Arbac Rasail
أربع رسائل لقدماء فلاسفة اليونان وابن العبري
Nau'ikan
ولا ينبغي أن يربى له شعر ولا يزين الصبي بشيء من زينة النساء؛ بل يعرف قبح التصنع والغرض الذي يقصد إليه من يتصنع ويبغض إليه النسبه (التشبه) بالنساء، ويحبب إليه التسبه (التشبه) بالرجال، ولا يلبس الخاتم إلى أن يحتاج إليه، ويمنع أن يفخر (يفتخر) بشيء يملكه على من لا يملك مثله، ويعاب ذلك عليه حتى ينتهي عنه، ويطلق له الفخر بالأدب والعلم والماراه (والمباراة) فيهما، وىوجد (يؤخذ) بإكرام من هو أكبر منه والقيام له عن موضعه، وأن لا ياومر (يكرم) الغني إلا كما يكرم الفقير، ويؤخذ أيضا بإكرام من هو أفضل منه في الأدب والمعرفة وإن كان أصغر منه سنا، ويمنع الصبي من التبزق والامتخاط والتثاؤب والىجش (والتجشؤ) وما أشبه ذلك بحضرة الناس؛ لأن فيه دليلا على ضبطه لنفسه ونظافته وشدة حياه (حيائه)، وليس ىلر (تكثر) هذه الأفعال إلا في من أسرف في المطعم والمشرب والنوم والراحة، ولا يدعم (92) رأسه بساعده، ومن فعل ذلك فقد دل على أنه بلغ من استرخائه، وىفنخه (وتفنخه) أن لا يقدر على حمل رأسه إلا أن يفعله صاحبه وقت الاعتمام (الاغتمام) والانكسار والضعف.
أدب الولد في كلامه وتصرفه مع غيره
ولا ينبغي للصبي أن يحلف بالله على حق ولا على باطل، وذلك أيضا جميل بالرجل إلا أنه ربما اضطر إليه، وليس يعرض للصبي من الأمور ما يضطره إلى اليمين، وإذا اعتاد الإنسان من صغره أن لا يحلف بالله قل استعماله لليمين إذا كبر وتوقاها ولم يجسر عليها في أكثر الأشياء.
وينبغي أن يعود الصبي الصمت وقلة الكلام، وأن لا يتكلم بحضرة من هو أكبر منه إلا بما ىسئال (يسأل) عنه، وإنما ينبغي للصبي إذا حضر مجلس من هو أكبر منه أن يىصت (ينصت) لكلامه، فإن الاستماع أعون له على التعلم، والصمت بكلامه يدل على الحكمة والحياء، وينبغي أن يمنع الصبي من ذكر الأشياء القبيحة، وىحدر (ويحذر) عليه أن يسمعها من غيره فان دكرها فاستماعها (فإن ذكرها واستماعها) يولبانه (يؤتيانه) بها، وإذا غاب ذكرها واستوحش منها كان لاىياىها (لإتيانها) اعيب (أغيب) ومن ذلك أشد وحشة؛ ولذلك ينبغي أن يحذر الصبي معاشرة من كان من الصبيان فيه جرأة وتقدم (93).
وينبغي أن يمنع الصبي من الشتم واللعن، ويعود طيب الكلام وحسن اللقاء، وأن لا يسمع الدمرلده (التذمر؟) ممن يقصد إلى تأديبه إذا جاء منه الزلل وإلى تأديبه غيره. ومن أنفع ما أدب به الصبي وأجود ما عوده استعمال الصدق وتجنب الكذب، وإن كذب الصبي فينبغي أن يلام ويذم ويعير ويضرب إن أحوج إلى ذلك. فإن أفضل الفضائل الصدق واحسن (وأخس) الدناءة وأقبحها وأردأها الكذب. ومن يعود الكذب ونشأ عليه لم يفلح.
وينبغي أن يعود الصبي خدمة نفسه ووالديه ومعلمه ومن هو أكبر منه، وأحوج الصبيان أن يؤخذوا بذلك أولاد الأغنياء؛ لأن أولاد الفقراء يضطرون إليه فهم يعتادونه وأولاد الأغنياء إن لم ىوحدوا (يؤخذوا) به لم يدعهم إليه سبب. وفي ذلك لمن فعله من الصبيان منفعة عظيمة؛ لأنه ىحرج (يخرج) الصبي ويكسبه رجولة ودربة ويعوده التواضع وىحتلب (ويجتلب) له المحبة ويكون به مستعدا للىواىب (للنوائب)، ولا ينبغي للصبي إن ضربه المعلم أن يبكي ولا يصيح ولا يضرع، فإن ذلك من الفشل والجبن، وإنما يليق ذلك بالعبد لا بالحر. وقد قلنا إن من لم يك فيه من الصبيان أنفة (94) عسر فلاحه.
