: إذا التقيتم فعلي على الناس، وإذا افترقتما فكل واحد منكما على جنده.
قال: فلقينا زبيد (4) من أهل اليمن فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة، وسبينا الذرية، فاصطفى علي من السبي امرأة لنفسه، قال بريدة
Shafi 31
كتب معي خالد بن الوليد إلى النبي (صلى الله عليه وآله) يخبره بذلك.
فلما أتيت النبي (صلى الله عليه وآله) دفعت الكتاب فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجهه، فقلت: يا رسول الله هذا مكان العائذ بك، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه ففعلت ما أرسلت به، فقال: يا بريدة لا تقع في علي، فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي (1).
وهذه الأخبار صريحة في إمامته وخلافته، وظاهرة في تعيينه للخلافة، لا ينكرها الامن يريد تغطئه وجه الحق بالخلف، وستر نور الشمس بالكف (2)
Shafi 32
وليس يصح في الأفهام شئ * إذا احتاج النهار إلى دليل ولنعم ما قال الفاضل الجليل والوزير السعيد بهاء الدين علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي (1)، من عظماء علمائنا، في كتابه كشف الغمة، وهو كتاب حسن لم يعمل مثله.
حيث قال ما نصه: ومن أغرب الأشياء وأعجبها أنهم يقولون: انه (صلى الله عليه وآله) قال في مرضه: مروا أبا بكر يصلي بالناس، وهو نص (2) في توليته الأمر، وتقليده أمر
Shafi 33
الأمة، وهو على تقدير صحته لا يدل على ذلك، ومتى سمعوا حديثا في أمر علي (عليه السلام) نقلوه على وجهه وصرفوه عن مدلوله، فأخذوا في تأويله بما هو أبعد محتملاته، منكبين (1) عن المفهوم من صريحه، وطعنوا في راويه وضعفوه، وإن كان من أعيان رجالهم، وذوي الأمانة في غير ذلك عندهم (2) انتهى ملخصا.
وسيأتي بسط الكلام في خبر الغدير، واستيفاء البحث فيه، وتقرير دلالته على إمامته (عليه السلام) في الحديث الخامس عشر إن شاء الله تعالى.
الحديث الثاني [قوله (صلى الله عليه وآله) هؤلاء حامتي وأهل بيتي] أبو القاسم الطبراني في معجمه، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن مجاهد الاصفهاني، حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان، حدثنا زافر، عن طعمة بن عمرو الجعفري (3)، عن أبي الجحاف (4) داود بن أبي عوف، عن شهر بن حوشب، قال: لقيت أم سلمة أعزيها على الحسين بن علي (عليهما السلام).
فقالت: دخل علي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فجلس على منامة لنا، فجاءت فاطمة بشئ فوضعته، فقال: ادعي لي حسنا وحسينا وابن عمك عليا، فلما اجتمعوا عنده قال: هؤلاء حامتي وأهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا (5).
Shafi 34
أقول: المنامة (1) هنا الدكان، وفي غيره هو القطيفة ، قاله الهروي في كتاب الغريبين.
والقطيفة: دثار مخمل، قاله الجوهري في صحاحه (2).
والخمل: هدب القطيفة، ونحوها أخملها جعلها ذات خمل، قاله الفيروزآبادي في القاموس (3).
والحامة بالحاء المهملة وتشديد الميم: خاصة الرجل من أهله وولده.
الحديث الثالث [نزول آية التطهير في أصحاب الكساء (ع):] الطبراني في الكتاب المذكور، قال: حدثنا الحسن بن أحمد بن حبيب الكرماني بطرسوس، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا عمار بن محمد، عن سفيان الثوري، عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري (4)، في قوله عز وجل (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (5) قال: نزلت في خمسة: في رسول الله صلى الله عليه وآله،
Shafi 35
وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين رضي الله عنهم (1).
أقول: الأخبار في هذا المعنى كثيرة جدا (2).
روى أحمد بن حنبل في المناقب عن أبي سعيد الخدري نحوه (3).
وروى مسلم في صحيحه عن عائشة (4)، قالت: خرج النبي صلى الله عليه وآله ذات غداة وعليه مرط مرحل (5) من شعر أسود، فجاء الحسن بن علي (عليهما السلام) فأدخله فيه، ثم جاء الحسين (عليه السلام) فأدخله فيه، ثم جاءت فاطمة عليها السلام فأدخلها فيه، ثم جاء علي (عليه السلام) فأدخله فيه، ثم قال (عليه السلام): (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (6).
