Aram Dimashq Da Isra'ila
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Nau'ikan
872-848
آخاب
874-853 -
في عهد آسا حفيد رحبعام، الذي ملك على يهوذا بعد أبيه أبيا (أبيام) بن رحبعام، توفي يربعام الملك الأول لإسرائيل في الرواية التوراتية، وملك محله ابنه ناداب الذي قتل بعد سنتين فقط من حكمه، إثر انقلاب داخلي قاده بعشا، الذي أنهى أسرة يربعام ونصب نفسه ملكا. ودخل بعشا ملك إسرائيل مع آسا ملك يهوذا في حرب طويلة أنهكت الطرفين. وعندما شعر آسا بالضعف أمام إسرائيل استنجد بملك دمشق، الذي يدعوه النص التوراتي هنا «بنهدد بن طبريمون بن حزيون». وهذا هو ثاني ملك على دمشق يرد ذكره في التوراة بعد رزون بن أليداع من عهد سليمان، الذي استقل عن سيده هدد عزر ملك صوبة، وجاء دمشق فملك فيها. ويبدو من نص رسالة آسا ملك يهوذا إلى بنهدد بن طبريمون ملك دمشق أن دمشق كانت قد أعطت الأمان لكلا الدولتين بعدم الاعتداء عليهما. نقرأ في سفر الملوك الأول (15: 18-19): «وأخذ آسا الفضة والذهب الباقية في خزائن بيت الرب وخزائن بيت الملك جميعها، ودفعها ليد عبيده وأرسلهم إلى بنهدد بن طبريمون بن حزيون، ملك آرام الساكن في دمشق قائلا: إن بيني وبينك، وبين أبي وأبيك عهدا. هو ذا قد أرسلت لك هدية من فضة وذهب، فتعال انقض عهدك مع بعشا، فيصعد عني ...» وقد نقض ملك دمشق عهده مع إسرائيل على ما يرويه سفر الملوك الأول، وهاجم أراضي الملك بعشا، وضرب المدن والقرى الواقعة في المناطق الشمالية من إسرائيل جميعها، ثم قفل راجعا إلى بلاده.
لا نعرف شيئا عن بنهدد بن طبريمون هذا خارج المصدر التوراتي، والذي يفترض أنه قد حكم خلال العقد الأول من القرن التاسع قبل الميلاد. وقد جهد المؤرخون - اعتمادا على هذا النص من سفر الملوك الأول، والنص الأسبق الذي يذكر رزون بن أليداع من عهد سليمان - في إعادة بناء هيكل الأسرة الحاكمة في دمشق، من عهد سليمان إلى عهد آسا وبعشا. فقد رأى فريق من الباحثين أن حزيون جد بنهدد المذكور في سفر الملوك الأول 15 هو نفسه رزون بن أليداع المذكور في سفر الملوك الأول 11، وأن المصدر الذي اعتمد عليه محرر الملوك الأول 15 قد حور الاسم رزون إلى حزيون . وبذلك يكون ملوك الأسرة الدمشقية - التي حكمت من عهد سليمان إلى عهد آسا في يهوذا وبعشا في إسرائيل - ثلاثة، هم على التوالي: رزون (أو حزيون) وطبريمون وبنهدد، الذي يلقبه المؤرخون ببنهدد الأول، تمييزا له عن اثنين آخرين من ملوك دمشق حملوا الاسم نفسه. بينما يرى فريق آخر من الباحثين أن رزون قد حكم دمشق في أوائل فترة حكم الملك سليمان معتمدين على قول نص سفر الملوك الأول 11: «وكان رزون خصما لإسرائيل كل أيام سليمان ...» من هنا، فإن الفترة الفاصلة بين بداية حكم سليمان في أورشليم حوالي عام 970ق.م. واستيلاء بعشا على الحكم في مملكة إسرائيل عام 909ق.م. تسمح في رأيهم بتتابع أربعة ملوك على عرش دمشق، هم: رزون وحزيون وطبريمون وبنهدد الأول.
1
لقد أوضحنا في الفصول السابقة أن مملكة إسرائيل (السامرة) لم تظهر إلى الوجود إلا في سياق النصف الأول من القرن التاسع قبل الميلاد، بينما لم تتشكل مملكة يهوذا تحت قيادة أورشليم إلا في سياق النصف الثاني من القرن الثامن قبل الميلاد. من هنا، فإن الأحداث التي يرويها النصان نفسهما من سفر الملوك 11 و15 لا تعدو أن تكون أخبارا غامضة متواترة عن حملات تأديبية كان يقوم من خلالها ملوك دمشق بتأديب بعض الجماعات الرعوية أو المستقرة، أو بعض أمراء أورشليم الصغار ممن كانوا يهددون أمن القوافل التجارية. أما عن أسماء ملوك دمشق الواردة في النصين المذكورين فلا يمكن الجزم بشأنها، رغم بقاء الاحتمالات مفتوحة على صحة الأخبار المتواترة بشأنها. فمما لا شك فيه أن الآراميين قد وطدوا سلطانهم في دمشق في سياق القرن العاشر قبل الميلاد، وأنهم قد أسسوا سلالتهم الملكية الأولى فيها في وقت ما من النصف الثاني للقرن العاشر قبل الميلاد. ولكن المعلومات الموثقة تنقصنا من أجل توكيد أو نفي الرواية التوراتية المتعلقة بأسماء هؤلاء الملوك.
