Aram Dimashq Da Isra'ila
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Nau'ikan
وفي قصة زواج الملك سليمان من ابنة الفرعون يقع المحرر في تناقض يظهر الطابع الخيالي لنفوذ سليمان الداخلي والخارجي. فقد صعد فرعون مصر المجهول الاسم على فلسطين، وأخذ مدينة جازر الكنعانية وأعطاها مهرا لابنته التي زوجها من سليمان. فإذا علمنا أن مدينة جازر هذه لا تبعد عن أورشليم أكثر من بضع عشرات من الكيلومترات، لعرفنا مدى النفوذ الفعلي للملك سليمان، الذي وصلت سلطته إلى الفرات وكان عاجزا عن ضم مدينة كنعانية قوية لا تبعد إلا رمية حجر عن عاصمته.
النقد التاريخي والأركيولوجي لأخبار المملكة الموحدة
في الوقت الذي كانت فيه ملكة مجهولة الاسم والموطن تزور سليمان لكي تتأكد مما سمعته عن أخبار عظمته، كانت منطقة الشرق القديم تموج بالأحداث السياسية الكبرى. ففي القرن العاشر قبل الميلاد كان الآراميون، الذين طبعوا الألف الأول بطابعهم الثقافي، قد شكلوا ممالكهم فيما بين حوض الخابور وسوريا المجوفة، وفيما بين جبال زاغروس وأطراف الصحراء العربية، واتخذت الثقافة الآرامية ملامحها الثابتة. كما كانت الثقافة الفينيقية على شاطئ المتوسط من أرواد إلى صور تطبع حوض المتوسط بطابعها السوري الكوني. فمن منطقة حران شرقا إلى سهل العمق غربا، على طول المنطقة الشمالية السورية، تشكلت ممالك آرامية قوية يدعوها المؤرخون الغربيون خطأ بالممالك الحثية الجديدة، نظرا لتأثر فنونها بالتقاليد الفنية الحثية، ونزوح عناصر حثية إليها بعد انهيار مملكة حاتي في الأناضول.
13
كما قامت ممالك آرامية أخرى في حوض الخابور والفرات، وفي منطقة حلب، وفي المناطق الممتدة من حلب شمالا إلى دمشق في الجنوب. وفي المناطق المحصورة بين مملكتي دمشق وحماة الآراميتين، وعلى الشريط الساحلي الفينيقي، استمرت مملكة آمورو القديمة التي نعرفها من رسائل تل العمارنة، وكانت عاصمتها سيميرا (التي تم اكتشافها مؤخرا في تل الكزل على مسافة بضعة كيلومترات من طرطوس باتجاه حمص) أكبر مدينة على السهول الساحلية السورية. وفي القرن العاشر قبل الميلاد بدأ المد الإمبريالي الآشوري، وتحولت الحملات الآشورية الاستعراضية التي ابتدأت منذ القرن الثاني عشر إلى حملات توسع وإخضاع. فابتدأ ملوك آشور أولا بفرض نفوذهم الاسمي على الممالك الآرامية عند الفرات والخابور، ثم أخذوا منذ مطلع القرن التاسع بالاقتراب تدريجيا نحو مناطق غربي الفرات.
لا يعكس سفر الملوك الأول شيئا من أخبار هذا العالم حول مملكة سليمان، ومن بين الممالك القريبة والبعيدة جميعها، التي كانت قائمة في القرن العاشر قبل الميلاد، لا يذكر النص التوراتي إلا دمشق وصور مصر. فيما يتعلق بدمشق، لا يعطينا النص إلا خبرا مقتضبا عن دخول رزون بن أليداع إليها، وتنصيب نفسه ملكا على المدينة. وفيما يتعلق بصور يركز على العلاقات الديبلوماسية بين ملكها المدعو حيرام وبين سليمان، والمشاريع التجارية البحرية المشتركة بينهما. ولكننا لا نملك حتى الآن أية وثيقة كتابية أو أركيولوجية تؤكد وجود ملك على مدينة صور في القرن العاشر قبل الميلاد اسمه حيرام. وقد ادعى يوسيفوس اليهودي في تاريخه الذي وضعه في أواخر القرن الأول الميلادي أن حوليات ملوك صور قد ذكرت حيرام، ونقل مقتبسات عن هذه الحوليات وردت عند مؤلفين كلاسيكيين، مثل دايوس بوليستر
Dius Polyhistor
وميناندر الإفسوسي
Menander of Ephesus ، ممن لم تصلنا مؤلفاتهم. وفيما يتعلق بمصر، لا نعرف إلا أن فرعون ملك مصر قد أرسل ابنته إلى سليمان لتكون زوجة له. وبما أن النص التوراتي لا يعطي أية تفاصيل أخرى، فقد افترض المؤرخون أن حما سليمان هو الفرعون سيامون آخر فراعنة الأسرة الحادية والعشرين؛ لأن الفرعون شيشق، الذي خلفه، كان من أعداء سليمان، واستقبل خصمه يربعام بحفاوة عندما لجأ إليه. ولكن النصوص المصرية من عصر الفرعون سيامون لا تذكر شيئا عن سليمان ولا عن مملكة سليمان. وكذلك الأمر فيما يتعلق بالنصوص المصرية من عصر الفرعون شيشق، فرغم أن هذا الفرعون هو أول ملك أجنبي تتقاطع عنده الرواية التوراتية مع المصادر الخارجية، إلا أن سجلاته قد تجاهلت تماما وجود مملكة قوية موحدة في فلسطين، ولم تأت على ذكر الملك سليمان لا من قريب ولا من بعيد، ولا فيما يشبه الإشارة. ورغم أن النص التوراتي يقول بأن شيشق قد صعد على أورشليم بعد وفاة سليمان وأخذ جميع كنوز بيت الرب، إلا أن سجل الحملة الوحيدة لشيشق على آسيا لا يذكر لنا مدينة أورشليم ولا أية مدينة مهمة من مدن يهوذا.
14
Shafi da ba'a sani ba