Ara'ar Dokta Shibli Shumayyil
آراء الدكتور شبلي شميل
Nau'ikan
فترى أني لم أتعمد في مباحثي نفي الأديان لغرض في النفس ولم أنفها بكلام ألقيته جزافا، وبرأي فلسفي خاص أو مقتبس كما يتوهم أكثر الذين يسمعون بي ولم يقرءوا مني شيئا، ولم أتحذلق فيها كما يفعل كثيرون اليوم ممن لا يسلمون بالنتيجة العلمية كما هي لئلا تسقط رغائبهم، ولا يقفون في اعتقادهم عند حد الأديان المعروفة، بل يذهبون فيها مذاهب خاصة كل منهم على هواه؛ لئلا يقال: إنهم متقهقرون، ومثل هؤلاء مثل من أسلم الظهر ومات العصر؛ فعيسى أنكره ومحمد لم يعرفه، وإنما التزمت فيها جانب العلم، وأريد بالعلم العلم الطبيعي القليل الانتشار اليوم لا علم الجدل النظري الذي يستطيع أن يطرقه كل مفكر، بل أنا أكره جدا كل بحث مبني على النظر المجرد. وفي اعتقادي أن وقوف العمران متباطئا في السير متباطئا في الارتقاء ومتقهقرا أحيانا كثيرة سببه الأكبر أن أكثر علومه حتى اليوم علوم مجردة، ولطالما صرفته في الماضي عن القريب منه إلى البعيد عنه، أليس من الغريب أن يكون الإنسان قد خبر غير المنظور وبحث السماوات العلى، وقاسها بالشبر وعرف طوائف الجن وعدد الملائكة والأبالسة، قبل أن يتعرف أديم الطبقة الأولى من الأرض التي تطؤها قدمه كل يوم والتي هي منشأ ذائه ومنبت كسائه والتي هي مهده والتي هي لحده؟!
وأنا لم أنظر إلى الأديان نظر المستخف بل بحثت فيها كما بحثت في كل شيء متعلق بالإنسان ككائن طبيعي تقلب على أطوار مختلفة في نشوئه، وهي في اعتقادي نفعت كثيرا وأضرت كذلك، ككل نظام يكون نفعه أكثر من ضرره في أوله، ثم ينقلب في أيدي أتباعه إلى الضد أو أنه لا يعود يصلح، شأن كل موضوع لا بد من تعديله على الدوام ليوافق روح كل زمان ومكان.
ولا أظن أنه يوجد بين المؤمنين أنفسهم من هو أشد إعظاما مني لواضعي الأديان الذين أعتبرهم من أكبر رجال الإصلاح، وربما التمست لهم عذرا في التعويل عليها لنشر دعوتهم الإصلاحية؛ لما فيها من الترغيب المشهي والإرهاب المخيف، ولا سيما في ذلك الزمان الذي كانت الأفكار فيه متشبعة بمبادئها القوية وأسرارها الخفية، ولكني مهما عظمتهم وعظمت سواهم من المصلحين، فأنا لا أتحول عما أقول أيضا: «إن مصلح اليوم لا يلبث أن يصير رزئا كبيرا وعبئا ثقيلا على مصلح الغد.» لوجوب التعديل على الدوام في كل إصلاح مهما كان، والإنسان من طبعه الجمود في كل من يألفه، فلا يسهل عليه الانتقال فيه إلا إذا بلغ من العلم مبلغا قصيا.
فإذا كنت قد قمت على الأديان من الجهة العلمية؛ فلأنها لا مسوغ لها في العلم، ومن الجهة الاجتماعية؛ فلأنها أضرت كثيرا بجمودها وجمود أتباعها بها، كما قمت أيضا على سائر الشرائع الموضوعة والتباطؤ في الانتقال بها، ومن منا ينكر ما ارتكب وما لا يزال يرتكب من الفظائع كل يوم باسم الأديان، وهي أشد هولا كلما كانت الأمم أشد توغلا في الجهل؟! بل من منا لا يرى هول الموقف إذا شاء التحول بها إلى ما يكون أوفق لمصلحة العمران؟!
غرابة آرائي الاجتماعية
أما عن غرابة آرائي الاجتماعية؛ فالغريب فيها أن ترمى بالغرابة، كأن المألوف للناس في نظام الاجتماع هو النظام الصالح لهم دائما؛ للرضى به وعدم السعي للتحول عنه إلى ما يكون أوفق لمصلحة العمران، والواقع ينقض ذلك؛ فنظام الاجتماع يتغير على الدوام طبقا للناموس الطبيعي القاضي بأن كل شيء في الطبيعة متغير، فيجب إذن أن لا نصده بما نضعه له من الشرائع والنظامات عن هذا التحول طبقا لحاجات أعضائه المتغيرين هم أنفسهم؛ لئلا يوجب ذلك فيه اختلالا في التوازن يفضي به إلى غير المقصود منها، بل يجب أن نجعل له في هذه الشرائع متسعا لسرعة هذا التحول إلى الأصلح لنقيه بذلك شر عواقب الإبطاء في هذا الارتقاء.
والناظر إلى نظام الاجتماع في التاريخ يجد أنه تغير كثيرا في العصور، وأنه اليوم أصلح بكثير مما كان في الماضي، ولكنه يجد أيضا أنه تباطأ جدا في هذا التغير وهو حتى الآن لا ينطبق كثيرا على مصلحة العمران؛ لأن الشرائع التي تولت سياسته في كل هذه الأحقاب الطويلة والتي لا تزال تسوسه حتى اليوم، لم تعرف كيف توفر له الانتفاع من جميع القوى التي فيه فأكثرت من التبذير فيها؛ مما جعله كثير التقهقر كثير الوقوف بطيء الارتقاء، وهو لا يزال حتى اليوم شديد التنازع قليل التضامن كثير الاضطراب، فعدم معرفة توفير العمل يجر إلى الفاقة والفاقة تدفع إلى الجناية، وعدم توزيع الفائدة على قدر العمل يؤدي إلى التذمر، والظلم المتناهي يدفع إلى الثورة، كما أن عدم الاعتناء بوسائل صحة الأفراد يولد الأمراض ويعرض المجتمع لفتك الأوبئة؛ لأن ناموس التكافؤ الطبيعي في العمران صارم جدا لا يرحم ولا يقبل تأجيلا،
1
فإذا كانت الشرائع حتى اليوم لم تعرف كيف توفر له هذا الانتفاع وتدرأ عنه شر إغفالها؛ فلأن مبدأها مخالف لطبيعته التي قررها له العلم اليوم؛ فالشرائع المدنية جعلت أساس توازنه دفع الشر ولاذت فيه إلى العقاب، وقد يكون القائمون بهذه الشرائع من أكبر أسباب هذا الشر فيتناهون هم ويتفاقم هو. وزادت الشرائع الدينية على العقاب الثواب للترغيب بالجزاء الحسن، وتوسلت التعاليم الأدبية منها بالحض على الإنسانية ليكون هناك محل واسع للرحمة، والرحمة كرم من النفس كثيرا ما يلهو الإنسان عنه،
2
Shafi da ba'a sani ba