Arbac Rasail
أربع رسائل لقدماء فلاسفة اليونان وابن العبري
Nau'ikan
ويجب أن يجعل للمماليك أوقات راحة فإن المملوك إذا أردف بعمل على عمل، وكلف نصبا بعد نصب ولم تكن له راحة فتر عن الخدمة وإن كان حريصا عليها، والراحة تجدد قوة البدن وتحبب إلى صاحبه العمل، ومثله في ذلك مثل القوس فإنها إن ىركت (تركت) موترة استرخت، وإن حطت (حفظت) إلى وقت الحاجة إليها دامت شدتها، وكان أجدر أن ينتفع بها، وإنا لنعجب من قوم نراهم يعنون بدوابهم ويحرصون على راحتها وعلى الإحسان إليها، ولا يعطون مماليكهم نصيبا من ذلك، والمملوك وإن لم يكن محتملا من الراحة ما تحتمله الدابة؛ (76) لأن كسر (كثر) الراحة ربما أبطره وفرغه لما يضره، والدابة ليست تشبهه في ذلك، فإنه غير مستعن (مستغن) من الراحة عما يسبد مر (يسند به) قوته ويستدعي نشاطه، ولا يبلغ المقدار الذي يخاف عليه ضرره. وبعد فهو من جنس المالك له فقد ينبغي لمالكه أن ينزع مع توحي (توخي) حسن التدبير فيه إلى الرحمة له لما يتذكر من ضعفه، فإن دابته أجمل للتصييع (للتضييع) منه.
ولا ينبغي لأحد أن يغتنم (يغتم؟) من مملوكه أن يكون يرى أنه لا بد له من قبول أمره شاء أو أبا (أبى) بل يلتمس أن تكون خدمته له بالمحبة منه لذلك والنشاط له والحرص عليه، وينبغي أن يحرص على أن يكون ابقاد (انقياد) مملوكه بالحياء أكثر منه بالخوف، وبالمحبة أكثر منه بإيجاب الطاعة.
وأفضل المماليك الصغار؛ لأنهم أحسن طاعة وأسرع قبولا لما يعلمون، وهم الذين يألفون الموالي ويلزمون ما يجرون عليه من الأخلاق، وخير المماليك للرجل من لم يكن من جنسه؛ لأن الناس مولعون باستصغار أقاربهم والحسد لهم. فللمجانسة من هذا نصيب، ومن حق المملوك أن يكفى كل ما يحتاج إليه، وأن لا يكلف ما لا يقدر عليه ولا يحل له، وعليه الطاعة فإن لم يطع بعد هذا وجبت عليه العقوبة على ما رتبنا من حال بعد حال، وينبغي أن يكون للماليك عند مواليهم مراتب من (77) الإحسان والتفضيل، وإذا أحسن أحدهم رفعه من مرتبة إلى مرتبة بقدر استحقاقه فإن ذلك حثا (حث) للباقين على أن يلحقوا به؛ فهذا ما قلنا بالمماليك بعد الذي قلنا في المال. (1-3) في تدبير المرأة
فأما المرأة
4
فأول ما ينبغي أن يبتدئ به من ذكرها الإخبار عن الغرض الذي تراد له فنقول: إن ذلك الغرض شيئان: أحدهما من طريق الرأي، والآخر من طريق الطبع. فأما الذي من طريق الرأي فهو أن أكثر أشغال الرجل خارج (خارجا) من منزله. فهو مضطر إلى إخلائه من نفسه والخروج عنه، ولا بد له إذا كان كذلك ممن يحفظه له ويدبر له ما فيه، وليس يمكن أن يبلغ أحد من العناية بشيء غيره ما يبلغه من العناية بنفسه، فلما كان الأمر على هذا كان أصلح الأشياء للرجل أن يكون له في منزله شريك يملكه كملكه هو له، ويعنى به كعنايته ويكون تدبيره فيه كتدبيره، فهذا هو الباب الذي دعا إليه الرأي ودل عليه الاختبار.