وروى أحمد بن حنبل في مسنده عن أم سلمة، قالت: بينا رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيتي إذ قال الخادم (7): ان عليا وفاطمة بالسدة، قالت: فقال: قومي فتنحي عن أهل بيتي.
قالت: فقمت فتنحيت عن البيت قريبا، فدخل علي والحسن والحسين:
Shafi 36
وهما صغيران، فوضعهما في حجره فقبلهما، واعتنق عليا بإحدى يديه، وفاطمة باليد الأخرى، وقبل فاطمة وقبل عليا، وأغدق (1) عليهم خميصة (2) سوداء، وقال: اللهم إليك لا إلى النار وأهل بيتي، قالت أم سلمة فقلت: وأنا يا رسول الله، قال: وأنت على خير (3).
وأورده الشيخ نور الدين علي بن محمد المعروف بابن الصباغ المكي المالكي، نقلا عن المسند في الفصول المهمة (4)، والفاضل الأربلي في كشف الغمة (5).
وروى أحمد أيضا عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يمر بباب فاطمة عليها السلام ستة أشهر إذا خرج إلى الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا (6).
قال الحاكم في المستدرك: هذا حديث صحيح الاسناد على شرط مسلم ولم يخرجه (7).
وروى أحمد في المسند باسناده عن شداد بن عمارة، قال: دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم، فذكروا عليا (عليه السلام) وشتموه وشتمته معهم، فلما قاموا قال لي: لم شتمت هذا الرجل؟ قلت: رأيت القوم شتموه فشتمته.
قال: ألا أخبرك بما رأيت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ فقلت: بلى، قال: أتيت فاطمة
Shafi 37
عليها السلام أسألها عن علي (عليه السلام) فقالت: توجه إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، فجلست أنتظره حتى جاء النبي (صلى الله عليه وآله)، فجلس ومعه فاطمة وحسن وحسين آخذا كل واحد منهما بيده حتى دخل، فأدنى عليا (عليه السلام) وفاطمة عليها السلام، فأجلسهما بين يديه وأجلس حسنا وحسينا كل واحد منهما على فخذه، ثم لف عليهم ثوبه - أو قال:
كساء - ثم تلا هذه الآية (إنما يريد الله) الآية (1).
وذكر الترمذي في جامعة: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان من وقت نزول هذه الآية إلى قريب ستة اشهر إذا خرج إلى الصلاة يمر بباب فاطمة عليها السلام ثم يقول (صلى الله عليه وآله):
(إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) الآية (2).
وروى الترمذي أيضا في الجامع عن عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: نزلت هذه الآية على رسول الله (صلى الله عليه وآله) (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) الآية، في بيت أم سلمة، فدعا النبي صلى الله عليه وآله فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء، وعلى (عليه السلام) خلف ظهره، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل البيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قالت أم سلمة: وانا معهم يا رسول الله، قال: أنت على مكانك وأنت على خير (3).
وروى الترمذي أيضا عن أم سلمة ان النبي (صلى الله عليه وآله) جلل الحسن والحسين وفاطمة كساء، وقال: اللهم هؤلاء أهل البيتي وحامتي اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قالت أم سلمة: وانا معهم يا رسول الله؟ قال: انك على خير. ثم قال الترمذي: هذا حسن صحيح (4).
Shafi 38
وأخرج معناه الحاكم في المستدرك انها نزلت في بيت أم سلمة إلى اخره، وقال:
هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجه (1).
وروى الواحدي من عظمائهم في كتابه المسمى بأسباب النزول يرفعه بسنده إلى أم سلمة رضي الله عنها انها قالت: كان النبي (صلى الله عليه وآله) في بيتها يوما، فاتته فاطمة ببرمة فيها عصيدة (2)، فدخلت بها عليه، فقال لها: ادعي زوجك وابنيك.
فجاء علي والحسن والحسين (عليهم السلام)، فدخلوا وجلسوا يأكلون والنبي صلى الله عليه وآله جالس على دكة تحته كساء خيبري، قالت: وانا في الحجرة قريبا منهم، فاخذ النبي (صلى الله عليه وآله) الكساء فغشاهم به، ثم قال: اللهم هؤلاء أهل البيتي وخاصتي، فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
قالت: فأدخلت رأسي البيت وقلت: انا معكم يا رسول الله؟ قال: انك إلى خير، فأنزل الله تبارك وتعالى (إنما يريد الله ليذهب) الآية (3).