وينبغي أن يؤدب الصبي على الحسد والبغي وغيرهما ويحبب إليه المباراة في الأدب والأنفة من أن يتقدمه غيره فيه، ويعود الصبي أيضا الأنفة من أن ىبر (يبره) قرنه بشيء لا ىبره (يبره) بمثله أو اكبر (أكثر) منه، وأن يأخذ شيئا ويعطي أقل منه ومن أن يحبه قرنه أكثر مما يحبه هو، والذي يليق بالكريم أن يبر بأكثر مما يبر به ويعطي أكثر مما يأخذ، ويليق بالمتحبب أن يحب أكثر مما يحب، وإن لم يمكن الصبي أن يبر بالوجه الذي بره قرنه، فليتحيل لمكافأته على ذلك البر بوجه آخر، وإلا كان غير متخد (متحد أو متخذ؟) العدل ونسب إلى محبة الربح لا إلى محبة الكرامة، وينبغي أن يبغض الصبي الذهب والفضة وىحدر (ويحذر) مسهما أكثر مما يحدر (يحذر) مس الأفعى والحية. فإن آفة الأفعى والحية إنما تدخل على البدن وآفة حب الذهب والفضة تدخل على النفس، وضررهما في النفس أبلغ من ضرر السم في البدن، ويحتال في وضع قدرهما عنده وتهجين من أحبهما.
وينبغي أن يؤدب الصبي في بعض الأوقات في اللعب، ولا يلعب لعبا فيه قبح ولا ألم فإن اللعب إنما يراد لراحة الصبي وسروره حتى يكون ذلك عونا له على ما يراد منه فيما بعد من التعب في الأدب والصبر على مشقته. فإذا (95) كان في لعبه تعب له احتاج إلى الراحة في وقت تأديبه، فبطل ما قصد به إليه وبقي التعب الذي به.
ومن أجود ما يعوده الصبي وأبلغه في فلاحة (فلاحه)؛ الطاعة لوالديه ولمعلمه ولأهل الأدب والنظر إليهم بعين الجلالة والاستحياء منهم والهيبة لهم، ومن لم يكن فيه ذلك من الصبيان ابطى (أبطأ) فلاحه.
وينبغي أن ىحدر (يحذر) على الصبي الجماع أو أن يعرف شيء (شيئا) من أمر الجماع أو يقارنه (يقاربه) حتى يتزوج. فإنه مع ما في ذلك من القربة إلى الله تعالى والثناء الجميل عند الناس، وصحة البدن، وحسن النماء، وبقاء الطهارة والنظافة والضبط للنفس، ففيه أن الرجل إذا لم يعرف امرأة وكانت المرأة لا تعرف رجلا غير رجلها، كان حب كل واحد منهما لصاحبه غاية الحب وانطوى قلبه عليها وقلبها عليه؛ وذلك من أنفع الأشياء للرجل والمرأة جميعا، وإن كان الذين يريدون شدة البدن يصبرون على الجماع ويؤثرون ذلك عليه، فالذين يريدون فضيلة النفس أولى بالصبر عليه، ومن حفظ هذه الأشياء وعمل بها صار بها إلى الفضيلة، ونال المحبة والكرامة من الله والناس وبلغ غاية السعادة، ومن أطرحها وظن أنه لا ينتفع بها وأن منفعتها يسيرة وترك استعمالها نال من راحة ذلك (96) الشيء اليسير «كذا» وأداه إلى عظيم النقص والخساسة، ولعله يعرف فضيلة ذلك في وقت لا يمكنه فيه تلافيه واستدراك ما فات منه فيحصل إلى الندامة. فإن اليسير من الخطأ في أوائل الأشياء وأصولها ليس بيسير الضرر، وكذلك المنفعة في يسير الصواب؛ لأن الأشياء تبنى على تلك الأصول.
Shafi da ba'a sani ba