وأما الباب الآخر الذي يوجبه الطبع فإن الخالق تبارك وتعالى لما جعل الناس يموتون، وقدر بقاء الدنيا إلى وقت جعلهم يتناسلون، وجعل التناسل من شيء يجمع فيه الحرارة والرطوبة، فأما الحرارة فلأن النشوء والنماء والحركة لا تكون إلا بها، وأما الرطوبة فلأن الانطباع والتصوير على (78) اختلاف مقاديره وأشكاله لا يكون إلا فيها، وليس للرطوبة مع الحرارة ثبات ولا بقاء؛ لأن الحرارة تحللها وتفنيها منها فلا يوجد من كل واحد منهما في بدن واحد مقدار القوة التي يكون منها الولد، فلذلك صار الولد من ذكر وأنثى؛ لأن الحرارة في الذكر أقوى والرطوبة في الأنثى أكثر، فإذا ألقى الذكر في الأنثى من الحرارة ما قدر الخالق أن يكون من مثله الولد، استمدت تلك الحرارة من الأنثى من الرطوبة ما يكون فيه تمام الخلق ثم الولد.
ثم من تمام التدبير في ذلك أنه حيث جعل [الله] في الرجل الطبيعة التي يميل بها إلى الحركة والظهور والتصرف، وكانت به حاجة إلى من يقوم مقامه في منزله، جعل في الأنثى الطبيعة التي تميل بها إلى السكون والاستتار؛ لتقوم مقامه فيما فقد من نفسه من الصبر على لزوم منزله، ويقوم مقامها فيما فقدت من نفسها من الحركة في طلب المعاش. ثم جعل بينهما من المحبة والفه (والألفة) ما ارتفع معه الحسد والمنافسة والبخل من كل واحد منهما على صاحبه فيما يحرز له من ماله وأطلق له من التدبير فيه. ولو زال ذلك لكان شغل كل واحد منهما بصاحبه أكثر منه بغيره للمقارنة والشركة وقرب المتناول لكنه (79) جعلهما كأنهما نفس واحدة.
فالواجب على المرأة الإذعان للرجل والطاعة له والتذلل فيما يأمرها به إذ كان قد جاد لها بمنزله وملكها إياه، ولم يستأثر عليها بشيء منه. فإنها وإن قالت إنه إنما فعل ذلك؛ لأنه أصلح له فليس قولها هذا مما يبطل عنها منته ويزيل عنها رئاسته؛ لأن جميع ما يأتيه الإنسان من الإحسان، وإن كان يرجع إليه فضله وحسن الذكر فيه، وكانت المنفعة له في ذلك أكثر منها لمن يصل ذلك الإحسان إليه، فليس ذلك مما يزيل الشكر عن من أحسن إليه، ولا يجعل له السبيل إلى كفران نعمته.
فينبغي للرجل إذا اتخذ المرأة أن يبدأ فيفهمها المعنى الذي أرادها له، وأنه لم يردها للولد دون العناية به ، والتفقد لأموره في حضوره وغيبته، وصحته ومرضه، وحفظ جميع ماله، ومعونته على جميع أمره، وما يجب عليه من ذلك للأسباب التي شرحناها، ولا ينبغي أن يكون قصد الرجل من المرأة لحسب ولا مال ولا جمال؛ لأنه متى قصد لواحد من هذه وكان موجودا عندها رأت المرأة أنه قد ظفر ببغيته منها، ولم يبق عليها شيء تحتاج إلى أن تتقرب به إليه؛ بل تظن أنها إن [أساءت] إليه أو قصرت في حقه كان فيما نال من حاجته منها ما (80) يجب عليه احتمال ذلك معه، وأنه أولى بطاعتها والتذلل لها منها بأن تفعل ذلك به. وعند ذلك يفسد تدبير المنزل، إذ كان الأخس من صاحبيه قد صار في مرتبة الأفضل؛ إما تابعا للأخس، وإما منازعا له ومحاربا فيما يخالفه فيه، ومع المنازعة الشغل ومع الشغل التضييع. فليس يصلح أمر المنزل إلا بأن يكون أفضل من فيه هو الرئيس على سائر أهله ويكون سائر أهله سامعين مطيعين له.
Shafi da ba'a sani ba