Aram Dimashq Da Isra'ila
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Nau'ikan
ولم يكن رحبعام وأهل يهوذا أكثر احتراما لهيكل الرب في أورشليم من أهل إسرائيل: «وعمل يهوذا الشر في عيني الرب وأغاروه أكثر من جميع ما عمل آباؤهم بخطاياهم التي أخطئوا بها، وبنوا هم لأنفسهم أيضا مرتفعات وأنصابا وسواري على كل مرتفع وتحت كل شجرة خضراء. وكان أيضا مأبونون في الأرض.
8
فعلوا حسب كل أرجاس الأمم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل. وفي السنة الخامسة للملك رحبعام، صعد شيشق ملك مصر إلى أورشليم وأخذ خزائن بيت الرب وخزائن بيت الملك، وأخذ كل شيء، وأخذ أتراس الذهب التي عملها سليمان، فعمل الملك رحبعام عوضا عنها أتراس نحاس ... وكانت حرب بين رحبعام ويربعام كل الأيام. ثم اضطجع رحبعام مع آبائه ودفن في مدينة داود. وملك أبيام ابنه عوضا عنه» (الملوك الأول، 14: 21-31). «في السنة الثامنة عشرة للملك يربعام بن نباط، ملك أبيام على يهوذا، ملك ثلاث سنين في أورشليم ... وسار في جميع خطايا أبيه التي عملها، ولم يكن قلبه كاملا مع الرب إلهه كقلب داود ... وكانت حرب بين أبيام ويربعام، ثم اضطجع أبيام مع آبائه فدفنوه في مدينة داود، وملك آسا ابنه عوضا عنه. في السنة العشرين ليربعام ملك إسرائيل، ملك آسا على يهوذا، ملك إحدى وأربعين سنة في أورشليم ... وعمل آسا ما هو مستقيم في عيني الرب كداود أبيه. وأزال المأبونين من الأرض، ونزع جميع الأصنام التي عملها آباؤه» (الملوك الأول، 15: 1-12).
أما في إسرائيل، فبعد فترة حكم دامت حوالي عشرين سنة، توفي يربعام أول ملوك إسرائيل، وكانت وفاته في السنة الثانية لحكم آسا في يهوذا. فملك ابنه ناداب عوضا عنه، وحكم سنتين فقط، وعمل الشر في عيني الرب وسار في طريق أبيه. فخرج عليه المدعو بعشا من سبط يساكر وقتله وأباد كل بيت يربعام. ثم قامت حرب ضروس بين إسرائيل ويهوذا، استعان فيها آسا ملك يهوذا بملك دمشق المدعو بنهدد بن طبريمون بن حزيون، وأرسل له هدية من جميع آنية الذهب والفضة الباقية في خزائن بيت الرب وخزائن بيت الملك. فصعد ملك دمشق وضرب كل المدن الشمالية من إسرائيل وأخذها، فكف بعشا يده عن يهوذا، وعاد بنهدد إلى دمشق.
ثم توفي بعشا ملك إسرائيل بعد حكم دام أربعا وعشرين سنة، وملك ابنه إيله عوضا عنه، وبعد سنتين خرج عليه القائد العسكري المدعو زمري، ودخل عليه في بيته وهو يشرب ويسكر فقتله، وضرب كل بيت بعشا بحد السيف. ولكن القطعات العسكرية، التي كانت في ذلك الوقت تقاتل الفلسطينيين، لم تقف إلى جانب زمري، بل تحولت إلى رئيس الجيش المدعو عمري، فجاء عمري وحاصر زمري في العاصمة ترصة وأخذها، وأما زمري فقد أحرق على نفسه البيت ومات بعد أن حكم سبعة أيام فقط. وحكم عمري اثنتي عشرة سنة؛ ست منها في مدينة ترصة، وست في السامرة، وهي العاصمة الجديدة التي بناها لنفسه.
وعمري هذا هو أول ملك إسرائيلي موثق تاريخيا، ومعه تدخل الرواية التوراتية لأول مرة مسرح التاريخ، بعد حوالي ألف سنة من عمر إسرائيل التوراتية. ولسوف أتوقف في قراءتي لسفر الملوك الأول عند هذه النقطة؛ لأن ما يأتي من أخبار مملكتي إسرائيل ويهوذا سوف يعالج لاحقا من خلال أخبار مملكة آرام دمشق، وعلاقاتها الدولية مع آشور وبقية دول المنطقة.
