الغيب ، ونشأة الآخرة ، كما ان هداية الانبياء ، وارشادهم لا تكون مؤثرة بدون ادراك العقل والقدرة على التمييز .
فالحق تبارك وتعالى منحنا هذين النوعين من الموجه لكي نجعل الطاقات المكتنزة والاستعدادات الكامنة في النفوس تتحرك من القوة الى الفعلية والظهور . وقد وهبنا الحق المتعالي هاتين النعمتين الكبيرتين لنا امتحانا واختبارا ، لان الانسان يتميز افراده بعضهم عن بعض ، ويتم الفصل بين السعيد والشقي والمطيع والعاصي والكامل والناقص . كما قال ولي المؤمنين عليه السلام : «والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة» (1) .
وفي كتاب الكافي الشريف في باب التمحيص والامتحان عن ابن ابي يعفور عن الامام الصادق عليه السلام : «لا بد للناس من ان يمحصوا ويميزوا ويغربلوا ويستخرج في الغربال خلق كثير» (2) .
وباسناده عن منصور قال : قال لي ابو عبد الله عليه السلام : «يا منصور ان هذا الامر لا يأتيكم الا بعد إياس ولا والله حتى تميزوا ولا والله حتى تمحصوا ولا والله حتى يشقى من يشقى ويسعد من يسعد» (3) .
وفي حديث آخر عن ابي الحسن عليه السلام قال : «يخلصون كما يخلص الذهب» (4) .
وفي كتاب الكافي الشريف في باب الابتلاء والاختبار بسنده الى الامام الصادق عليه السلام قال : «ما من قبض ولا بسط الا ولله مشيئة وقضاء وابتلاء» (5) .
وفي حديث آخر عنه عليه السلام قال : «انه ليس شيء فيه قبض او بسط مما امر الله او نهى عنه الا وفيه لله عز وجل ابتلاء وقضاء» (6) .
و«القبض» في اللغة الامساك والمنع والاخذ ، و«البسط» بمعنى النشر والعطاء : فكل عطاء وتوسعة ومنع امتحان للانسان ، كما ان كل امر ونهي وتكليف يكون للامتحان ايضا . فان بعث الرسل ونشر الكتب السماوية لغربلة الناس ، ولفصل الاشقياء عن السعداء ، والمطيعين عن العاصين . ومعنى امتحان الحق المتعالي للناس واختبارهم هو الفصل الحقيقي الواقعي على صعيد الخارج للناس بعضهم عن بعض ، لا العلم بالفصل ، لان علم الحق جل جلاله أزلي ومتعلق ومحيط بكل شيء قبل ايجاده .
Shafi 229