Aram Dimashq Da Isra'ila
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Nau'ikan
The Early History of the Israelite
. وسوف نشير إلى أهم أفكار هذا الباحث في مواضع الإفادة منها عبر الصفحات المقبلة من هذا الكتاب.
الفصل الثاني
إسرائيل التاريخية
لقد غدا من نافلة القول اليوم الحديث عما يسمى «بكل إسرائيل» ككيان إثني أو سياسي، في سياق عصر الحديد الأول، والاسم «إسرائيل» لا يمكن إطلاقه على أي إقليم في فلسطين قبل حلول عصر الحديد الثاني. وحتى هنا، فإننا لا نستطيع إطلاق اسم إسرائيل إلا على الدولة الإقليمية المعروفة بدولة السامرة، وهي الدولة التي أقامها الملك عمري عقب بنائه مدينة السامرة حوالي عام 880ق.م. إن كل ما بين أيدينا من معلومات كتابية وأركيولوجية موثقة ينفي وجود أية استمرارية إثنية وسياسية بين الاسم «إسرائيل» المذكور في نصب مرنفتاح، ومملكة إسرائيل بعاصمتها السامرة، التي قامت في منطقة الهضاب المركزية خلال القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد، وهي مملكة موصوفة في التوراة وفي النصوص الآشورية على حد سواء. وقد ألمحنا في موضع سابق من هذا الكتاب إلى أن نص الفرعون شوشانق (شيشق التوراتي) الذي يصف حملته على فلسطين ومناطق الجنوب السوري، خلال أواخر القرن العاشر قبل الميلاد، وهي حملة موجهة أساسا إلى طرق التجارة الدولية؛ لا يشير إلى وجود مملكة قوية موحدة تحت لواء أورشليم أو أية مدينة أخرى في فلسطين. ونستدل من وجود بقايا نصب تذكاري أقامه الفرعون شوشانق في موقع مجدو بوادي يزرعيل شمالا،
1
ومن عدم ذكر مدينة أورشليم أو أية مدينة أخرى في يهوذا أو الهضاب المركزية؛ أن هذه المناطق الهامشية في فلطسين لم تسترع انتباه الفرعون شوشانق، الذي كان مهتما بالدرجة الأولى بتدعيم الوجود المصري في مناطقه التقليدية السابقة. كما ألمحنا أيضا إلى أنه بصرف النظر عن تلك الإشارة الغامضة إلى إسرائيل في نصب مرنفتاح، والتي يجمع المؤرخون اليوم عن عدم صلتها بإسرائيل التوراتية، فإن النصوص المصرية عبر التاريخ لم تتعرض لذكر إسرائيل في أية صورة أو أية صيغة. أما النصوص الآشورية، التي ساعدت المؤرخين المحدثين على رسم الخارطة السياسية والبشرية لمنطقة الشرق القديم خلال عصر الحديد، فلم تذكر الاسم «إسرائيل» إلا في أواسط القرن التاسع قبل الميلاد، وفي معرض الإشارة إلى دولة السامرة تحديدا. وأما مملكة يهوذا فلم يرد ذكرها في الوثائق الآشورية إلا مع أواخر القرن الثامن قبل الميلاد.
وأما الحديث عن كنعان باعتبارها نقيض إسرائيل والخلفية العامة التي ميزت إسرائيل نفسها عنها؛ فيمت إلى ماضي البحث التاريخي، وإلى نظريات تعتمد مسلمات لم تخضع للنقد والتمحيص. فعصر البرونز الأخير ليس كنعانيا أكثر من عصر الحديد، وعصر الحديد ليس إسرائيليا في مقابل عصر البرونز الكنعاني؛ ذلك أن المكتشفات الأثرية في العصرين تعطينا صورة ثفافة فلسطينية مستمرة، واحدة، وغير منقطعة أو متلونة بلون خارجي غريب عنها. وكل المدن التي تهدمت خلال الفترة الانتقالية بين العصرين قد أعيد بناؤها وسكنها من قبل الذخيرة السكانية الفلسطينية نفسها. وهذا ما ينفي، وبشكل قاطع، قدوم أقوام جديدة حلت محل السكان الأصليين، أو أقامت إلى جانبهم وأثرت فيهم ثقافيا وعرقيا. إن لجوء الآثاريين الإسرائيليين، وزملائهم من الملتصقين بالمنهج المحافظ القديم، إلى استخدام وصف كنعاني لكل ما يمت إلى ثقافة عصر البرونز، واستخدام وصف إسرائيلي لكل ما يمت إلى عصر الحديد؛ لا يصدر إلا عن موقف متعنت. وهؤلاء أنفسهم لا يستطيعون تقديم أي معيار علمي موضوعي للتفريق بين الأثر الكنعاني من عصر البرونز والأثر الإسرائيلي المزعوم من عصر الحديد، سواء في حقل الخزفيات أو الفنون التشكيلية أو الفنون المعمارية، وحتى في مجال اللغة والدين وما إلى ذلك من النواتج غير المادية للثقافة الفلسطينية.