النقد النصي لسفر الملوك الأول
في سفر الملوك الأول لدينا قسمان متمايزان في المضمون وفي الأسلوب، يشمل القسم الأول الإصحاحات من 1 إلى 11، ويتضمن أخبار الملك سليمان، أما القسم الثاني فيمتد حتى نهاية السفر، ويتضمن أخبار ملوك إسرائيل ويهوذا بعد انقسام المملكة الموحدة. يسود في القسم الأول أسلوب الجمع التراثي، الذي يستمد مادته من ذاكرة شعبية مشوشة تمتح من مصادر متنوعة، وفترات تاريخية متباعدة. أما القسم الثاني فقد تمت معالجته وصياغته بأسلوب جديد سوف يستمر إلى سفر الملوك الثاني، الذي يغطي بقية أخبار المملكتين وصولا إلى السبي البابلي. ورغم أن هذا الأسلوب الجديد لم يتخل تماما عن أسلوب الجمع التراثي، إلا أنه أضاف إليه طريقة في السرد الإخباري تقترب من الكتابة التاريخية، وإن لم ترق إليها تماما. ويبدو أن المحررين هنا قد أخذوا بالاعتماد على بعض المصادر الكتابية القريبة إلى عصر تدوين الأسفار التوراتية، بينها ثبت ملوك يهوذا، وثبت ملوك إسرائيل، التي يشار إليها في النص بأخبار الأيام لملوك يهوذا، وأخبار الأيام لملوك إسرائيل. ولسوف نرى عبر فصول القسم الثاني من دراستنا أن هذه المصادر، في حال وجودها، لا تتمتع بقدر كاف من المصداقية التاريخية. فإذا أضفنا إلى نقص المصداقية التاريخية في مصادر المحرر استمراره في رؤية الأحداث وترتيبها من خلال المنظور الأيديولوجي لعملية التحرير برمتها، وما ينجم عن ذلك من انتقائية وهوى في اختيار الأحداث؛ لرأينا أن الاختلاف في الأسلوب لم يحمل اختلافا في الرسالة والمضمون، ذلك أن المحرر التوراتي قد بقي أمينا للهدف الرئيسي من تدوين الأسفار التوراتية وهو: تجذير الأصول. فابتداء من منتصف سفر الملوك الأول تنتهي المرحلة الأولى من عملية تجذير الأصول، والتي أسست من خلالها لمفهوم «كل إسرائيل»، وتبدأ المرحلة الثانية، وهي التأسيس لأصول مملكتي إسرائيل ويهوذا، وأصول دمار هاتين المملكتين. إن هم المحرر التوراتي في فترة التدوين كان التأمل في مسألة خراب المملكة، وفي أسبابه، وفي الأحداث التي قادت إلى ذلك الخراب. إلا أنه قد بقي أمينا أيضا لرؤيته الأيديولوجية، ينأى بنفسه عن تلمس الأسباب التاريخية الحقيقية الفاعلة في عملية التدهور والدمار، مركزا على المسألة اللاهوتية وعلى علاقة الرب بشعبه كمحرك رئيسي في صيرورة التاريخ. وسيكون علينا أن ننتظر إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وهي فترة تدوين أسفار المكابيين، لكي نتلمس تغييرا جذريا في أسلوب النص التوراتي، واكتسابه لأول مرة شكل الكتابة التاريخية ومضمونها. ذلك أن أسفار المكابيين قد دونت باللغة اليونانية، ومحرروها متأثرون بالثقافة اليونانية، التي عرفت جنس الكتابة التاريخية وبرعت فيه.
تصل قصة إسرائيل التوراتية ذروتها عند أخبار الملك سليمان. فعصر سليمان هو العصر الذهبي الذي مضى إلى غير رجعة، والذي ابتدأ بعده العد العكسي باتجاه الهاوية. والمحرر هنا يستخدم معظم العناصر التي تستخدمها قصص العصر الذهبي المعروفة في أساطير وخرافات الشعوب، والتي تعتمد على كل عجيب وغريب ومدهش. فأهل إسرائيل ويهوذا كانوا «كثيرين كالرمل على البحر في الكثرة، يأكلون ويشربون ويفرحون.» و«سكن يهوذا وإسرائيل آمنين كل واحد تحت كرمته وتحت تينته من دان إلى بئر السبع كل أيام سليمان.» وهذا الوصف يذكرنا بأسطورة العصر الذهبي السومرية التي تقول: «أرض دلمون مكان طاهر، أرض دلمون مكان نظيف. في أرض دلمون لا تنعق الغربان ولا تصرخ الشوحة صراخها المعروف. حيث الأسد لا يفترس أحدا، ولا الذئب ينقض على الحمل. حيث لا يعرف أحد رمد العين، ولا يعرف أحد آلام الرأس. ولا يشتكي الرجل من الشيخوخة، ولا المرأة من العجز. حيث لا وجود لمنشد ينوح، ولا لجوال يندب ...»
9
Shafi da ba'a sani ba