أن من خالفه من العلماء مخطئ يُنَبَّه على خطئه، وينكر عليه; وإن أريدَ بمسائل الاجتهاد مسائل الخلاف التي لم يتبين فيها الصواب، فهذا كلام صحيح لا يجوز للإنسان أن ينكر الشيء لكونه مخالفا لمذهبه أو لعادة الناس، فكما لا يجوز للإنسان أن يأمر إلا بعلم، لا يجوز أن ينكر إلا بعلم، وهذا كله داخل في قوله تعالى: ﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ ١.
وأما قول من قال اتفاق العلماء حجة فليس المراد الأئمة الأربعة بل إجماع الأمة كلهم، وهم علماء الأمة، وأما قولهم اختلافهم رحمة، فهذا باطل بل الرحمة في الجماعة، والفرقة عذاب كما قال تعالى: ﴿وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ ٢. ولما "سمع عمر ابن مسعود وأبيا اختلفا في صلاة الرجل في الثوب الواحد، صعد المنبر وقال: اثنان من أصحاب رسول الله ﷺ فعن أي فتياكم يصدر المسلمون لا أجد اثنين اختلفا بعد مقامي هذا إلا فعلت وفعلت". لكن قد روي عن بعض التابعين أنه قال: "ما أحسب اختلاف أصحاب رسول الله ﷺ إلا رحمة للناس لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة" ومراده شيء آخر غير ما نحن فيه، ومع هذا فهو قول مستدرك، لأن الصحابة ذكروا اختلافهم عقوبة وفتنة.
وقال أيضا: قد تبين لكم في غير موضع أن دين الإسلام حق بين باطلين وهدى بين ضلالتين، وهذه المسائل ٣ وأشباهها مما يقع الخلاف
_________
١ سورة الإسراء آية: ٣٦.
٢ سورة هود آية: ١١٨-١١٩.
٣ يشير إلى مسائل في الزكاة ذكرت في مواضعها من كتابي "الدرر السنية ومجموعة الرسائل والمسائل النجدية" كما ذكرت في المجلد الخاص بالمسائل من هذه المجموعة.
1 / 12