Aram Dimashq Da Isra'ila
آرام دمشق وإسرائيل: في التاريخ والتاريخ التوراتي
Nau'ikan
غير أن موسكاتي، في كتاب لاحق له صدر عام 1969 حول قواعد اللغة السامية، يظهر شكه في هذه الفرضية وما يتبعها من نسبة اللغة السامية الأصلية إلى الصحراء العربية، ومن كون اللغة العربية هي الأقرب إلى هذه السامية الأصلية من شقيقاتها في الهلال الخصيب، مثل الأكادية والأوغاريتية.
4
وبدلا من التركيز على ما يسمى باللغة السامية الأصلية، يقوم العلماء الآن بتلمس خيط يربط اللغات السامية باللغة المصرية وبقية لغات شمال أفريقيا. وهم يرون أن الأقرب إلى الواقع هو وجود لغة أفرو-سامية، تفرعت فيما بعد إلى سامية وأفريقية عند نقطة معينة من التاريخ. من هؤلاء العلماء: الألماني
Behrens ، والروسي
Diakonoff . ففيما بين الألف السادس والألف الخامس قبل الميلاد تعرض الشمال الأفريقي إلى موجة جفاف طويلة وحادة، أدت إلى التشكل التدريجي للصحراء الأفريقية، وإلى هجرات نحو مصر وآسيا الغربية. وقد قادت هذه الهجرات إلى تكوين اللغة المصرية القديمة في وادي النيل، واللغات البربرية فيما وراء الصحراء الليبية، واللغة السامية الأم في سوريا، وهي السامية الغربية، وعنها انشقت السامية الشرقية التي طورها النازحون باتجاه وادي الرافدين.
5
لقد ازدهرت الحضارة الزراعية في سوريا منذ الألف الثامن قبل الميلاد، وكانت الثورة الثقافية - التي يدعوها الأركيولوجيون بثورة النيوليتيك (ثورة العصر الحجري الحديث) - قد بلغت ذروتها إبان الفترة التي وصل خلالها النازحون من شمال أفريقيا، من هنا فإن القادمين الجدد لم يكن لديهم ما يقدمونه للثقافة النيوليتية المتطورة سوى لغتهم، التي تفاعلت مع اللغة المحلية لينتج عن تفاعلهما اللغة السامية الأصلية. أما عن جزيرة العرب، فيبدو أن اللغة السامية قد جاءتها من فلسطين وسوريا الجنوبية في أواخر عصر البرونز المبكر، وأوائل عصر البرونز الوسيط (أي حوالي عام 2000ق.م.)، فخلال هذه الفترة ساد المنطقة السورية جفاف حار وطويل، أدى إلى انهيار ثقافة البرونز المبكر، وإلى اقتلاع للسكان وهجرات واسعة النطاق، وتحول شرائح كبيرة من المزارعين المستقرين إلى الرعي المتنقل. من هذا المنظور تغدو الهجرة السامية عكسية، وباتجاه الجزيرة العربية لا منها.
6
لقد أدت الثورة النيوليتية في سوريا وبلاد الرافدين إلى إحلال جملة من التغيرات العميقة الأثر في مجرى الحضارة الإنسانية. فخلال العصر الحجري الحديث استقر الإنسان الصياد في الأرض، وبنى القرى الزراعية الأولى في تاريخ البشرية، وأخذ بإنتاج الغذاء بدلا من جمعه، مبتدئا بذلك حضارتنا الحديثة التي تعتبر استمرارا غير منقطع لتلك القرى الزراعية الأولى. وكما كانت منطقة الهلال الخصيب منطلقا للثورة النيوليتية، فقد كانت أيضا منطلقا للثورة الحضرية، أو المدينية (نسبة إلى مدينة)، وهي الثورة الثقافية الثانية في حياة البشرية. فمع أواخر الألف الرابع ومطلع الألف الثالث قبل الميلاد ظهرت المدن الأولى في منطقة سومر جنوب وادي الرافدين، تبعتها المدن المصرية، فمدن بلاد الشام. ولقد غدا واضحا، على ضوء علم مناخ وبيئة العصور القديمة،
7
Shafi da ba'a sani ba