إن كل ما في حوزتنا حتى الآن، وهو كثير بفضل تراكم المعلومات الآثارية خلال ربع قرن، ينفي وبشكل قاطع أي وجود لإسرائيل التوراتية خلال عصر الحديد الأول. فبناء على الرواية التوراتية يتفق المؤرخون التقليديون على أن مملكة شاول قد قامت حوالي عام 1020ق.م. وضمت القبائل الشمالية المدعوة بالإسرائيلية، ثم قامت مملكة داود وسليمان فيما بين 1001 و931ق.م. التي شملت منطقة يهوذا الجنوبية إلى جانب منطقة إسرائيل، فيما يدعى بالمملكة الموحدة لكل إسرائيل، ثم انقسمت بعد ذلك إلى مملكتين. إلا أن الصورة العامة التي قدمها لنا المسح الأركيولوجي الشامل عن عملية استيطان الهضاب المركزية، وتطور هذه العملية خلال الحديد الأول، تظهر لنا أن الاستيطان لم يبلغ ذروته إلا في سياق الحديد الثاني، الأمر الذي لا يسمح لنا بافتراض قيام مملكة لإسرائيل في الشمال قبل بدايات القرن التاسع قبل الميلاد. كما أن هناك من الأسباب ما يدعونا لأن ننفي أكثر قيام مملكة يهوذا في الجنوب خلال الفترة نفسها؛ لأن حركة الاستيطان هنا لم تنضج إلا بعد فترة لا بأس بها من تشكيل مملكة إسرائيل-السامرة، والأوضاع الملائمة لتكوين مملكة في يهوذا لم تتوفر إلا في سياق القرن الثامن. وهذه الحقائق تنفي وجود قاعدة مشتركة تجمع إسرائيل إلى يهوذا في تكوين إثني وسياسي.
إن أسرة الملك عمري التي بنت مدينة السامرة هي الأسرة التي شكلت، ولأول مرة، دولة اسمها إسرائيل. وهذه الأسرة معروفة تاريخيا، وملوكها موصوفون في النصوص الآشورية، إلا أننا لا نملك الأساس التاريخي الذي يمكننا من عقد صلة بين ملوك السامرة هؤلاء والملوك المزعومين للمملكة الموحدة، أو الافتراض بأن هذه المملكة الموحدة هي الأصل التاريخي لإسرائيل السياسية. فمع بناء السامرة فقط يتوفر لدينا من الوثائق التاريخية والأركيولوجية ما يكفي للحديث عن إسرائيل التاريخية، ولكن بصيغة «دولة إسرائيل» أو «دولة السامرة»، وهي دولة فلسطينية محلية أنشأها الملك عمري حوالي عام 880ق.م. واستمرت أقل من قرنين من الزمان، حيث دمرها الآشوريون حوالي عام 721ق.م. وسبوا أهلها إلى آشور. وهؤلاء المسبيون لم يرجعوا قط إلى مواطنهم في فلسطين، بل ذابوا عرقيا بين الجماعات التي أقاموا بين ظهرانيها. أما قبل صعود أسرة عمري وبناء مدينة السامرة ، فإنه من العبث التحدث عن إسرائيل سياسية أو إثنية في المنطقة، ومفهوم «كل إسرائيل» هو نتاج التقاليد التوراتية المتأخرة، والتي بنيت أساسا على وجود تاريخي لإسرائيل-السامرة، وليس العكس.
Shafi da ba'a sani ba