لقد توافق صعود مملكة دمشق في القرن العاشر مع الأوضاع الاقتصادية المؤاتية التي سادت المنطقة بعد انحسار موجة الجفاف في مناطق شرقي المتوسط، فقد انتعشت الزراعة، وتوسعت من جديد الزراعات المتوسطية التقليدية ، وزاد إنتاج سلع التبادل النقدي على حساب زراعة الكفاف والاكتفاء الذاتي، فنشطت التجارة، وعادت الحياة إلى الطرق التجارية المحلية والدولية، وازدهرت المحطات التجارية التي كانت مهجورة لأكثر من ثلاثة قرون على طول هذه الطرق. وقد ترافق هذا الانتعاش الشامل في بلاد الشام مع ضعف مصر السياسي وانكفائها داخل حدودها التقليدية، الأمر الذي سمح للدويلات السورية بحرية الحركة، وقامت الممالك الآرامية في كل مكان تقريبا كمعادل وند للقوة الآشورية المتعاظمة. ورغم أن آشور كانت تضغط باستمرار على الممالك الآرامية في حوض الخابور والفرات، إلا أن حملاتها العسكرية خلال القرن العاشر ومطلع القرن التاسع قبل الميلاد كانت ذات طابع استعراضي، وتهدف إلى المكاسب الآنية وتحصيل الأتاوى، من دون اللجوء إلى ضم الأراضي والحكم المباشر، وهذا ما أعطى الممالك الآرامية مزيدا من الوقت لمتابعة بناء نفسها. أما في وسط وجنوب سوريا فقد تأخر الضغط الآشوري على هذه المناطق مدة قرن ونصف عنه في المناطق الشرقية والشمالية، وهذا ما ساعد، بشكل خاص، مملكة دمشق على بناء قوة عسكرية واقتصادية كبيرة.
لقد تحكمت دمشق بطريقين تجاريين دوليين على جانب كبير من الأهمية الحيوية؛ الطريق الأول هو الطريق الساحلي المعروف تاريخيا بطريق البحر، ويصعد من مصر فغزة على طول الساحل الفلسطيني، ثم ينعطف نحو الداخل عبر وادي يزرعيل. والثاني هو الطريق الصحراوي الصاعد من جزيرة العرب التي كانت تتاجر مع أفريقيا والهند، إلى شرقي الأردن فدمشق، والمعروف تاريخيا بطريق الملوك. وهناك طريق ثالث أقل أهمية يصعد من النقب إلى حبرون فأورشليم، ثم يقطع إسرائيل وصولا إلى دمشق. ومن دمشق، التي كانت تلتقي عندها القوافل المتعددة المصدر، كان يصعد طريقان دوليان للتجارة؛ واحدة باتجاه وادي الرافدين عبر تدمر والبادية السورية، والثاني باتجاه الأناضول عبر حماة فحلب. من هنا، فقد عملت دمشق بدأب على بسط نفوذها على الدويلات والإمارات الصغيرة التي تمر بها خطوط التجارة هذه. ولكنها لم تمارس على ما يبدو سياسة الحكم المباشر للأراضي الواقعة خارج منطقتها التقليدية التي لم تكن واسعة جدا، بل اكتفت بعلاقات تعاون وحسن جوار وأحلاف عسكرية كانت تلتئم حول دمشق كلما دعت الحاجة، وتنحل فور انتهاء حاجة إليها، وذلك من خلال نظام إقليمي فرضته على ممالك غربي الفرات جميعها. ولم تكن تتردد في تأديب أية مملكة تخرج على القرار السياسي الدمشقي، كما سنوضح ذلك بالتفصيل بعد قليل.
أما عن الحدود التقليدية لمملكة دمشق، فيبدو أنها كانت متطابقة مع حدود إقليم أوبي في عصر البرونز الأخير؛ فإلى الشمال جاورتها مملكة حماة التي ارتبطت معها بعلاقات متينة، وإلى الجنوب توقف تخمها عند الحدود السفلى للجولان، وإلى الغرب يرجح أنها قد حكمت البقاع بشكل مباشر. وفيما عدا ذلك، كانت تبسط سيطرة غير مباشرة على الممالك الصغيرة الناشئة حديثا في شرقي الأردن، مثل عمون وموآب وآدوم، وفي فلسطين كانت تبسط سيطرة غير مباشرة أيضا على إسرائيل التي كانت في طور التشكل وعلى إمارة أورشليم. وإضافة إلى ذلك، فإن دمشق كانت تكسب أيضا ولاء القبائل العربية المتجولة في شمال الجزيرة العربية والبادية السورية، وكانت هذه القبائل تقدم العون الحربي لأحلاف دمشق العسكرية الموجهة ضد آشور.
Shafi da ba'a sani ba