وروى أحمد بن حنبل في مسنده باسناده إلى شهر بن حوشب، عن أم سلمة ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لفاطمة: اتيني بزوجك وابنيك، فجاءت بهم فالقى عليهم كساء فدكياء (4)، قالت: ثم وضع يده عليهم وقال: ان هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وال محمد انك حميد مجيد، قالت أم سلمة: فرفعت
Shafi 39
الكساء لادخل معهم فجذبه من يدي وقال: انك على خير (1).
وروى أيضا باسناده عن عطاء بن أبي رياح، قال: حدثني من سمع أم سلمة تذكر ان النبي (صلى الله عليه وآله) كان في بيتها، فاتته فاطمة عليها السلام ببرمة فيها حريرة (2) فدخلت بها عليه، فقال: لي زوجك وابنيك.
قال: فجاء غلي والحسن والحسين (عليهم السلام)، فدخلوا وجلسوا يأكلون من تلك الحريرة وهو وهم على منام له على دكان (3) تحته كساء الخيبري.
قالت: وانا في الحجرة أصلي، فأنزل الله هذه الآية الكريمة (إنما يريد الله ليذهب عنكم) الآية، قالت: فاخذ فضل الكساء وكساهم به، ثم اخرج يده فالوي (4) بها إلى السماء، وقال: هؤلاء أهل البيتي وخاصتي، اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، قالت: فأدخلت رأسي وقلت: انا منكم يا رسول الله، قال: انك إلى خير انك إلى خير (5).
وروى أيضا باسناده إلى شهر بن حوشب، قال: قالت أم سلمة زوجة النبي (صلى الله عليه وآله) حين جاء نعي الحسين (عليه السلام) (6) لعنت أهل العراق، فقالت: قتلوه قتلهم الله، وغروه وأذلوه لعنهم الله، فاني رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد جاءته فاطمة غداة ببرمة (7) وقد صنعت له فيها عصيدة تحملها في طبق حتى وضعتها بين يديه، فقال
Shafi 40
لها: أين ابن عمك؟ قال: هو في البيت، قال: اذهبي فادعيه واثنتي بابنيه.
قالت: فجاءت تقود ابنيها كل واحد منهما بيد وعلي يمشي معهم (1) حتى دخلوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فأجلسهما في حجرة، وجلس علي عن يمينه، وجلست فاطمة على يساره.
قالت أم سلمة: فاجتذب من تحتي كساء خيبريا كان بساطا لنا على الميامة في المدينة، فلفه رسول الله (صلى الله عليه وآله) واخذ بشماله طرفي الكساء والوى بيده إلى ربه عز وجل، وقال: اللهم هؤلاء أهل بيتي اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا قلت: يا رسول الله الست من أهلك؟ قال: بلى، قالت: فأدخلني في الكساء بعد ما قضى دعاءه لابن عمه على وابنيه ابنته فاطمة (2).
قلت: قوله (عليه السلام) في جواب أم سلمة (بلى) مصادم للأخبار الصحيحة المستفيضة الساقة الناطقة بخروجها من أهل بيته، مع أنه إنما يدل على أنها من أهله لامن أهل بيته ، كم لا يخفى.
ومن الاخبار المصرحة بخروج نسائه من أهل البيت ما رواه الحميدي في الجمع بين الصحيحين في مسند زيد بن أرقم من عدة ي رق عنه (صلى الله عليه وآله) قال: قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) فينا خطيبا بماء يدعى خما (3) بين مكة ومدينة، فحمد الله وأثناء عليه ووعظ وذكر.
ثم قال: اما بعد أيها الناس إنما يوشك ان تأتيني رسل ربي فأجيب وانا تارك فيكم الثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه.
ثم قال: وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، فقلنا: من أهل بيته نساؤه؟ قال ثم
Shafi 41
قال: ان المراد تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها، فترجع إلى أبيها وقومها (1).
وبالجملة فكونهم: هم المرادين من أهل البيت لا غير مما لا ينبغي الشك فيه، لتواتره بين الخاصة والعامة.
تحقيق حال وتفصيل اجمال:
هذه الأخبار كما ترى تشهد بأنهم عليم السلام المعنيون بأهل البيت في آية التطهير (2)، دون غيرهم من الأقارب، وتنادي بخروج النساء وانحطاطهن عن
Shafi 42